رابطة النهر الخالد
كَم ذا يُكابِدُ عاشِقٌ وَيُلاقي
في حُبِّ مِصرَ كَثيرَةِ العُشّاقِ
إِنّي لَأَحمِلُ في هَواكِ صَبابَةً
يا مِصرُ قَد خَرَجَت عَنِ الأَطواقِ
لَهفي عَلَيكِ مَتى أَراكِ طَليقَةً
يَحمي كَريمَ حِماكِ شَعبٌ راقي
كَلِفٌ بِمَحمودِ الخِلالِ مُتَيَّمٌ
بِالبَذلِ بَينَ يَدَيكِ وَالإِنفاقِ
إِنّي لَتُطرِبُني الخِلالُ كَريمَةً
طَرَبَ الغَريبِ بِأَوبَةٍ وَتَلاقي
وَتَهُزُّني ذِكرى المُروءَةِ وَالنَدى
بَينَ الشَمائِلِ هِزَّةَ المُشتاقِ
رابطة النهر الخالد
كَم ذا يُكابِدُ عاشِقٌ وَيُلاقي
في حُبِّ مِصرَ كَثيرَةِ العُشّاقِ
إِنّي لَأَحمِلُ في هَواكِ صَبابَةً
يا مِصرُ قَد خَرَجَت عَنِ الأَطواقِ
لَهفي عَلَيكِ مَتى أَراكِ طَليقَةً
يَحمي كَريمَ حِماكِ شَعبٌ راقي
كَلِفٌ بِمَحمودِ الخِلالِ مُتَيَّمٌ
بِالبَذلِ بَينَ يَدَيكِ وَالإِنفاقِ
إِنّي لَتُطرِبُني الخِلالُ كَريمَةً
طَرَبَ الغَريبِ بِأَوبَةٍ وَتَلاقي
وَتَهُزُّني ذِكرى المُروءَةِ وَالنَدى
بَينَ الشَمائِلِ هِزَّةَ المُشتاقِ
رابطة النهر الخالد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 مدخل لقراءة القصيدة الجاهلية (1)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد الحصري




عدد المساهمات : 219
تاريخ التسجيل : 21/12/2011

مدخل لقراءة القصيدة الجاهلية (1) Empty
مُساهمةموضوع: مدخل لقراءة القصيدة الجاهلية (1)   مدخل لقراءة القصيدة الجاهلية (1) Emptyالخميس يناير 31, 2013 10:08 am

مدخل لقراءة القصيدة الجاهلية (1)
ملمح تاريخي - ما قبل العصر الجاهلي



عند قراءة قصيدةٍ معاصرة لا يَحتاج القارئُ والنَّاقدُ - في كثيرٍ من الأحيان - أن يخوض في الظُّروف الموضوعيَّة والواقعية المحيطة بالقصيدة، بل يدخل مباشرةً إلى لغة القصيدة؛ اعتمادًا على أن السِّياق المصاحب للقصيدة قد ألَمَّ به القارئ / الناقد من خلال المُعايَشة للعصر الذي كُتبت فيه.



أمَّا عند قراءة الشعر القديم، فلا مناص من التعرُّف على الظروف الموضوعيَّة للنصِّ؛ من سيرة الكاتب، أو الشاعر، أو الظروف التي أحاطت به عند كتابة القصيدة؛ حتَّى يتمكن القارئ/ الناقد أن يقف على عطاء القصيدة المتلبِّس بظرفها الموضوعيِّ والشخصي للشَّاعر الذي كتب القصيدة، وما أحاط به عند كتابتها.



وهذه النظرة ربَّما خالفَتْ إلى حدٍّ كبير ما تُنادي به بعضُ نظريات النَّقد المعاصر التي ركَّزَت على لغة النصِّ؛ كالبنبوية والأسلوبيَّة والتشريحية، وغيرها من مدارس النقد التي نفَتْ صاحب النصِّ وركَّزت على نصِّه باعتباره - النص - هو الهدفَ الأصيل من عمليَّة القراءة.



لكن الأمر يختلف إلى حدٍّ كبير عند قراءة النُّصوص القديمة التي أصبحَتْ عاطلةً عن ظرفها الموضوعيِّ والشخصي، الذي لعب دورًا كبيرًا في خروجها إلى حيِّز الوجود إذا قرئت مجرَّدة دون مراعاة الظَّرف الشخصي والموضوعي؛ باعتبارهما مدخلاً ضروريًّا للوصول إلى نخاعها النصِّي إذا صحَّ التعبير، والأمر في الشعر الجاهليِّ أكثر وضوحًا؛ إذْ إنَّ قارئ النص الجاهلي يُعْوِزه في كثيرٍ جدًّا من الأحيان أن يطَّلِع على كثير من المعلومات - خارج النص - لتساعده على الولوج إلى داخل القصيدة أو القطعة الجاهليَّة، ويتبدَّى ذلك بشكلٍ واضح - على الأقلِّ - في الحاجة إلى معرفة كثيرٍ من معاني المفردات التي تحتويها القصيدة، وما هنالك من وقائع بعينها انطلقَتْ منها لغة القصيدة.



ومن هنا نحاول في هذا المدخل حصْرَ أهمِّ الظروف الموضوعيَّة والشخصية التي تحيط بالقصيدة الجاهليَّة بشكل عام، والتي نراها ضروريَّة؛ حتَّى يتمكَّن قارئُ القصيدة الجاهلية من الوصول إلى قراءةٍ سليمة ممتعة، وهي:

• ملمحٌ تاريخي: ما قبل العصر الجاهلي.

• الوضع السياسيُّ إبان العصر الجاهلي.

• مكَّة والمدينة.

• البناء القبَلِي للمجتمع العربي.

• الوضع الاقتصادي في الجزيرة العربية.

• الوضع الديني والثَّقافي.

• اللغة الأدبية الواحدة.

• مصادر الشعر الجاهلي.

• أولية القصيدة الجاهلية.

• الغنائية مِيسَم الشِّعر الجاهلي.

• المعلَّقات.

• البناء الفنِّي للقصيدة الجاهلية.

• الغزَلُ الجاهلي - المرأة في القصيدة الجاهلية.

• الشاعر الجاهلي بين الالتزام والتحرُّر الذاتي - شعر الصعاليك.



(1)
ملمح تاريخي - ما قبل العصر الجاهلي
الباحثون في الشِّعر الجاهلي والتاريخ العربي قبل الإسلام يقرِّرون أن العصر المسمَّى بالعصر الجاهليِّ في التاريخ العربي يمتدُّ على مدار ما لا يزيد عن مائةٍ وخمسين عامًا قبل بعثة النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - على أقصى تقديرٍ، ويرى كثيرٌ من الباحثين أنَّ التاريخ العربي القديم السابق على هذه الفترة، شهد عددًا كبيرًا من الحضارات الموغلة في القِدَم، أُطلق عليها تاريخ العرب قبل الإسلام؛ حيث عُرِفت اللُّغة العربية الأولى التي تطوَّرت عنها اللُّغة العربية التي كتب بها الشِّعر الجاهلي، ومن الضروريِّ - لكي يَستشعر القارئُ العمقَ الزمني للعصر الجاهلي - أن نعطي نبذةً حول هذا التاريخ الممتدِّ وما قام به من دول.



لقد كان من الغريب انصرافُ المؤرِّخين المسلمين في العصر الإسلاميِّ عن التاريخ العربي، إلاَّ أن يكون مقدِّمات لتواريخهم المفصَّلة للعصر الإسلامي، ولذا فَقدَ ما كتبوه - حول التاريخ العربي قبل الإسلام - الكثيرَ من الدقَّة، ولابسَه في كثير من الأحيان الخَلْطُ والأسطورة، ولم يكن تاريخًا بالمعنى الدَّقيق لكلمة "تاريخ"!



لقد كان ما كتبه كبار المؤرِّخين المسلمين - كالطَّبري، والمسعودي، والبلاذري، والدِّينوَري، وابن الأثير، وابن كثير، وابن خَلْدون، وغيرهم - من تاريخ هذه الحقبة التي سبقَت العصر الجاهلي مليئًا بكثيرٍ من الخلط والإهمال، والاعتماد على الخرافات في الروايات والوقائع التي حمَلت تاريخ هذه الفترة.



على أنَّ الدراسات الحديثة لهذه الفترة قد كشفَتْ عن جوانب كثيرة من تاريخ هذه الفترة، وبشكل أكثر دقَّة؛ وذلك من خلال ما كشفَت عنه الحفريَّات وغيرها من المصادر التاريخية المعاصرة، وما تناقلَه الباحثون مما جاء فيها عن الدُّول التي ظهرت في هذا العصر.



وقبل أن نشير إلى هذه الدُّول، نشير إشارةً سريعة إلى طبقات العرَب؛ فقد اتَّفق الرُّواة وأهل الأخبار على تقسيم العرب إلى طبقات على النَّحو التالي:

تقسيمٌ يرى أنَّ العرب تنقسم إلى: عربٍ بائدة، وعرب عاربة، وعرب مستعرِبة.

وتقسيم يرى أنَّ العرب تنقسم إلى: عرب عاربة، وعرب مستعربة، وعرب تابعة، وعرب مستعجمة.



كما أنَّ هناك تقسيمًا يقسِّم العرب إلى قسمين: بائدة، وباقية.



فأما العرب البائدة فهم العرب الصُّرَحاء الخُلَّص، ذَوو النَّسب العربي الخالص، ويتكوَّنون من قبائل عادٍ وثمود، وطسم، وجديس، وأميم، وعبيل، وجُرْهم، والعماليق، ومَدْين، وغيرهم.



وأما العرب الباقية، وهم المتعرِّبة والمستعربة، فهم الذين ليسوا عربًا خُلَّصًا، ويتكونون من بني يَعْرُب بن قحطان، وبني معد بن عدنان، فالقحطانيُّون من نسل يَعْرُب بن قحطان، وقد سكنوا اليمَن، والعدنانيُّون من نسل معدِّ بن عدنان وقد سكنوا الحجاز.



وتقسيم ابن خلدون ينحو منحًى آخَر، يقسِّم به العرب - طِبقًا للتَّسلسُل التاريخيِّ - إلى طبقاتٍ أربع: عرب عاربة، وقد بادت، ثم مستعربة، وهم القحطانيُّون، ثم العرب التابعة لهم من الأوس والخزرج وعدنان، ثم الغساسِنَة، والمناذرة، وأخيرًا العرب المستعجمة، وهم الذين دخلوا في نفوذ الدَّولة الإسلامية.



ووسط ضباب التاريخ القديم، ظهرَتْ دولة معين - فيما يرى الباحثون - بين عامَيْ 1500 قبل الميلاد، و2001 قبل الميلاد، وانتهت عام 700 قبل الميلاد سابقةً دولة سبأ التي تُنسَب فيما يرى الباحثون إلى (عبدشمس بن يَشْجب بن يَعْرُب بن قحطان)، الذي هو اسمٌ لسبأ الذي نُسِبت إليه الدولة السَّبئيَّة، وهذه الدولة أيضًا يرى الباحثون أنَّها تمتد منذ ما قبل الأَلْف الأولى قبل الميلاد حتَّى ما بعد الميلاد في عصور متتالية.



كما تؤكِّد المصادر التاريخية ظهورَ عددٍ من الدُّول الأخرى في هذه الحقبة التاريخيَّة الضاربة في القِدَم، منها دولة حضرموت، وحضرموت عند الإخباريِّين هو ابن يقطان، ومنها دولة قتبان.



ثم يأتي بعد عصر الدولة السبئيَّة دولة حِمْيَر التي تُنسَب إلى حِمْيَر بن سبأ بن يشجب بين يَعْرب بن قحطان، فيما يرى الإخباريون.



وهذه الدَّولة هي أقربُ الدُّول قربًا من العصر الجاهليِّ الذي ظهر فيه الشِّعر الجاهليُّ الذي نكتب هذا المدخلَ لقراءته.



وفي هذا العصر الحِمْيَري - الذي يعدُّ امتدادًا للدَّولة السبئيَّة - حمَل الملوكُ ألقابًا مثل: "ملك سبأ، وذي ريدان، وحضرموت، ويمنات"، وكلمة "يمنات" كما يرى البعض اشتُقَّت منها كلمة اليمَن، وفي هذا العصر - عصر الدولة الحميريَّة - دخلت اليهوديَّة والمسيحية إلى بلاد اليمن، محاوِلةً زحزحةَ الدِّيانة الوثنيَّة التي كانت تدور حول عبادة النجوم والكواكب والشمس، وكانت بيزنطةُ تشجِّع الديانة المسيحيَّةَ في اليمَن، وتستعين بالأحباش الذين تنصَّروا على نشرها باليمن، ومن ثَمَّ بقية الجزيرة العربية، ولكن أهل البلاد - الحِمْيَريِّين - كانوا يشجِّعون اليهودية؛ رغبةً منهم في مقاومة المسيحيَّة؛ دين عدوِّهم السياسي والاقتصادي.



وتشير المصادِرُ العربية القديمة إلى أنَّ كلمة الحضارة الحميريَّة أصبحَتْ عَلمًا على كلِّ شيء في بلاد العرب قبل الإسلام، ويرى بعضُ الباحثين أنَّ حمير هذا - الذي تُنسب إليه الدَّولة الحميرية - كان معاصرًا لإبراهيم - عليه السَّلام - وهو الذي سيَّر جُرْهمًا من اليمن إلى الحرم وأرض الحجاز، حيث التقَوا بإسماعيل الذي تزوَّج منهم، على أن كثيرًا من المؤرِّخين ينكرون ذلك، ويرَون أنَّ مُعاصرة إبراهيم - عليه السَّلام - لحِمْيَر الذي تُنسب إليه الدولة الحميريَّة أمرٌ مستبعَد، يصل بحدود هذه الدولة تاريخيًّا إلى ما قبل الميلاد بألفَي عام، وهو الأمر الذي تنفيه المصادر التاريخيَّة المعاصرة جميعها.



وعلى مقربةٍ من بداية التاريخ الميلاديِّ ظهرَتْ ملوك التَّبابِعة، وكان أوَّل من حمَل لقَب "تُبَّع" هو الحارث بن ذي شمر، ثم استمرَّ ملك التبابعة إلى أن احتلَّ الأحباشُ اليمن.



وقد ذكَر القرآنُ الكريم التبابعةَ في قوله تعالى: ﴿ أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ ﴾ [الدخان: 37]، وقال تعالى: ﴿ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ ﴾ [ق: 14]، ولكن القرآن لم يحدِّد اسم تُبَّع هذا، ومن ثَمَّ رأى البعض أنه من حِمْير.



وأمَّا موطن الحميريِّين، فقد كان إلى الشَّرق من القسم الجنوبي الغربي من شِبْه الجزيرة العربيَّة؛ حيث يكون جزءًا من أرض قتبان إلى الجنوب من أرض "رشاي" و"جيان"، وإلى الغرب من حضرموت، وإلى الشَّرق من "ذياب"، وتكوّن أرض "يافع" الموطن القديم للحميريِّين قبل هجرتهم، حوالي عام 100 قبل الميلاد إلى مواطنهم الجديدة في أرضين؛ (دهس) و(رعين)، مكوِّنين حكومة ذي ريدان، ومُتَّخِذين من "ظفار" عاصمةً لهم.



وبالرغم من أنَّ هناك مَن يرى أنَّ الحميريِّين فرعٌ من السبئيِّين، أو على الأقلِّ يمتُّون إليهم بصلةٍ قويَّة، وأنَّ لُغَتهم ليست إلاَّ لهجةً من لُغَتي سبأٍ ومَعين؛ فإنَّ العلاقات بين سبأ وحمير كان يَسُودها العداءُ في أغلب الأحيان، وكثيرًا ما أشارت الكتابات السبئية إلى ذلك.



وعلى أيِّ حال فهناك ما يشير إلى أن الحميريِّين قد استولوا على مأرب - العاصمة السبئيَّة العتيقة - وربَّما استغلُّوا فرصة الضعف التي سادت في البلاد، غير أنَّ الأمراء الموالين لملك سبأ سرعان ما أَخرجوا الحميريِّين من مأرب؛ ومِن ثَمَّ فقد كان هناك مَلِكان على الأقل - الأوَّل سبئيٌّ، والآخر حِمْيري - كلٌّ منهما يزعم أنَّه ملك سبأ وذي ريدان، على أنَّ الحميريين قد أعادوا الكَرَّة، واستولوا على مأرب حوالي عام 200 من الميلاد أو عام 210.



ويحتلُّ "شمر يهرعش" من بين ملوك حِمْير مكانةً كبيرة، حتَّى إن الإخباريِّين يجعلونه هو "تُبَّع" الذي وردَ ذِكْرُه في القرآن؛ لأنَّه لم يقم للعرب قائمٌ أحفَظُ منه لهم، فكان جميعُ العرب - بنو قحطان وبنو عدنان - شاكرين لأيامه، وكان أعقلَ مَن رأَوْه من الملوك، وأعلاهم هِمَّة، وأبعدَهم غورًا، وأشدَّهم مكرًا لمن حارب، فضَربت به العربُ الأمثال.



وقد نُسِجت أساطير كثيرةٌ حول هذا الملك من الملوك الحميريِّين، نسَبتْ إليه - من الفتوح والأعمال - ما يعدُّ ضربًا من الخيال، بل نسَبوا له شعرًا قاله في بعض المواقف، وهو شعرٌ يَظهر تمامًا أنه مصنوعٌ في عصور التدوين!



ويرى بعض المؤرِّخين أنَّ بلاد العرب في أوائل القرن الرابع الميلادي كانت ميدانًا للتَّسابق بين مَلِكين؛ الأول هو "شمر يهرعش" - تُبَّع - والثاني هو "امرؤ القيس بن عمرو" ملك الحيرة، وقد فاز في هذا الصِّراع امرؤُ القيس بن عمرو، ووصل إلى الحدود الغربيَّة الجنوبية في ناحية الشمال.



ويستنبط المؤرِّخون أن الأوَّل - وهو شمر يهرعش - قد خضعَتْ له العرب القحطانيُّون الجنوبية، بينما قد دان للملك الثاني - امرِئ القيس بن عمرو - العربُ العدنانية الشمالية في الحجاز ونَجْد.



على أنَّ المصادر التاريخية تَذْكر ملكًا ثالثًا كان معاصرًا لـ"شمر يهرعش" و"امرئ القيس بن عمرو" هو ملك كِنْدة؛ تلك المَمْلكة التي قامت إلى الجنوب الشرقيِّ من الجزيرة في هذا العهد.



ثم يجيءُ بعد "شمر يهرعش" بمدَّة ملكٌ من التبابعة، اسمه "أب كرب أسعد"، يرى المؤرِّخون أنه مرَّ بالمدينة ومكَّةَ بعد عودته من غزواته خارج الجزيرة - هكذا يزعمون - ثم كَسى الكعبة، واعتنق الدين اليهوديَّ؛ لنصيحة حبرَيْن من يهود المدينة له بذلك، وتنسج رواياتُ الإخباريين أساطيرَ كثيرةً حول هذا الملك الذي ترجِّحُ المصادر أنَّ مُلْكَه كان في حدود عام 400 م - 430 م على أقصى تقدير، وخلَّف "أب كرب أسعد" ربيعة بن نضر اللخمي الذي ملك الحيرة، وكان من عَقِبِه "النُّعمان بن المنذر" ملك الحيرة فيما بعد.



ويستمرُّ مُلْك الحميريِّين باليمن إلى أن يغزو الأحباشُ أرض اليمن، وقد كانت اليهوديَّة بدأت تأخذ طريقها إلى اليمن منذ فترة طويلة، وإن ازدادَتْ بعد تدمير بيت المقدس على يد "نيتوس" في عام 70 م، ودخل الأحباشُ - إذًا - اليمنَ في بداية القرن السادس الميلادي على إثر حرب داخليَّة اشتعلَتْ بين قبائل سبأ وحمير ورحبة وكندة وثعلبة؛ مما أدَّى إلى حالةٍ من الاضمحلال، مكَّنت لها كذلك - فضلاً عن الحرب الداخلية - كثرةُ دخول اليمَنيِّين في اليهودية والنصرانية.



ولقد أكَّدت المصادر الغربيَّة أن الغَزْو الحبشيَّ لليمن العربية كان من قبيل نفوذ الدولة الرُّومانية الشرقيَّة إلى بلاد العرب التي لم يكن النُّفوذ الرومانيُّ قد وصل إليها حتَّى ذلك الحين، إلاَّ من خلال الإرساليَّات التبشيرية التي وصلَتْ إلى بلاد اليمن، على حين كان الهدف المُعْلَن للغزو الحبشيِّ لليمن هو حمايةَ المستضعفين من النَّصارى الذين يُعذَّبون في اليمن، كما فعل "ذو نواس" الملك الحميريُّ اليهودي معهم.



لقد اتَّفقَت مصالح الرُّومان والأحباش في السَّيطرة على بلاد العرب الجنوبيَّة، وكانت سياسة "ذي نواس" التي تربط بين انتشار المسيحيَّة في اليمن وبين ازدياد نُفوذ الأحباش في البلاد سببًا في أن يتَّخذ من نصارى اليمن موقفًا عدائيًّا، وكان ذلك ذريعةً وجدَها الرُّومانُ لدخول اليمن من خلال تحريض الأحباش للقيام بهذا الدَّور.



على أنَّ هناك من يذهب إلى أنَّ الرُّوم قد اشتركوا بطريقة معلَنة في غزو اليمن عن طريق أسطولهم في مصر محمَّلاً بالأسلحة والمُؤَن إلى الثُّغور اليمنية.



وظلَّت اليمن تحت الاحتلال الحبشيِّ حتَّى استطاع "أبرهة الأشرم" أن يصل إلى سدَّة الحكم بعد صراعاتٍ مع قبائل اليمن المُجاورة، وبعد أن استطاع - مِن قبل - أن يزيح "أرياط" من طريقه - وهو حبشي مثله، تنازع الاثنان على قيادة الأحباش في اليمن - وبعد أن فرغ "أبرهةُ" من القضاء على الثَّورات التي هبَّت ضدَّه، انصرف إلى نشر المسيحيَّة، ومُحاربة الأديان الأخرى في بلاد العرب، فقام بإنشاء الكنائس في بلاد اليمن في مأرب ونجران وصنعاء؛ حيث بنى كنيسته المشهورة "القلّيس"؛ بُغْيةَ أن يَصْرف حجيجَ مكَّة إلى صنعاء.



وبعد موت "أبرهة" عند غزو الكعبة، اختلط أمر الأحباش في اليمَن، وانتهى وجودُهم بها، وكان ذلك في حدود عام 575 م، وبهذا - كما يرى الباحثون المعاصرون - استمرَّ حكم الأحباش في اليمن قرابة نصف قرن (525 - 575 م).



وبعد خروج الأحباش من اليمن، أصبح الجوُّ مهيَّئًا للبطل "سيف بن ذي يزن" ليعتلي عرش العربيَّة الجنوبية، بمساعدةٍ من الفرس؛ حيث تَذْكر الرِّواياتُ أنَّه حاول أوَّلَ الأمر الاستعانةَ بقيصر بيزنطة، ولكن لم يجد عنده جوابًا لِمَطالبه في تحرير اليمن، فالتجأ إلى كسرى، وكان "عمرو بن هند" ملك الحيرة قد توسَّط بين أبيه وبين كسرى؛ لتخليص اليمن من الاحتلال الحبشي.



وهكذا وجدَت فارسُ - في طلب يهود العرب ووثنيِّيهم مؤازرتَها ضدَّ الدولة النصرانية - وسيلةً للتوسُّع في بلاد العرب، ومن ثَمَّ فإنَّ بادية الشام في الشمال وإن حالت دون توسع القوى الكبرى في تلك الفترة من التاريخ إلى شِبْه الجزيرة العربية، فقد أصبحَت أرض الجنوب مَدْخلاً لتلك الدُّول توصلها لقلب البلاد.



نجَح العرب اليمنيُّون إذًا في تحرير بلادهم من ربقة الاستِعمار الحبشيِّ، وقَنعَ الفرسُ - على ما يبدو - في إقامة حكمٍ وطني يَدِين بالتبعيَّة لهم، ومن ثم أصبح ملك "سيف بن ذي يزن" مستقرًّا في اليمن منذ عام 575 م، على أنَّ ملكه لم يكن يشمل كلَّ أنحاء البلاد.



لقد كان لخلاصِ اليمن من نير الاحتلال الحبشيِّ رنَّةُ فرحٍ هائلةٌ في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية، ووفدَت الوفود من الحجاز وغيرها على "سيف بن ذي يزن" يهنِّئونه بتحرير البلاد، وعودة المُلك إليه، ومن هذه الوفود وفْدُ مكَّة، برياسة كبيرها "عبدالمطلب بن هاشم" جد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومعه "أميَّة بن عبدشمس" و"عبدالله بن جدعان" و"أسد بن خويلد بن عبدالعزى" في ناسٍ من أشراف قريش.



وبعد قتل "سيف ذي يزن" على يد الأحباش غيلةً، كان للفرس الدَّور الأكبر في اليمَن، حتَّى إسلام "باذان" عامل كسرى على اليمن في عهد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومتابعته للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - واليًا على اليمن.



وتَجْدر الإشارة إلى أنَّ السُّلطة الفارسيَّة في اليمن كانت محصورةً في صنعاء، وأنَّ القبائل اليمنيَّة كانت - كبقيَّة قبائل الجزيرة العربية في ذلك الوقت - تتمتَّع بحريتها، ولا تتبع أيَّ سُلطة مركزية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مدخل لقراءة القصيدة الجاهلية (1)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مدخل لقراءة القصيدة الجاهلية (4)
» مدخل لقراءة القصيدة الجاهلية (2)
» مدخل لقراءة القصيدة الجاهلية (3)
» قصيدة عن مصر....
» ليبرالية العرب في الجاهلية..( د. إبراهيم بن محمد الحقيل )

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
رابطة النهر الخالد :: ادب وفنون :: قطوف الأدب-
انتقل الى: