رابطة النهر الخالد
كَم ذا يُكابِدُ عاشِقٌ وَيُلاقي
في حُبِّ مِصرَ كَثيرَةِ العُشّاقِ
إِنّي لَأَحمِلُ في هَواكِ صَبابَةً
يا مِصرُ قَد خَرَجَت عَنِ الأَطواقِ
لَهفي عَلَيكِ مَتى أَراكِ طَليقَةً
يَحمي كَريمَ حِماكِ شَعبٌ راقي
كَلِفٌ بِمَحمودِ الخِلالِ مُتَيَّمٌ
بِالبَذلِ بَينَ يَدَيكِ وَالإِنفاقِ
إِنّي لَتُطرِبُني الخِلالُ كَريمَةً
طَرَبَ الغَريبِ بِأَوبَةٍ وَتَلاقي
وَتَهُزُّني ذِكرى المُروءَةِ وَالنَدى
بَينَ الشَمائِلِ هِزَّةَ المُشتاقِ
رابطة النهر الخالد
كَم ذا يُكابِدُ عاشِقٌ وَيُلاقي
في حُبِّ مِصرَ كَثيرَةِ العُشّاقِ
إِنّي لَأَحمِلُ في هَواكِ صَبابَةً
يا مِصرُ قَد خَرَجَت عَنِ الأَطواقِ
لَهفي عَلَيكِ مَتى أَراكِ طَليقَةً
يَحمي كَريمَ حِماكِ شَعبٌ راقي
كَلِفٌ بِمَحمودِ الخِلالِ مُتَيَّمٌ
بِالبَذلِ بَينَ يَدَيكِ وَالإِنفاقِ
إِنّي لَتُطرِبُني الخِلالُ كَريمَةً
طَرَبَ الغَريبِ بِأَوبَةٍ وَتَلاقي
وَتَهُزُّني ذِكرى المُروءَةِ وَالنَدى
بَينَ الشَمائِلِ هِزَّةَ المُشتاقِ
رابطة النهر الخالد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الأدب العربي في السنين المئة الأخيرة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد الحصري




عدد المساهمات : 219
تاريخ التسجيل : 21/12/2011

الأدب العربي في السنين المئة الأخيرة Empty
مُساهمةموضوع: الأدب العربي في السنين المئة الأخيرة   الأدب العربي في السنين المئة الأخيرة Emptyالجمعة يناير 25, 2013 1:18 pm

(1) الأدب العربي في عصور التخلف.
(2) انتفاضة الشرق وأثرها في الأدب.
(3) نصيب الأدب من جهود البعثات العلمية.
(4) مرحلة التحرر القومي ومهمَّة الأدب فيها.
(5) ترجمة الأدب القصصي.
(6) نشأة الرواية التاريخية في الأدب العربي وتطورها.
(7) الرومانسية في الأدب العربي الحديث.
(Cool أدب المهجر.
(9) تجديد الشعر العربي.
(10) الصحافة ونهضة الأدب.
(11) تطوير النهضة.
(12) معركة القديم والجديد.
(13) القصة الفنية وروادها في الأدب العربي.
(14) أعلام الكتابة القصصية.
(15) المؤثرات في تقويم القصص الفني.
(16) محاولة الأدب تعصير اللغة والأسلوب والموضوع.
(17) التصوير الفني للمشكلات الاجتماعية.
(18) الأدب بين العامية والفصحى.
(19) مجمل الطابع الحاضر للأدب العربي.
• • • • •


(1) الأدب العربي في عصور التخلف:
إذا أردنا أن نحدد على وجه التقريب الفترة التي تعتبر فترة الحضانة والتنشئة لهذا الأدب العربي الحديث - جاز لنا أن نحددها بالسنين المائة التي مضت فيما بين القرن الماضي ومنتصف القرن الحاضر.


والأدب العربي – كما هو معروف – أدب عريق، اجتاز من عمر التاريخ مراحل طوالاً، إذ يتواصل نسبه خلال خمسة عشر قرنًا أو يزيد، وهو إلى ذلك أدب عالمي استمدَّ من مختلف ثقافات البلاد والأمم السالفة خصائص شتى، وكان له من بعد أثر بعيد في كثير من الآداب العالمية الأخرى، على تباين اللغات، الشرقية والغربية، في عديد من العصور.


ولكن هذا الأدب العربي - مع ذلك كله - تعاورته أسباب الضعف والخمول طوعًا؛ لما أصاب الأمة العربية في عهودها المغولية والمملوكية من عوامل التخلف والتفكك والجمود، فانكمش الأدب أثناء تلك العهود المظلمة في نطاق ضيق، يدور حول أغراض تافهة؛ فلا يستجيب لما يضطرم في وجدان الحياة من جوهر إنساني صميم، ولا يُسهم بقدرٍ كافٍ في توجيه اجتماعي إيجابي، يعبر عما في نفوس الناس من آلام وآمال.


(2) انتفاضة الشرق وأثرها في الأدب:
وانتفض الشرق انتفاضته الجديدة؛ ففتح عينيه على حضارة أوربية ذات نظم في السياسة، وأوضاع في الاجتماع، وحقوق للإنسان، ومذاهب في الفكر، وألوان من الأدب، كانت كلها قد نَمَتْ وَرَبَتْ وازْدَهَرَتْ، بفضل كفاح شعبي مرير، وصراع عقلي مديد، وأفانين من التجارب والممارسات، في غضون مئات من السنين، والشرق يومئذٍ منعزل يغط في نومه العميق، تحت ضغط الظروف والملابسات التي أسلمته إلى حكم استبدادي، عانى منه ما عانى من ضروب الاضطهاد.


وقد دعمت هذه الانتفاضة الجديدة في ربوع الشرق عناصرُ كثيرة، في مقدمتها ثلاثة:
الأول ظهور المطبعة، التي يسرت للتعليم أن ينتشر، وأتاحت للثقافة أن تشيع.
والثاني: رعيل البعثات التي عادت من "أوربا"، تحمل مشاعل العلم والمعرفة في أضوائها الجديدة.
والثالث: بزوغ الوعي الشعبي الذي ساعد على تكوين الشخصية الوطنية.


وإن انتفاضة الشرق في ذلك العهد لهي بمنزلة "عصر النهضة" أو "عصر البعث" في الآداب الأوروبية، ذلك العصر الذي سُمي "الرنيسانس"، على ما بين الانتفاضة الشرقية والنهضة الأوروبية من فوارق تستدعيها مقتضيات الأحوال، واختلاف العوامل بين الشرق والغرب.


وكما حدث في عصر النهضة، أو عصر البعث الأدبي في "أوربا" من قيام تلك النهضة على دعائم من الأدب الإغريقي الذي كان يسمى الأدب الاتباعي أو الأدب الكلاسيكي - حدث في نهضة الأدب العربي أن قامت هي الأخرى على دعائم؛ من أهمها: ابتعات القديم، وإحياء التراث، وتجديد الشعر بمحاكاة الفحول من الشعراء في أزهى العصور السوالف، وتقليد الأساليب البليغة والفنون الأدبيَّة القديمة؛ مثل "المقامات"، والتعلُّق بالأحكام المنطقيَّة التي كانت تسود الفِكْرَ العربي إبان ازدهاره في حضارة العرب، والقوانين البلاغية التي تَجمَّدت على أقلام العلماء والنقاد في مراحل شتى من الزمن.


ونظرة إلى شعر "البارودي" - وهو أوَّل شاعرٍ من ثِمار النهضة - تُرينا أنَّ أكبر ما قام به هو أنَّه ارتفع بِمَوضوع الشعر عن الأغراض الهزيلة التي كان يسبح فيها الشعراء في عصور الركاكة والتَّخلُّف، وأنَّه ردَّ ديباجة الشعر وعموده وأغراضه إلى ذلك المستوى الذي كان لعباقرة الشعر العربي في ماضيه البعيد.
ويفسِّرُ هذه النَّظرة: أنَّ "البارودي" نفسه أراد أن يخدم نهضة الشعر؛ فقدَّم لطلابه "مختارات" من أروع ما قال أولئك الشعراء في العهود المواضى، فكان التجديد عند "البارودي" هو الرجوع إلى هؤلاء الشعراء، والاستمداد مما تركوه، وسبيل هذا عنده أن يستظهر الجيل الجديد نخبة الذخائر من ذلك الأدب العربي الكلاسيكي التليد.


وكما تجلى ذلك في جانب الشعر - تَجلَّى أيضًا في جانب النثر؛ فقد كان جهد ما تتطاول إليْهِ أقلام الكُتَّاب أن يصطنعوا أساليبَ البُلغاءِ من المُتقدِّمين أمثال "الجاحظ" و"الهمذاني" و"القاضي الفاضل" على تنوُّعها، واختلاف خصائصِ كلٍّ منها، وكانوا يُفاخِرُون بأنَّهم قد تدانَوا من منالها، واتَّخذوا منها مثالاً يُحتذى؛ بل لقد حاول أولئك الكُتَّاب أن يُحْيُوا فنًّا أدبيًّا قديمًا هو فَنُّ "المقامات" الذي برع فيه "الهمذاني" و"الحريري" فيما مضى، وهو لون من ألوان القصص العربي؛ فكتب "اليازجي" على ذلك الغرار كتابه "مجمع البحرين"، وهو إلى اللغة والتعليم أقرب، وكتب "المويلحي" كتابه "حديث عيسى بن هشام"؛ فكان تطوُّرًا لفنِّ الأدب المقامى، ينتحي مَنْحَى القصص الفني، ويعالج من الشؤون ما يتصل بالحياة أوثق الاتصال.


وعلى الرَّغْمِ من أنَّ العقليَّة العربيَّة قد نضجت في عهدها الراهن بخمائر من العلم الحديث والحضارة الجديدة، وعلى الرغم من أن الجهد الفكري والإنتاج الأدبي في شتى مواطن العروبة يسهم إسهامًا كبيرًا في متابعة الفكر العالمي والأدب الإنساني، وفي التأثر بمختلف التيارات التي تسفر عنها مناهج البحث وطرائق النقد في الشرق والغرب على السواء – على الرغم من هذا كله؛ فإن هناك نزعة عميقة الجذور في كيان الوطن العربي بمدلوله الواسع، وهذه النزعة لا تبرح تهفو بالمفكرين وقادة الرأي إلى الاستمساك بالأصول العريقة في أدب العروبة، وما أنتجته قرائح العرب على مد العصور الخالية، واعتبار هذه الأصول ينبوعًا عذبًا نقيًّا للتنشئة اللغوية وتربية الملكات وتقويم الشخصية في هذا الجيل وفيما يستقبل من الأجيال، وإن هذه الأصول لتحمل في التعبير عنها على ألسن الكتاب والنقاد أشرف الكلمات دلالةً وأوفرها سناءً؛ فهي تسمى تارةً "الذخائر"، وحينًا "النفائس"، وطورًا "الكنوز"، وآنًا تسمى "التراث".


وليس أدل على هذا النزوع العميق من أنك لا تكاد تجد مؤسسة ثقافية، حكومية كانت أو أهلية - إلا رأيتَها قد جعلتْ في طليعة أهدافها البحثَ عن هذه الأصول، وتحقيق نصوصها، وتقريب منالِها من الأنظار والأفكار، متَّخذهً لها في ذلك اسم "البعث" أو "الإحياء" أو "النشر"، أو ما إلى ذلك من الأسماء التي تشعر بجلالة ما ترمي إليه من هدف.


ولا ريب في أنَّ لهذا النزوع مغزًى كبيرًا في واعية الرأي العربي العام، ذلك المغزى هو أن أبناء العروبة اليوم في كل مكان حراص على أن يحتفظوا للشخصية العربية بذلك الطابع المستقل، الذي تجلَّتْ عبقريَّته فيما شاد من حضارة فكرية وعمرانية تُشرق بها صفحات التاريخ.
وقد كان في عناصر تلك الحضارة ما مهَّد الطريق من بعد للحضارة العالميَّة التي تعيش فيها البشريَّة الآن؛ فالعرب باعتزازِهم بِلُغَتِهم، وإجلالهم لما خلَّفه لهم أسلافُهم في هذه اللغة من مَدَدٍ عقْلِيٍّ غزير - يَبْغُونَ أن يقروا في وجدان كل عربي أُسُسَ هذا الاعتزاز والإجلال، وذلك إلى جانب إيمانهم بأن في هذا التراث بذورًا صالحة للانتفاع بها على تعاقب الأحقاب.


وهم من أجل ذلك، ومن أجل وحدة الفكر العربي التي شملت أوطان العروبة في عصورها المتطاولة - يَعتَبِرُون الأدب العربي والثقافة العربية خلال تلك العصور غذاء حيًّا، يَجِبُ التَّزوُّد منه للحاضر والمستقبل.


ولكنَّ هذا النُّزوع الروحي الموصول بروابط تاريخية واجتماعية، ووشائج من وراثات الدم والنَّسب، المستمدّ من الوحي الديني المقدَّس ثباتًا وركانةً، لا يَقِفُ سدًّا دون نُزُوعٍ آخَر يناظر ذلك النُّزوع قُوَّةً وحيويَّة وحرارة إيمان، وهذا النزوع الآخر هو الإقبال على كل جديد من مناهج الأدب، والاغتراف مما أفاضَتْه العقلية الحديثة من مناهل المعرفة؛ فالفكر العربي الذي اتسع قبل ألف من السنين لحكمة الهند، وثقافة الفرس، وفلسفة يونان، حتى استوعب ضروب المعارف والآداب في مختلف الأمم على اختلاف العهود، يستبقي اليوم في كيانه هذه المرونة، وسعة الأفق، وخاصية الامتصاص، ويعمل جاهدًا على أن يتمثل ما جد تحت الشمس من أدب ومن ثقافة ومن عرفان، وهو لا يؤمن بالمثل القائل بأنه: "لا جديد تحت الشمس"، ولكنه يقتدي بما جاء في الأثر من أن: ((الحكمة ضالة المؤمن؛ فحيثما وجدها أخذها)).


(3) نصيب الأدب من جهود البعثات العلمية:
كانت البعثات تعود إلى الوطن العربي مزودةً بما أفادت من ثقافة أوربية جديدة، وبما اطلعت عليه من ألوان الفنون والآداب؛ فتفرغت لترجمة منتخبات من تلك الثقافة الجديدة والآثار العلمية والفنية؛ فأتاحت للجيل العربي الناشئ أن يفتح عليها عينيه، ويملأ منها عقله ووعيه، وقد سادت الترجمة ذلك العهد، وكان أكبر الجهد مصبوبًا في ناحية تطويع اللغة العربية للتعبير عن المعاني والأغراض التي تحتويها الكتب المراد ترجمتها، ولذلك اتجهت الأنظار إلى ألفاظ اللغة العربية في مختلف عهود حضارتِها؛ لاستخراجها والاستعانة بها في أداء تلك المعاني والأغراض، وبخاصة في ميدان العلم، وبذلت المحاولات لصوغ ألفاظ جديدة يُصطلح عليها لكي تسد حاجة التعبير في هذا الميدان.


ويُمكِنُ القَوْلُ بأن الكتب التعليمية والمؤلفات التي تتناول فروع العلوم والصناعات كان لها نصيب الأسد من عناية المترجمين في ذلك العهد، أمَّا الكتب الاجتماعية فلم يكن لها إلا حظ قليل، وأمَّا الكتب الأدبية فكانتْ أقلَّ حظًّا، ومردُّ ذلك إلى أنَّ العصر كان عَصْرَ بناء وتكوين؛ فالحاجة إلى العلم أقوى، واكتساب الصِّناعة أجدى، وهذه المعارف العمليَّة في الحياة هي الأساس في إقامة صرح المجتمع المتحضر، وتقويم العقلية التي تساير الزمن وتتطور معه، ولم يكن الأدب في ذلك الحين إلا لونًا من التَّرف الفِكْرِيّ، يُتَّخذ للمتعة والسلوى؛ فلم ينفسح له مجال رحيب في عهد الجد والإنشاء والتعمير.


ولذلك بقي الأدب العربي القديم في عهد الترجمة للعلوم والفنون هو المورد الذي يستقي منه الأدباء، بيد أنَّ هؤلاء الأدباء كان لهم فضل في إمداد المترجمين بالألفاظ والتعبيرات التي تذلل لهم عقبات الترجمة، وترتفع بأساليبهم إلى المستوى الكتابي المقبول؛ فأصبح من مُهِمَّة الأدب يومئذٍ خدمة لغة العلم ومؤازرتها بما يوفر لها دقة الأداء وسلامة التعبير، ومن ثم نرى أنَّ الأَدَب والعِلْمَ يتمازَجَان في طائفة من أعلام ذلك العهد، ونذكر من بينهم أعلاهم صوتًا، وهم: "رفاعة الطهطاوي"، و"علي مبارك"، و"عبدالله فكري".


(4) مرحلة التحرر القومي ومهمة الأدب فيها:
وبعد مرحلة الترجمة التي كانت علمية في الأغلب، بدأت النهضة تدخل في مرحلة أخرى تحريريَّة إصلاحيَّة في شتَّى مناحي الحياة، سياسيَّة واجتماعيَّة ودينيَّة، فطالعتنا قيادات فكرية مُتَعدِّدة المراكز تُبَشِّرُ بنُظُمٍ وأهداف، وتدعو إلى هدم وبناء، وساعد على تقوية هذه القيادات الفكرية نشوء الصحافة، وشيوع الطباعة، وقيام الأندية والجماعات والروابط والمجالس الخاصَّة تلك الطبقة المستنيرة من أهل الرأي.


وفي هذه الحِقْبة لمعت أسماء: "الأفغاني"، و"محمد عبده"، و"الكواكبي"، و"قاسم أمين"، و"سعد زغلول"، و"لطفي السيد"؛ فكان لهؤلاء الفرسان أثر عميق في توجيه الجيل الجديد وجهة جديدة، في فهم الحياة، وتقويم المبادئ التي تسلم المجتمع العربي إلى تقدم وازدهار.
في هذه المرحلة كانت مُهِمَّة الأدب الأولى خدمة تلك الأغراض الإصلاحية، والنقد الاجتماعي، والثورة على التَّخلُّف والضعف، وحث الهمم على نفض غبار الخمول، وتنفير النفوس من آثار الاستبداد والاستعباد.


وأكبر ما تَمَخَّضتْ عنه تلك المرحلة من الإنتاج الأدبي في ميدان الشعر: هو القصيدة الوطنية أو الأخلاقية، وفي ميدان النثر: هو المقالة الاجتماعية؛ فالشعراء والمقاليون كانوا يومئذٍ دعاة تحرير وتوجيه وإيقاظ.


أمَّا في غير هذا المجال؛ فكان الأدب يتراءى في بعض ما يعبر به الشعراء عن ذات أنفسهم من خواطر، أو ما يصفون به ما تقع عليه أعينهم من مرئيات.
وكذلك كانت تتراءى لمحات أدب فني فيما كان يقدمه "يعقوب صنوع" من مسرحيات مقتبسة، وما كان يقدمه "عثمان جلال" من مسرحيات أعلى مستوى في الاقتباس، وما كان يقدمه "أبو خليل القباني" من مسرحيات مستلهَمة من "ألف ليلة" وغيرها من تراث الأدب العربي القديم، وما كان يجرى به قلم "عبدالله النديم" من أقاصيص فكهة الروح، شعبية الطابع، إلى غير ذلك من النظائر والأشباه، التي تتفاوت في الجودة من ناحية التعبير، وفي المستوى الفني من ناحية الموضوع ومعالجته.


(5) ترجمة الأدب القصصي:
وقد نبتَتْ أثناءَ هذا العهد نابتةٌ من المثقَّفين ثقافةً أجنبيَّة، اطَّلعوا على ضروب من آداب الغرب، وكثيرٌ من هؤلاء ينتَسِبُون إلى تلك الرقعة العربية الواسعة التي كانت تسمى "الشام"، حاويةً فلسطين وسورية ولبنان، فعكفوا على الترجمة، وقربوا إلى العربية جملة من الأدب القصصي ومن أدب المسرح، فلقي هذا اللون الجديد حفاوةً وقبولاً عند القراء العرب، وتهافتوا عليه يطلبون منه المزيد، وهكذا أخذت ترجمة الأدب تقوى وتزدهر، وتحتل في عالم الصحافة وفي عالم النشر أعز مكان.


وقد بلغ من كثرة الترجمات في تلك الحقبة وما تلاها أن إحدى دور الكتب العامة في الشرق استطاعت إحصاء عشرة آلاف قصة بين طويلة وقصيرة تُرجمت إلى العربية قبل الحرب العالمية الأخيرة!.


وليس من عجبٍ أن تلقى القصة بمنهجها الغربي هذه الحظوة من نفس القارئ العربي، وأن يتزاحم عليها ليروي بها ظمأه إلى الأدب الفني؛ فإن الشعب العربي شعب قصاص بطبعه، والقصة عريقة في أدبه، تسري في روحه، وله منها وراثات قديمة مختلفة المنابع، وحسبك أنه ذلك الشعب الذي اتخذ في شتى عصوره السوالف من القرآن مثله الأعلى، وهو أحفل مصدر للقصص التاريخي الرفيع، وحسبك أيضًا أنه ذلك الشعب الذي تمخضت موهبته الفنية عن حشد زاخر من الأسمار والنوادر والأساطير، انتهت به إلى ذلك اللون من القصص الشعبي الذي عرفه العالم أجمع، وخاصة ألمع جوهرة فيه، وهي حديث "شهر زاد" في "ألف ليلة وليلة".


وفي هذه الحقبة تُرجمت آثارٌ قصصية تتفاوت قيمها الفنية؛ فكان منها الأصيل، وكان منها الهزيل، وكذلك تعددت مصادر هذه الآثار المترجمة؛ فكان منها الإنجليزي وكان منها الفرنسي، على أن المترجمات عن الفرنسية كانت هي الكثرة الغالبة.


وقد عرف القارئ العربي بفضل هذه الترجمات أعلام الأدب الأوربي؛ أمثال: "شكسبير"، و"موليير"، و"راسين"، و"كورني"، و"لامارتين"، و"شاتو بوريان"، و"فكتور هوجو"، ويقدمها إليهم كتاب لامعون أمثال: "نجيب الحداد"، و"فرج أنطون"، و"خليل مطران"، و"حافظ إبراهيم"، و"أحمد زكي"، و"محمد عوض محمد".


(6) نشأة الرواية التاريخية في الأدب العربي وتطورها:
ولم تلبث الأنماط القصصيَّة الأوروبيَّة أن أثَّرت في واعية الكاتب العربي، فهفت نفسه إلى محاكاتها، ومواتاة لُغَتِه القوميَّة بِمثالها؛ فكانت أولى مُحاولات المُحاكاة الناجحة متَّصلة بِمَيدان الرواية التاريخية؛ ذلك أنَّ "جورجي زيدان" - أحد أقطاب الصحافة الأدبية في صدر النهضة - كان له فضل التنبه إلى تقديم تاريخ الإسلام في إطار روائي، يدور أكثره حول محور غرامي، وقد حرص على التزام ما سجله التاريخ من وقائع وأحداث ربط بينها بخيوط قصصية، يتجاذبها أبطال من عالم الحقيقة أو من وادي الخيال، ولا ريب في أن هذا الإطار الروائي عليه مسحة من القصة في مدلولها الحديث، بما تقوم عليه من عناصر الحادثة والعقدة والنهاية، وما يتصل بهذه العناصر من تدبير المفاجآت وبث روح التفكيه والتشويق.


ولكن هذه الروايات مع ذلك من الناحية الفنية البحتة، ومراعاة المستوى القصصي الرفيع - تعتبر مرحلة أولية للقصة التاريخية في الأدب العربي، وهذه المرحلة هي التي مهدت الطريق من بعد لطائفه من الكتاب والأدباء، تناولوا أحداث التاريخ وشخصياته على أسس فنية من التحليل النفسي والتفسير الاجتماعي، ومن استبطان ما وراء الظاهر من الوقائع والأحداث، ويحضرني في هذا المقام ما قدمه "إبراهيم رمزي" في "باب القمر" و"الحاكم بأمر الله"، وما قدمه الأستاذ "محمد فريد أبو حديد" من قصص شتى مستقاة من تاريخ العرب قبل الإسلام، وما قدمه "الدكتور طه حسين" في كتابه "على هامش السيرة"، وكتابه "الوعد الحق"، وأسمح لنفسي بأن أشير إلى بعض محاولات لي، تناولتُ فيها بالمعالجة والتحليل حياة "الحجاج" أشهر الحكام في عصر "بني أمية"، وحياة "عبدالرحمن الداخل" الملقب "بصقر قريش"، وهو أحد الذين أقاموا دولة في بلاد "الأندلس"، التي أطلق عليها فيما بعد اسم "الفردوس المفقود".


وأهم ما في هذه المسرحيات التاريخية أنها نحت منحى الاستلهام النفسي، والتعليل الاجتماعي، والكشف عن حقيقة البطولة الإنسانية في موطن ضعفها وفي ذروة قوتها.


(7) الرومانسية في الأدب العربي الحديث:
ولقد كانت هذه السنوات التي قوي فيها تعرف الأدب العربي إلى القصص الغربي امتدادًا لعهود سياسية من الضغط والاضطهاد، عانت فيها الأمة مرارة التحكم الأجنبي؛ فسادت موجة من المشاعر الحزينة تعبر عن المسكنة والانكسار، وأنست النفوس إلى الاسترسال في الحديث عن مآسي الحب والفقر والعادات، وآثار التخلف الاجتماعي؛ فانعكس هذا كله على الكاتب القصاص والمترجم القصصي جميعًا، ومن ثم رأينا القصة تأليفًا وترجمةً تنساق في هذا التيار، ورأينا الكتب تتودد إلى الأسماع بأمثال هذه العنوانات الشاجية: "اليتامى"، و"البؤساء"، و"المساكين"، و"العبرات"، و"الذبائح"، و"الضحايا"، و"الأبرياء"، و"رسائل الأحزان"، و"آلام فرتر"، و"الأجنحة المتكسرة".


وكذلك كان من همِّ الكاتب أو المترجم إيثار القصص ذوات الخواتيم الفاجعة المثيرة، تلك القصص الحافلة بالأشجان الجسام، فيها تنصب ألوان النحس والبؤس على رؤوس الأبطال؛ فيسقطون في ميدان الكفاح مضرجين بدمائهم تحت مطارق الظلم والعنت، تحف بهم عواطف الإشفاق والرثاء!


وقد نبغ في تلك السنوات أديبٌ فصيح الأسلوب، ناعم العبارة، يُحسن تصوير الشعور الحزين؛ ذلك هو "المنفلوطي"، فألف بعض القصص على هذا الطراز، وصقل بأسلوبه المتين قصصًا مترجمة؛ فكانت هذه وتلك ألحانًا طربت لها الأسماع، ومالت إليها النفوس، وظلت أهازيج رائعة ترنم بها الجيل الماضي، ووجد فيها شفاء لروحه المكلومة وقلبه المكروب، واليقين أن "المنفلوطي" كان يعرف ذلك من شأنه؛ إذ قال في مقدمة "عبراته": "الأشقياء في الدنيا كثر، وليس في استطاعة بائس مثلي أن يمحو كثيرًا من بؤسهم وشقائهم؛ فلا أقل من أن أسكب بين أيديهم هذه العبرات؛ لعلهم يجدون فيها تعزيةً وسلوى".


ولا مندوحة لنا من الجهر بأن هذه الآلام والمآسي والفواجع التي دار حولها يومئذٍ الأدب عامةً، والأدب القصصي خاصةً - تشيع فيها السطحية والعمومية، ولا تتناول من النفس دقائقها الخافية وأسرارها الدفينة، وطريقة العرض فيها لم يكن لها من قوة الأداء ومنطق التعليل ما يرفع مستواها الفني، وما يمنحها نفحة الخلود.


في تلك الفترة علا صوت التعبير الذاتي والخوالج الشخصية، وتزاحمت أنغام الشكوى والأنين، مناجاة الأطياف، والإيغال في وصف العاطفة، والجنوح إلى لون من الروحانية والتصوف، وإطلاق العنان للأخيلة والأوهام، وأذكرُ أنه كان ثمة موضوع لا يكاد يسلم من الكتابة فيه أديب، ولا من التغني به مطرب؛ ذلك الموضوع هو نداء الليل ومسامرته، وبثه ما في الصدر من وجد ولوعة وحنين!.


وفي مستطاعنا أن نتبين في الأدب في تلك الفترة سمات "الرومانسية"، مع اختلاف دوافع توافرها في الأدب العربي يومئذٍ ودوافع توافرها في العصر الرومانسي للأدب الأوربي؛ فإن عصر الرومانسية في أدب الغرب مرجعه إلى انتقال المجتمع الأوربي من عصر الأرستقراطية والإقطاع إلى عصر الطبقة الميسورة أو الطبقة الوسطى "البرجوازية"، واستقبال عهد الآلة التي تطورت بها أوضاع الاجتماع والاقتصاد، وهان بها شأن الفرد في العمل الفني؛ فضاق الفنان بالقوالب الآلية التي غزت عصره، ورأى نفسه قد غدا قالبًا مثلها، تحكمه حياة معقدة، لا شخصية له فيها ولا كيان؛ فتطلَّع إلى تعبير تعتز به الفردية، ومن ثم تجلى في الأدب الرومانسي الاعتداد بالعاطفة والإحساس والخيال، والانتقاض على أوضاع المجتمع، ومناصرة الفكر الحر، والاتجاه إلى عبادة الطبيعة وما فيها من جمال، هربًا من وطأة الحياة المادية وسلطان "الآلة"، ومن القيود في الشكل، ودعمًا للشخصية المستقلة، واستنقاذًا للفردية الضائعة.


أمَّا سمات "الرومانسيَّة" في الأدب العربي إذ ذاك؛ فقد كان الدافع إليها ما ضاق به المجتمع العربي من كبت وحرمان وضغط سياسي وركود اجتماعي، وضعف في المستوى العلمي والاقتصادي؛ فَتَاقَتِ النفوس إلى تنفيسٍ وترفيه، بالاسترسال في متع الخيال، والهيمان مع العواطف الملتهبة، فرارًا من جفاف الواقع وجموده، وأنسًا برحيق الأوهام في كئوس من ذهب وهاج.


وعلى الرغم من اختلاف الدوافع بين نشوء المذهب الرومانسي في الأدب الأوربي القديم ونظيره في الأدب العربي الحديث - نجد المشابهات بينهما واضحة كل الوضوح في المظاهر والنتائج؛ فكلاهما يقوم على العاطفة والخيال، وكلاهما يؤثر انطلاق الفكر وحرية التعبير، وكلاهما ينشد تقويم الذاتية الضائعة، واستنقاذ الشخصية مما يحيط بها من قيود وأغلال.


(Cool أدب المهجر:
وبينما الأدب العربي في الشرق يومئذٍ يستغرق في رومانسيته؛ إذ هبَّت عليه نفحات أدب عربي رومانسي أيضًا من وراء المحيط، حيث الدنيا الجديدة، فقد كان هناك في "أمريكا" مهجر لجماعات عربية من "لبنان" و"سورية"؛ فنشأ منهم أدباء تأثروا بالحياة الغربية وآدابها، واعتملت في نفوسهم مشاعر الغربة والحنين إلى الأوطان؛ فأفاضوا في التعبير عن نزعاتهم في منحى أوفر حرية وأبعد انطلاقًا، حتى إنهم في أساليبهم لم يبالوا ما تواضع عليه علماء العربية وأدباؤها من الأصول والقواعد كل المبالاة!


وكان في الأدب المهجري فن شعري يجري في الجملة من حيث الشكل على أوزان الشعر العربي وقوافيه، وأما من حيث الموضوع؛ فقد كان يحفل بالطريف المستحدَث من المعاني والأغراض.
على أن تلك النابتة الجديدة من أدباء المهجر قد ابتدعت ما سميناه "الشعر المنثور"، وهو محاولة لسياقة المعاني الشعرية على نمط جديد، يختلف عن القصيدة العربية الاتباعية الكلاسيكية في ناحيتين: الأولى التحرر من الوزن والقافية، والأخرى وحدة الموضوع وتسلسل فكراته تسلسلاً نفسيًّا متدامجًا لا افتعال فيه ولا استطراد.


وقد تميز الأدب المهجري بالجدة والطرافة، وبرهافة الحس ورقة الشعور، وبالسلامة والعذوبة، وكان في جملته: دمًا جديدًا اغتذى به الأدب العربي، وجرى في شرايينه، فأورثه الحيوية والحرارة والانتعاش، ولا ينسى تاريخ الأدب الحديث أعلام الأدباء المهجرين، وفي مقدمتهم "جبران"، و"الريحاني"، و"نعيمة"، و"إيليا أبو ماضي".


(9) تجديد الشعر العربي:
وكان الشعر العربي وقتئذ قد استقبل عهدًا جديدًا من الازدهار أسلمته إليه وثبته "البارودي"، الذي يعتبر مجدد الشعر في مطلع العصر الحديث.
وإذا كان "البارودي" قد انحصر تجديده في جانب قوة النسج، وفصاحة اللفظ، وفحولة التعبير، محاكاةً لأعلام الشعراء في العصور العربية الزاهية - فإن الشعراء الذين قفوا على أثره قد استفادوا أيما استفادة من الرقي العلمي والعقلي والاجتماعي في عصرهم الحديث؛ فأصبح التجديد في شعرهم شاملاً للموضوعات؛ إذ تناولوا إحداث السياسة، وعبروا عن الحركات القومية، ونددوا بما كان شائعًا من الظلم والاستعباد، وبما كان فاشيًا من المساوئ الأخلاقية والاجتماعية، وذلك كله إلى جانب تعبيرهم الفني عن إحساسهم نحو جمال الطبيعة ومحاسن الكون، وعن خوالجهم النفسية التي يستجيبون فيها للحياة، ويعالجون مشكلات المجتمع البشرى، ويهيمون في سرائر الوجود.


ونحن حين نذكر "شوقي"، و"حافظ"، و"مطران"، و"صبري"، و"بشارة الخوري"، و"الزهاوي"، و"معروف الرصافي"، و"عبد الرحمن شكري"، و"العقاد"، و"المازني"، وأضرابهم، لا ننسى أنهم صفوة من الشعراء أُتيحت لهم ألوان ثقافة متشعبة، بفضل ما قرؤوا في العربية من تراث الأدب العربي، ومما تُرجم من نتاج الفكر الأوربي، ومنهم من قرأ في غير العربية ذلك النتاج الفكري؛ فارتفع بذلك مستواهم العقلي، ونضجت أذواقهم الأدبية، وظهر أثر هذا النضج والسمو فيما طرقوا من موضوعات، وما سبحوا فيه من أخيلة، وما نظموا من قصيد.


كثر في هذا الشعر التغني بالأخلاق، وبالمثل العليا، والإشادة بأمجاد الماضي، سواء أكانت من جانب العرب، أم من جانب الفراعنة، كما قوي التمجيد للحرية، وتقديس الفداء، والإعزاز لمواقف البطولة الوطنية والجهاد من أجل العقيدة والرأي، وبذلك صارت دواوين أولئك الشعراء مرآة ينعكس عليها في جلاء ما اضطرم في الوطن العربي من كفاح قومي، ونشاط فكري، وأمانٍ وطنية، ومن مُثُلٍ سَمَتْ إليها الأفكار في هذا العصر الحديث.


ولا يمكن القول بأنَّ الشعر العربي في جملته قدِ استمدَّ في تجديده في تلك الحقبة من الشعر الأوربي شيئًا يذكر، وإن كان الشعراء قدِ استفادوا على وجه عام ثقافة العصر الحديث، ولعلَّذلك لأنَّ الأُمَّة العربية التي رحبت كل الترحيب بترجمة ألوان شتى من أدب الغرب ونتاجه الفكري، لم ترحب كثيرًا بترجمة الشعر الغربي، وإذا حاولنا أن نتعرَّف السِّرَّ في ذلك وجدناه في ناحيتين؛ الأولى: صعوبة ترجمة الشعر من لغة إلى لغة؛ فالقصائد تفقد في اللغة المترجمة إليها إيقاعها وموسيقاها، وما يكمن فيها من خصائص التعبير وإيحاءاته، والجمال الفني في الشعر مرجعه إلى الإيقاع والموسيقى وخصائص التعبير والإيحاء.


والناحية الأخرى للعزوف عن ترجمة الشعر الأوربي إلى اللغة العربية: أن الشعر العربي عريقٌ في تقاليده وسماته، وأنه أصيلٌ في تناوله للمشاعر والخلجات على أوسع نطاق، وأن لغته قوية متقنة، فيها الرقيق الرهيف، وفيها الجَزْل المتين، وأنَّ الشعراء العرب على تعاقب العصور قد مرنوا على الأداء الشعري وبرعوا فيه، وأنهم قد تفننوا في موضوعاته، فلم يدعوا وصف الطبيعة ولا الانطلاق مع أهواء النفس، ولا تلبس مظاهر الجمال في المعاني والصور، ولا التعمق في فلسفة الحياة، ولا تصيد أسرار الحكمة، ولا تمثيل الغرائز والأخلاق، ولا الكشف عن تجارب البشرية.


ولذلك لم تكن للشعر الأوربي سوق رائجة عند القارئ العربي؛ بل إنه لم يكن لشعر غير عربي أية حظوة عنده، إلا ما كان لتلك المقطعات التي سميت "رباعيات الخيام"، وربما كانت العلة في حظوتها أن روحها قريبٌ من الروح الشرقية التي يتسم بها أدب العرب، أو أن ترجمة هذه الرباعيات شعرًا كانت أقرب إلى التأليف منها إلى الترجمة من اللسان العربي.


ويظهرُ أنَّ اعتزاز الأمة العربية بمجد الشعر العربي هو الذي قضى حتى الآن على مختلف المحاولات التي أُريدَ بها مُجانبة الأوضاع والأشكال المتوارثة للشعر العربي، ومما لا شك فيه أن القارئ العربي لم يأنس بتحرير الشعر من الوزن والقافية، ولم يرحب كذلك بالشعر المنثور أو بالشعر المرسل، وربما كان ذلك لأن أوزان الشعر وقوافيه لم تكن في أول نشوئها وليدة صنعة أو زخرف اتخذه الأدباء في عصور المحسنات البيانية والتزاويق اللفظية؛ بل كانت هذه الأوزان والقوافي في قصائد الشعر العربي وليدة الفطرة الإنسانية في مناجاة النفس على رحاب الصحراء الطليقة، وتحت سمائها الدائمة الصحو والإشراق، ولذلك وجد فيها القارئ العربي – من بعد – استجابةً لما تهفو إليه نفسه من إيقاع موسيقى ينسجم مع العاطفة والوجدان، ومن ثم استمسك بهذه الأوضاع الشعرية؛ لأنه استطاع بما فيها من مقاطع أن يلحن تلك الجمل التي تصور العواطف والنزعات والأحاسيس، فكأن هذا الشعر العربي يجعل من كل قارئ مرتل له موسيقيًّا بلا أداة؛ إذ يجد في أوتار الأوزان والقوافي والمقاطع رنين الأنغام وإيقاع الألحان التي تهز نفسه فتحرك ما يكمن فيها من شجو، وتواتيها بما تهفو إليه من طرب.


وليس معنى هذا أن نغض من شأن التجديد الذي لحق الشعر العربي الحديث؛ فقد تناول من الأنواع الأدبية ما لم يكن يتناول من قبل، وقد اتصل بمختلف المذاهب الفنية عن قرب أو عن بعد، وبذلك يمكن القول بأن الاتجاهات الفكرية والثقافية والأدبية التي تأثر بها الجيل الحديث من جانب الغرب قد كان لها صدى ودوي في تطوير الشعر العربي، وقد ظهرت آثارها في نتائج الشعراء.


ويكفي أن نشير إلى أن "شوقي" شاعر العصر الحديث قد أنشأ المسرحية الشعرية الراقية في ديوان الشعر العربي؛ إذ أخرج "عنترة"، و"مجنون ليلى"، و"قمبيز"، و"مصرع كيلوبترة"، و"علي بك الكبير" وغيرها، وهي مسرحيات تجمع إلى مهارة النظم، وروعة الأخيلة الشعرية، وتنويع الأوزان والقوافي بحسب المعاني والمواقف - حبكةً فنيةً لها قيمتها، وحوارًا روائيًّا خلابًا، إلى جانب قدرة الشاعر على تمثيل المواقف التاريخية، وتصوير الشخصيات على نحو مقبول، وتعليل التصرفات والأحداث تعليلاً لا يخلو من سلامة المنطق وموافقة الطبع البشري.


وعلى الرغم من أن هذه المسرحيات كانت فتحًا جديدًا في الشعر المسرحي، وشقًّا لأُفْقِه في الأدب العربي - فإن تلك البواكير توافر لها الحظ من النضج والإيناع، و"شوقي" هو الذي مهد الطريق للشعراء من بعده كي يتابعوا إثراء الشعر العربي بذلك اللون من المسرحيات الشعرية، وقد تفوق من بينهم الشاعر "عزيز أباظة"، الذي اتخذ نهج "شوقي" إمامًا له؛ فأخرج "قيس لبنى"، و"العباسة"، و"الناصر"، و"شجرة الدر"، وغيرها من روائع المسرحيات التي عقدت له لواء الإمارة الشعرية في هذا الميدان.


وكان من ظواهر التجديد في الشعر: محاولة تطويع القصيدة العربية للتعبير الإيحائي وفق مذهب الرمزية في الأدب الفني، ويتميز هذا اللون من الشعر بدقة الفكر، وعمق التأمل، والتمرد على الظاهر من الأوصاف، والمطروق من المعاني، والمبذول من الأغراض؛ ففي هذه القصائد الرمزية تصيد للباطن مما يعتمل في النفس، وما يكمن وراء الحسِّ؛ حيث تتشابك الانطباعات وتتداخل، وأداء ذلك أداء رمزيًّا دون تصريح، وذلك بالجنوح إلى الأطياف والظلال، والاعتماد على النغم الشعري الرفاف، ويعتبر الدكتور "بشر فارس" بين مَنْ مارسوا هذا اللون أكثرهم فهمًا له، وإيمانًا له، وتمجيدًا لمنزلته بين مذاهب التعبير الشعري.


(10) الصحافة ونهضة الأدب:
وإذا كانت المعاهد التعليمية المختلفة قد قامت بقسط كبير في تثقيف الجيل الذي اضطلع بأعباء النهضة الحديثة، وإذا كانت حركة التأليف والنشر قد غذت تلك الجهود التربوية في تنشئة الجيل وإمداده بالوعي العلمي والثقافي - فإن هناك الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية والشهرية التي يرجع إليها أكبر الفضل في تثقيف الجمهور العام، وإروائه من مناهل العلوم والفنون والآداب، على تباين مصادرها الشرقية والغربية، وعلى اختلاف ألوانها القديمة والحديثة.
كانت الصحافة وسيلة ناجحة للتنوير والتوجيه، وذلك ليسرها على الكاتب والقارئ معًا؛ فالكاتب يجد فيه ميدانًا قريب التناول للتعبير عن رأيه، ونشر ما تجود به القريحة، وبسط ما يهدي إليه البحث والدرس؛ إذ ليس الطريق ممهدًا أمام كل كاتب لإظهار ذلك في كتاب يطبع، والقارئ كذلك لا يتعذر عليه أن يحصل على صحيفة يومية أو مجلة أسبوعية أو شهرية يستمتع فيها بألوان ثقافية مختلفة ترضي شتى الأذواق، وتلائم شتى المستويات.


وقد تعددت الميادين الصحفية، بين دينية وعلمية واجتماعية وأدبية وفنية، ولا يستطيع باحثٌ في مصادر الاتجاهات الأدبية للعصر الحديث أن ينسى الأثر الكبير الذي أحدثته في رسم تلك الاتجاهات المجلات الشهرية والأسبوعية؛ كالمقتطف والهلال والمنار والهداية الإسلامية والزهور والسفور والسياسة الأسبوعية ولغة العرب والمشرق والجديد والحديث والمجلة الجديدة والرسالة والثقافة وعشرات غيرها، ولا الصحف اليومية كالأهرام والجريدة واللواء والمؤيد والبلاغ وسواها.


إن هذه المجلات والصحف كانت في ذلك الزمن بمثابة جامعات منتظمة، تتطاير منها المعارف المبسطة، والآراء الجديدة، والأفكار المتحررة، والتوجهات الثقافية، والآثار الفنية، على أوسع نطاق، وكثير من رجال الفكر والأدب كانت ينابيعهم فيما اكتَسَبُوا من عِلْمٍ ومعرفة واطلاع هي الصحف والمجلات، أكثر مما كانت ينابيعهم معاهد تعلموا فيها أو كتبًا تدارسوها، ولا شك في أن الصحافة يومئذٍ كانت تسدُّ النقص والحرمان الذي يشعر به المجتمع الشرقي من ناحية التعليم الجامعي، الذي كان مفقودًا أو محدود المجال.


وهذه الصحافة التي استطاعت أن تتجه بأسلوب الكتابة اتجاهًا يطوِّعها للتعبير عن كل ما يتصل بالحياة الفكرية، والكفاح الاجتماعي، وتبسيط العلم والمعرفة للجمهور العام.
وقد استفادت بذلك اللغة العربية مرونةً وسلاسة، وقدرة على الأداء السهل السائغ الدقيق، الحافل بالمعاني والأغراض.


وكذلك مما يُذكر للصحافة: أنها هي التي ازدهر في حقلها ذلك الفن الكتابي الذي أُطلق عليه اسم "المقالة"؛ فكانت أشبه بالرئة التي تعين على التنفس في يسر، ووجد الكتاب والأدباء فيها مجالاً للإفصاح عن خواطرهم والتعبير عن أفكارهم، وأصبحت "المقالة" غذاء سهل الإعداد على الكاتب، سهل الهضم للقارئ، وبلغ من خطر "المقالة" أن صارت مصدرًا للتأليف، وكثيرٌ من أمهات الكتب الأدبية العصرية إنما هي مجموعة "مقالات"، ولقد أدركت "المقالة" ذروتها الفنية على أقلام أدباء وكتاب أتقنوا صوغها وأحسنوا عرضها، وفي مقدمتهم "لطفي السيد" في مقالاته التي جمعت في كتابه "المنتخبات" و"التأملات"، و الدكتور "منصور فهمي" في مقالاته التي جمعت في كتابه "خطرات نفس"، و"عبدالعزيز البشري" في مقالاته التي جمعت في كتابه "المرأة"، وكتابه "المختار"، وكتابه "قطوف"، وكذلك "المنفلوطي" في "النظرات"، و"العقاد" في "الفصول" وغيره، و"المازني" في "قبض الريح" وسواه، و"أحمد أمين" في "فيض الخاطر"، و"الرافعي" في "وحي القلم"، و"الزيات" في "وحي الرسالة"، وأمثال هؤلاء كثيرٌ.


(11) تطور النهضة:
ويعتبر الربع الأول من القرن العشرين في حياتنا الأبية مرحلة حرث وتخطيط وإلقاء للبذور المختلفة، وتعهُّد لها بالسُّقيا، وتجربة لنباتها في حقول الأذهان؛ فكانت هناك نهضة إصلاح دينية تعالج تنقية المعتقدات من الخرافات والأوهام، وتصحيح الفهم لروح التدين وسلطانه على المجتمع السليم، ولا يُنسى في هذه الناحية فضل الرائد الأول "جمال الدين الأفغاني"، وحامل الشعلة من بعده "الشيخ محمد عبده".


وكانت هناك أيضًا نهضة لإحياء الثقافة العربية القديمة، وتحقيق التراث الذي تركه أعلام الفكر والأدب في الحضارة الإسلامية، وقد تولى إذكاء تلك النهضة وحمايتها من أن تقضي عليها الدعوات التجديدية المتطرفة طائفةٌ من أعلام البحث والتحقيق؛ أمثال: "أحمد تيمور"، و"شكيب أرسلان"، و"محمد كرد علي".


وكانت هناك أيضًا نهضة علمية تحاول الخروج بالتعليم من نطاق إعداد موظفين محدودي المعرفة، إلى آفاق البحث الحر والمشاركة في العلم، في ميادينه الرحبة التي جاءت بها الحضارة الحديثة، وقد تجلى مظهر هذه النهضة في إنشاء "الجامعة الأهلية" التي أصبحت فيما بعد هي "الجامعة المصرية" الرسمية.


وكانت هناك أيضًا نهضة تثقيفية عامة، تجلت في التصانيف المختلفة، وفي المجلات والصحف اليومية المتعددة؛ فرأينا مثلاً "لطفي السيد" يوجه الأفكار إلى الأسس التي تتوافر بها تربية الفرد والجماعة، ومن هذا كله شاعت في الأمة روح علمية منهجية عالية في مستوى البحث والدرس، تتناول مشكلات الحياة وأوضاعها، وما يتحقق به التقويم والتجديد والإصلاح، كما شاعتْ في الوطن العربي روح استقلالية تنفر من العبودية والتبعية، وتحاول إبراز الشخصية، وتنشد التحرر والهيمنة على أجهزة الحكم، وتوجيهها وجهة تلائم منازع النهوض، وأصبح الأسلوب الكتابي الذي يعبر عن هذا كله أسلوبا واقعيًّا زاخرًا بالموضوعات الوثيقة الصلة بأعماق المجتمع، المصورة لآماله وآلامه، وأخذ الكتاب يترفعون عن الزخارف والمحسنات اللفظية، ويأبون الصنعة والتكلف في التعبير، ويبرؤون من الإغراق في الأخيلة التافهة، ويتخلصون من الدوران حول الأغراض المكررة المبتذلة المحصورة في حدود من الأفكار العائمة والعلاقات الفردية السطحية.


(12) معركة القديم والجديد:
وقد التقت هذه العوامل مجتمعة مع فئات من أبناء الأمة تثقفهم معاهد تعليمية أجنبية قامت في أرجاء الوطن العربي، ومئات أخرى من الشباب الذين عادوا من أنحاء الغرب بعد أن اغترفوا من لغاتها ومن ثقافتها ما اغترفوا، وفي الوقت نفسه كان هناك "الأزهر" و"دار العلوم" وغيرهما من معاهد تعمل على حفظ اللغة العربية وإحياء علومها المتوارثة، وتقيم منها سدًّا منيعًا للاحتماء من هجمات الأفكار المتطرفة في الدين والأدب والاجتماع، وكان اجتماع العوامل السياسية والاجتماعية والثقافية والتعليمية على هذا النحو، وتباين المنازع بين المفكرين وحملة الأقلام يوم ذاك - إيذانًا بنشوب معركة "القديم والجديد" بين الذين يؤمنون بالثقافة العربية من ناحية، والذين يؤمنون بالثقافة الأوروبية من ناحية أخرى.


ولعل روح النهضة والخروج من هذا السبات الطويل الذي عاشت فيه بلاد العروبة ردحًا من الدهر، وتفتح الأعين على حضارة غريبة ساطعة الأضواء تبهر الأنظار – لعل ذلك كله أشعر الرأي العربي العام بما يسميه علماء النفس "مركب النقص"، وكان لذلك أثره في كل من حزب اليمين وحزب اليسار، بين قادة الفكر في ذلك العصر.


فالمحافظون في الصف الأيمن دفعهم "مركب النقص" إلى الخشية من هذه الأمواج الدافقة التي اندفعت إلى الشرق من جانب الغرب، تحمل حضارة جديدة في كل شأن من شؤون الحياة ومرافقها الاجتماعية، فانبعثوا يدعون إلى المحافظة، ويحذرون من التهافت على البريق الخلاب، حتى لا يطغى من ورائه دفق الأمواج على كل مقومات الأمة من عقائد وتقاليد وتراث عقلي وأدبي؛ فيصبح العربي طوعًا لهذا الطغيان، غريبًا في كيانه ووجدانه؛ إذ تفتنه مدينة الغرب بلألائها، وتجذبه نحوها، فلا يبقى له من وجوده الموروث أثر.


والمجددون في الصف الأيسر دفعهم "مركب النقص" أيضًا إلى الحملة على كل قديم، والإزراء بكل موروث؛ إذ هالهم أن تتخلف الأمة عن ركب الحضارة الجديدة هذا التخلف البعيد، وسمت هممهم إلى ملاحقة الركب؛ فأغراهم ذلك بأن ينادوا بنبذ كل ما صاحب الأمة في عهود تخلفها من ثقافة جامدة ونظريات عتيقة، لم تعد في نظرهم تصلح لعصر البعث والإحياء؛ بل لقد كانوا يحسبون أن تلك الثقافة وهذه النظريات هي علة التخلف والضعف الذي مُنيت به الأمة، وهي التي عوَّقتها عن التقدم والنمو والازدهار.


ولقد كان لمركب النقص الذي شعر به كل من الحزبين المتباينين في ميدان الفكر أثره البالغ في إنعاش حركة الأدب، وإذكاء نشاط الفكر، والتمرس بطرائق النقد، ولئن دلت معركة القديم والجديد في هذه المرحلة من الحياة العقلية بين أنصار المحافظة والدعاة إلى التحرر على شيء؛ فإنها لتدل على أن الشعب فيه حياة وفيه انتفاضة، وفيه يقظة ووعي، بيد أن ذلك كان يختلف اتجاهات وميولاً وآراء بحسب اختلاف ينابيع الثقافة والعقلية للأمة في تلك المرحلة التي لم تتوحد فيها مناهج التربية والتعليم، وإنما كانت معاهد العلم والدرس متشعبة بين وطنية وأجنبية، بين شرقية وغربية، بين جامدة ومتحررة، تكاد في تشيعها تتناكر في الطابع والروح.


ولا يسعنا الآن إلا أن نحيى هذه المعركة التي دارت بين المحافظين والمجددين؛ فلن تبتلى أمة بأسوأ من الخمول والسكون؛ حيث لا تفكير في جديد، ولا نزاع على رأي، ولا دفاع عن مذهب، ولا موازنة بين موروث ومستحدث من نتاج القرائح والعقول والأذواق.


ومما لا شك فيه أن هذا الاختلاف المذهبي والصراع النقدي كان خيرًا وبركة على الأدب في توجيهه وجهة سديدة؛ إذ أنه أفاد المحافظين والمجددين جميعًا في كبح ما بنفوسهم من جماح التطرف والاستئثار بالسلطان على العقول والأفكار، وفي تجنبهم مزالق التفريط والإفراط؛ فقد كان لاصطراع المذاهب والأهداف ما يشبه التلاقح والتطعيم، ولذلك انتهت هذه المذاهب والأهداف إلى شيء من الاعتدال والتصالح والتوفيق، بفضل ما دار بين أشياعها وخصومها من تجاذب ونزاع.


(13) القصة الفنية وروادها في الأدب العربي:
وفي العهد الذي كانت فيه تتجمع الأسباب التي هيأت الأذهان من بعد لخوض تلك المعركة الحامية، معركة القديم والجديد، في ميدان الفكر والرأي والمعتقدات، كان هنالك نزوع عند ناشئة الأدباء إلى توجيه الأدب نحو الاستجابة للحياة الاجتماعية المتطورة، والتعبير عن الطابع الوطني للأمة في مختلف نوازعها، في أنماط جديدة تستوحي في صورها الأدب الأوربي الحديث، وكانت "القصة" بمعناها الفني قبلة الأنظار لبلوغ ذلك الهدف.


وقد سجل التاريخ في العقد الأول من القرن العشرين للدكتور "محمد حسين هيكل" أنه - وهو يومئذٍ شابٌّ نازحٌ إلى "فرنسا"، يتلقى فيها دراسة الحقوق - أجرى قلمه بكتابة قصة "زينب"، التي تعد باكورة القصص الفني في الأدب العربي، وقد احتوت وصفًا للريف المصري، يتراءى من خلال أحداث القصة وشخصياتها ومشاهدها.


وكذلك يسجل التاريخ في تلك الفترة لشقيقي "محمد تيمور" أنه لما عاد من "فرنسا" التي ذهب إليها حينًا لدراسة الحقوق أيضًا – بدأ يعالج كتابه القصة القصيرة والمسرحية، ويدعو إلى أدب مصري الملامح، مستكمل للعناصر الفنية، يعرض ألواحًا تصور بيئتنا القومية، بما يعتلج فيها من مشاعر وأشجان.
وعلى نهجه تتابعت أقلام الجيل الصاعد من الكتاب؛ فتألقت مدرسة الأدب القصصي الجديد، وكان من روادها: "شحاتة عبيد"، و"عيسى عبيد"، و"محمود طاهر لاشين"، و"يحيى حقي"، و"إبراهيم المصري"، وكاتب هذه السطور: "محمود تيمور".


ومن الظواهر التي لا بد من التنويه بها في هذا الإنتاج القصصي الفني الوليد: أنه قد تميز في لغته بشيء من الحرية والانطلاق؛ فلم يكن التعبير في القصص ملتزمًا كل الالتزام أوضاع اللغة في تقاليدها المتوارثة، وما تتزين به من زخرف لفظي ومحسنات بلاغية، وإنما كان أدباء الطليعة القصصية حراصًا على أن يستكملوا مقومات الصيغة المحلية باستخدام اللغة الدارجة كثيرًا في الحوار، وقليلاً في الوصف، وكان أولئك الرواد يحاولون أن يصطنعوا لأنفسهم أسلوبًا كتابيًّا تتوضح فيه شخصية الكاتب، ولا يكون محاكاةً وتقليدًا للأساليب الكتابية التي تلتزم تلك الأوضاع القديمة.


(14) أعلام الكتابة القصصية:
وبعد طبقة الرواد التي كانت تشق الطريق لوضع أساس القصة الفنية في الأدب العربي الحديث؛ تزاحمت عشرات الكتاب تعالج التأليف القصصي، وما هي إلا أن لمع في الأفق القصصي كاتب نابغة، يجمع إلى الثقافة العربية الأصيلة ثقافةً أوربيةً جامعيةً، ذلك هو الدكتور "طه حسين"، حين شرع يكتب سيرة شخصية مكتملة العناصر الفنية للقصص الرفيع، وهي سيرته هو منذ طفولته؛ فكان لتلك السيرة التي حملت اسم "الأيام" صدى بعيد في الأدب الجديد.


وفي هذه الحقبة رأينا كاتبًا أديبًا من أقطاب نهضة القلم، هو الأ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الأدب العربي في السنين المئة الأخيرة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الأدب العربي في السنين المئة الأخيرة...( د/ محمود تيمور)
» أطباء الأدب العربي الحديث‏
» الأدب والتنظير في عصرنا الحاضر..... ( من مجلة الأدب الإسلامي )
» من روائع الأدب العالمي
» من روائع الأدب العالمي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
رابطة النهر الخالد :: ادب وفنون :: قطوف الأدب-
انتقل الى: