مضى نحو عام على تولية الرئيس محمد مرسى, سبقته جهود مضنية ومكثفة من كافة القوى الإسلامية والوطنية التى نصرته أو فضلته على الفريق شفيق, صحيح أن الأغلبية كانت طفيفة، ولكنها النتيجة التى أعطت جواز المرور إلى قصر الرئاسة لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد، إذا ما أحسن الأداء, وفى آخر هذا الشهر تنقضى ربع المدة، بمعنى أن 25 بالمائة من المطلوب فى فترة الولاية ينبغى أن يكون قد تحقق، خاصة أن البداية لابد وأن تشمل التخطيط الشامل واعتماد البرامج واختيار الصالحين للتنفيذ وتدبير الإمكانات اللازمة وتحديد التوقيتات والمسئوليات، فضلاً عن المعالجة السريعة للقضايا التى تهم الجماهير ورفع المظالم عن المظلومين, ولقد شاهدنا ضربة البداية الجميلة التى بدأها الرئيس بعد حلفه لليمين وهو يؤكد أنه ليس له حقوق وإنما عليه واجبات, ثم رأيناه يكشف عن صدره للناس وسط مشاعر جياشة من جماهير فرحت بنجاحه، وكلها أمل بمسيرة الإصلاح الذى انتظرناه طويلاً. وبعد أن حمل الرئيس على كتفيه الأمانة وجلس ممسكاً بدقة الحكم يديرها كرئيس لكل المصريين، تقدمنا كجماعة إسلامية وحزبها البناء والتنمية، بمقترحات حول رؤيتنا العامة للمشهد السياسى وأولويات العمل والحلول الفورية المطلوبة وما تيسر من نصائح رأيناها مفيدة فى لمّ الشمل وجمع الكلمة وتسوية الصف وإزالة المعوّقات, لقد كنا ندرك تماماً أن المعركة طويلة ومريرة، ولهذا أبدينا استعدادنا للتعاون والنصرة من أجل الوطن الذى عانى كثيراً فى ظل الاستبداد. ولم يكد يمر بعض الوقت حتى بدأت تأتينى إشارات سلبية حول المستقبل، وكلما قلت لبعض العاملين فى الحقل السياسى: الحمد لله, لقد أشرق فجر جديد على مصر, قال محدثى بلهجة المتشكك: نسأل الله أن يكون الأمر كذلك!! ويقول آخر: ربنا يسترها, الفلول لن تسكت.. ويقول ثالث: الإخوان ستدخل البلاد فى مشاكل كبيرة قلت له كيف؟! قال: لأنهم لا يرون سوى أنفسهم على الساحة ويعتبرون مؤسسة الرئاسة ذراعاً جديدة لهم وأرضاً اكتسبوها إلى مملكتهم!! فتعجبت من هذه الأحاسيس الموجودة فى الشارع، وسرعان ما رأيت أجواء توحى بالتوتر وقرارات لم يستشر فيها أحد، ومساعدين لا يعرفون ما يجرى, وتباعاً تبلورت مواقف مضادة للرئيس, ودخل القضاء إلى الحلبة, وانطلق الإعلام المعادى يبث سمومه فى أنحاء المعمورة, فأوصينا بكيفية العلاج والخروج من الأزمة بالنصيحة الفورية للمسئولين, ولكن الخرق ظل يتسع وازدادت مساحة الشقاق وسط موجة من الاتهامات بين الحكومة والمعارضة. ولقد وقعت بعض المصادمات الدموية تدخّل فى وسطها الكارهون لمصرنا, والطامعون فى عودة النظام السابق فسعد سكان سجون طره وبعض الدول المنافسة لمصر من حالة الاضطراب التى تسود البلاد. ولاشك أن محاسبة الرئيس على فترة ولايته - حتى نكون منصفين - ينبغى أن تتم فى ختام هذه الفترة لنحصى له إيجابيات وسلبيات هذه المرحلة, ولكننا فى ذات الوقت يداخلنا شعور بالقلق لا يمكن تجاهله، لأن الأداء خلال العام الأول للحكم لم نشعر فيه بإنجازات ملموسة, بل ازدادت بعض القطاعات تدهوراً، فما زالت الحالة الأمنية منفلتة والإعلام يتجاوز كل يوم الخطوط الحمراء, والأسعار باتت تعلو فوق قدرات المواطنين, والموقف السياسى يزداد احتقاناً، بينما خرجت علينا المحكمة الدستورية بالأعاجيب, وانطلقت مطالبات جبهة الإنقاذ تدعو لانتخابات مبكرة, ورأينا من يجمع توقيعات بسحب الثقة, وهناك من يجمع توقيعات بتجديد الثقة, وهكذا حالة من الارتباك التى تستدعى ألم الحزن فى القلوب, وتتدفق بسببها الدموع على الخدود. ولكننا فى نهاية المطاف وبلا شك شركاء فى هذا الوطن، نحزن لحزنه ونفرح لفرحه, ويهمنا أن تنجح الدولة فى إدارة البلاد, لأن الفشل لن يعود على مؤسسة الرئاسة بمفردها، ولا على الإخوان فحسب, بل علينا جميعاً كمصريين نعيش فوق تراب هذا الوطن ونحمل أمانة نؤديها إلى الأجيال القادمة. ولهذا فإننى أتصور أن الرئيس لابد وأن يطلب كشف حساب من الحكومة الحالية ليعرف الموقف منذ استلامها للسلطة وحتى الآن بعد مرور عام كامل من العمل, فلقد شهدنا اتفاقيات تجارية, وأحاديث حول مشروعات وأنشطة فى مجالات عديدة, فلابد وأن نعرف أين نقف الآن كى ندعم المسيرة فى مناطق العمل, ونتكاتف من أجل عبور مناطق الخلل. إننا نريد أن نطمئن على بلادنا ونعرف الحقائق فلا نفاجأ بأوضاع مأساوية فى ختام المرحلة، بل نحتاج إلى تقرير شامل حول كل هذا لتطمئن القلوب وتهدأ النفوس, ولكى يُعطى المواطن للحكومة شهادة النجاح من السنة الأولى إلى السنة الثانية, ثم إننى أؤكد أن ما كان يمكن قبوله فى السنة الأولى للحكم أصبح من المتعذر قبوله فى السنة الثانية لكون الخبرة تزداد وتكتمل بمضى الوقت, كما أن التعرف على مفاتيح المشكلات يكون قد تم بالفحص والتجربة, وكذلك الطرق الميسورة قد تم اكتشافها معاينة، أما الدروب الوعرة فلا بد من تجنبها, وبالتالى فإنه من المنطقى أن تكون الانطلاقة الجديدة تمتلئ حكمة وخبرة وتطويراً إلى الأفضل، وطالما أن النوايا صادقة, والقلوب مجتمعة, والمشروع واحد, والأيادى متعاونة, فإن الله تعالى سيوفقنا ويعيننا ويكلل جهودنا بالنجاح. والله المستعان
