قيمة العزة والكرامة
ألقى فضيلة الشيخ عبد الرحمن السديس - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "قيمة العزة والكرامة"، والتي تحدَّث فيها عن قيمة العزة والكرامة، وأنها لا تكون إلا بالاعتِزاز بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ بالرجوع إليهما، وتطبيقهما في جميع الشؤون الحياتية، والتعريجَ على حملة التغريب الشرِسَة التي لوَّثَت عقولَ وقلوبَ الشباب والفَتَيات، ففُتِنوا بها.
الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، تعالى ربُّنا جلالًا واقتدارًا، وعِزَّةً وإكبارًا، أحمده - سبحانه - لم يزَل توفيقُه مِدرارًا للسَّامين نفوسًا وأقدارًا.
الحمدُ لله العظيمِ الشَّانِ
حمدًا بلا عيبٍ ولا نُقصانِ
حمدًا يضيقُ به الفضاءُ مُبارَكًا
بهَرَ الوُجودَ على مدى الأزمانِ
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نرومُ به مجدًا ووقارًا، وكرامةً وفَخارًا، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسوله أرشدَ الله به نفوسًا حَيارَى، وأنهلَها عذْبَ الإباء فتلألأَت عِزَّةً وأنوارًا، اللهم فيا ربِّ صلِّ عليه، وعلى آله الساطعين في سماءِ الشَّمَمِ شموسًا وأقمارًا، وصحابتهِ الكرامِ الميامين البالِغين من ذُرَى الشُّموخ شأوًا أنَّى يُجَارَى، والتابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ يرجُو من المنَّان جنَّاتٍ وأنهارًا، وسلَّم يا ربِّ تسليمًا مُبارَكًا عديدًا مديدًا ما تعاقبَ القمران واستنارا.
أما بعد، فيا عباد الله:
اتقوا الله حق تقاته، واسعَوا في معارجِ العِزَّة إلى مرضاته؛ فتقواه - سبحانه - لمن رامَ العِزَّة والفلاح والرِّفعةَ والكرامة والصلاح، كم زكَت لِباسًا وطابَت غِراسًا، وشعَّت بالهُدى نِبراسًا، (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) [البقرة: 197].
ألا إنما التقوى هي العزُّ والكرَم
وحبُّك للدُّنيا هو الذلُّ والسَّقَم
وليس على عبدٍ تقيٍّ نقيصةٌ
إذا حقَّقَ التقوى وإن حاكَ أو حجَم
أيها المسلمون:
في ثنايا حوادث العصر المُتراكِبة، وأعاصير فتنه المُتعاقبة، ومُستجدَّاته المُتواكِبة، وما أسفرَت عنه من تحريفٍ لقِيَمٍ منيعةٍ سامِية، وانجِفالٍ عن معانيها البديعة الهامِية؛ لزِمَ التوجيهُ والإيقاظ، وتحتَّمَ التذكيرُ والاستنهاض.
ومن تلكم القِيَم التي زاغَت عن حقيقتها الأفهام، وغدَا مِدرارُها كالجَهام: قِيمة العِزَّة والكرامة، والإباء والشَّهامة التي أضحَت في كثيرٍ من الأقطار مُصفَّدةً أو مُضامَة؛ فالعِزَّةُ روح الحياة الكريمة وقِوامها، وبها هيبةُ النفس الإنسانية واحترامُها، ومتى طُمِست في المُجتمعات فقد آذنَت بفنائها واخترامِها.
تنزِعُ العزَّةُ بالنفوس الهَضيمة عن الذل والضراعَة والاستِكانة والوَضاعة، وتسمُو بها جوزاءَ الحق والْتِماعَه؛ كيف وشفاءُ الخُنوع في نُصْلِها، وسُؤدَد الدنيا في نَصْلها، وجلالُ الأمم في وَصلها، كما قال - سبحانه -: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) [الإسراء: 70].
إخوة الإيمان:
العِزَّة الدينية، والكرامةُ الإسلامية من أعظم الخِلال وأزكى الخِصال التي تولَّت غِراسَها، وأرَّجَت أنفاسَها شريعةُ الديَّان - سبحانه -، فحفِظَت المُسلمين عن مواقع الذل والمَسكَنة والعطَب، وذادَتهم عن دَرَكات العجز وسوء المُنقلَب؛ فالمُسلمُ جِبِلَّة أبِيٌّ أَنُوف وعن الهُونِ عَزُوف، وللصَّغَار عَيُوف، أجلُّ من أن يتطامَنَ لطغيان، ويستخزِيَ لمنَّان، ويستكين لبُهتان، ويرزحَ لسَطوة غَشُومٍ أيًّا كان، أو يُمالِقَ إنسان، ويتَّضِع لمكرٍ وهوان، أو يُمالِئَ للئيمٍ جبان؛ لأن العزة الشامِخة في أطواء المُسلمين الجارية أنساغُها في أرواحهم إنما هي من الله وحده استِمدادُها، ومن الدين الربَّانيِّ استِرفادُها، ومن الإيمان الحق عُدَّتُها وعتَادُها.
بين جنبَيْه عِزَّةٌ حين ثارَت
لم ترُعْها العواصِفُ الهَوجَاءُ
تأبَّى أن يعيشَ في حمْأَة الذلِّ
وثَارَت في نفسِه الكِبرياءُ
فماذا تصنعُ فُلولُ الطغيان في قلوبٍ تدرَّعَت بالإيمان، وتحصَّنَت بالعزَّة وتسامَت عن الخِذلان، وأنَّى تَنالُ سَطوةُ الباطل السَّفيه ذي الخُسران من حقٍّ تسطَّر في سجلِّ الشرف ولوحِ الزمان إزاء عُشَّاق العزَّة ورُواتها، وأبطال الشَّهامة وكُماتها، وليُوث العَرين والذِّمار وحُماتها: إخوانِنا الصامدين في فلسطين والأقصى وغزَّة، والصنادِيد في سورية الأعِزَّة الذين طالَ ليلُ ظُلمهم وقهرهم، ومُسلسلُ العُنف والمجازِرِ ضدَّهم، ولا زالَ طُغيان نظامهم يُماطِلُ في الوعود، وينكُثُ الوفاءَ بالالتزامات والعهود، فعَمُوا وصمُّوا، ثم عَمُوا وصمُّوا، والله بصيرٌ بما يعملون.
إنا لنعلَمُ أن دينَ محمدٍ
لا يرتضِي للمُسلمين هوانًا
المجدُ للبلد المُناضِلِ صابِرًا
حتى ولو ذاقَ الرَّدَى ألوانًا
أيها المؤمنون:
لقد تنزَّلت شريعةُ الإسلام لإخراج العباد كل العباد من حُلَك البطش والامتِهان إلى نور الاعتِزاز بالواحد الديَّان، تنزَّلت والكرامة من جوهرها وفَحواها، والعتِزازُ بالحق والعدلِ جَهرهُا ونَجواها.
في الحديث عن تميم الداري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ليبلُغنَّ هذا الأمرُ ما بلغَ الليلُ والنهارُ، ولا يتركُ الله بيتَ مَدَرٍ ولا وَبَر إلا أدخلَه الله هذا الدين بعزِّ عزيزٍ أو بذُلِّ ذليلٍ، عِزًّا يُعِزُّ الله به الإسلام، وذلًّا يُذِلُّ به الكفرَ»؛ أخرجه الإمام أحمد، والبيهقي، والحاكم، وصحَّحه.
الله أكبر، الله أكبر.
وإنا أمةٌ عزَّت فِعالًا
وسادَ أُباتُها غُرًّا كِرامًا
وما انتكَسَت جِباهُ الصِّيدِ يومًا
على ذلٍّ ولا رضِيَت ملامًا
وأيُّ إزراءٍ أبلغُ في النفس ألمًا، وأعمقُ في الروح أثرًا ممن طُمِست كرامتُهم، وفُلَّ إباؤُهم، واستُلِبت نخوتُهم بأطواقِ الاستِبداد، وصُكَّت أصواتُهم بأصفاد الاستِعباد من قِبَل أقوامٍ أقصَوا العلماء، وعطَّلوا العُظماء، وأحبَطوا النُّبَغاء، وحطَّموا العباقِرة والنُّجَباء، وأحالوا أوطانَهم صَحاصِحَ جَرداء في وأدٍ للكرامات، ومُصادرةٍ للحريات؛ بل ومُساوَماتٍ ومُزايَدات.
وفي ديوان الحِكَم: "من بانَ عجزُه زالَ عِزُّه".
إخوة الإسلام:
ولكن، ثم لكن ها هو التأريخُ المُعاصِر يُرهِفُ السمعَ في إكبارٍ لمُجتمعاتٍ انخلَعَت من براثِنِ الإذلال، فأزهَقوه ورفَضوه، واستأسَدوا في وجه الاستِكبار فدكُّوه ولفَظوه، فتسنَّموا - بحمد الله - في شُموخٍ واعتِزازٍ عبَقَ الشعائرِ الدينية والحياة الإسلامية بعد أن أنهَكَهم الاعتِسافُ والابتِزاز.
لقد آنَ لعُتاة الطُّغيان في كل مكانٍ أن يتَّعِظوا بمآل الأقران؛ فغواشِي المِحَن لا مَحالةَ مُتقشِّعةٌ عن فجر العِزَّة والانتِصار، ومُنشقَّةٌ عن صُبح الكرامة والاستِبشار، وستبقى عُنجُهيَّة العُتاة الذين اعتَقَلوا إراداتِ الشعوبِ وسلَبوا حقوقَهم في العِزَّة والكرامة، وعفُّوا معالمَ إبائِهم غُرَّةً سوداء في مُعُرَّةٍ سوداء في مُحيَّا التأريخ، ودمامةً في إنسانية الإنسان في كل زمانٍ ومكان.
أمة العِزَّة والكرامة، والإباء والشَّهامة:
إن العِزَّة المنشودةَ المَرُومة الزَّاكِية الأصول والأَرُومَة التي رفرَفَت وفقَ ضوابط الدين، ورُسوخِ اليقين، وشُفوف البصيرة النَّفَّاذة التي تُبين؛ لأن العِزَّة إنما هي في التقوى، والقوة في الطاعة، والعلوَّ في الاستقامة، والرِّفعةَ في النُّبْل والمُروءة والفضيلة، والحريةَ الحقَّة في ظِلال الشريعة الغرَّاء.
وفرقٌ بين الحرية والفَوضى، وحرية الدين والفِكر والانفِلات والإلحاد والكُفر، (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ) [فاطر: 10].
ولن تتحقَّق لأمة الإسلام الأمانيُّ العِظام إلا بالسير على نور العزيز العلَّام وهدي سيد الأنام، فلا تُفرِّط في الاعتِزاز بهويَّتها ولا تستلِين، وتشمَخُ ولا تستكِين.
هو العزُّ الذي لا ريبَ فيه
لمن رامَ الشريعةَ واستقامَا
فتلك مواقِفُ الأبطال تَتْرَى
وقد عمَّت كرامتُها الأنامَا
معاشر الأحِبَّة في كل الأقطار، أمة الشِّماس والإكبار:
أين التحقُّق بالعزَّة الإسلامية؟ أين تحقُّق كرامة الأمة في المحافِل الدولية؟ أين تأصيلُ قِيَم الإباء والشَمَم والعلاءِ والهِمَم في كثيرٍ من الفضائيات ووسائل الإعلام، وأسَلَات الأقلام من رجال الفِكر والتوجيه الأعلام؟ أين مخايِلُ الاعتِزاز بالإسلام لدى الشباب والفَتَياتِ والأجيال؛ ثقافيًّا وسلوكيًّا وفِكريًّا واجتماعيًّا؟
لشَدَّ ما يُطوِّحُ بك مَريرُ الجواب، والاستِرجاعُ والاستِعتاب، إنها التبَعِيَّة الجَوفاء، والانهِزاميَّة النَّكراء التي غَزَت كثيرًا من أبناء المُسلمين عيانًا بيانًا، وأذَاقَتهم من الهُونِ أصنافًا وألوانًا.
أمة الإسلام:
وثمَّة ملحَظٌ مهم ليكن منكم بحُسبان؛ كونُ فئامٍ من الناس يُعانُون ثقافةَ الخلطِ بين الاعتِزاز والابتِزاز، وبين الحق اللازِب والمُؤكَّد من الواجِب، وبين العَدلِ بالعَدلِ والعَدلِ عن العَدلِ، دون الاحتِراز من الاندِفاع في لُجَّة الغُرُر والبَوّ واتِّقاد جمرة الخُيلاء والزَّهو، وذلك بتبديد المرافق والمُمتلكات والمُكتسبَات، والتعدِّي على المُقدَّرات والحُرُمات، بإثارة الفَوضَى والشَّغَب على الأمن والاستقرار والنظام والطمأنينة والانسِجام بدعوَى الحرية والكرامة، والمُطالَبَة بالحقوق.
قد أسلَموا قِيادَهم لدُعاة التحريض والغَوغائية الذين يبُثُّون الفتنةَ بين الشعوبِ الأوِدَّاء لخدمةِ أجندةٍ مشبوهةٍ للأعداء الألِدَّاء، وتلك - وايْمُ الحق - المفاهيمُ المُختلَّة، ودلالاتُ العِزَّة المُعتلَّة التي تُصادِمُ نصوصَ المِلَّة، وإن هو إلا الصَّلَفُ النَّزِق، والهَوَجُ الأرعَنُ الذي ألصَقَ بالعزَّة الإهانةَ، وتعطَّل عن الوعي والزَّكَانة، وتجرَّد عن المسؤولية والأمانة، وإن في طيِّه إلا الشرور والبلاء، والخُسرُ والعَداء.
ذلكم وإن أمنيةَ من يُحِسُّ مرارةَ الواقع بلوعَة جنانِه وحرارة إيمانه أن تُحطِّمَ الأمةُ عقدةَ الدُّون والانهِزام، وتُرشَّدَ في المُجتمعات مفاهيمُ العِزَّة والاحتِرام التي تنبُذُ الفوضَى والاحتِدام، وتتأبَّى عن الهمجِيَّة والانتِقام، وتمضِي في مُطارحَة الفِكرِ بالفِكرِ، والْتماسِ الحقوقِ بمدارجِ العقلِ والرَّوِيَّة، والحَصانَة السَّنِيَّة، ساعتَها سينهمِرُ غيثُ الأمجاد والعلاء على آكام العِزَّة الحقَّة ومضارِب الإباء التي تُجمِّلُ الحياةَ وتُغليها، وتُبارِكها وتُحيِيها، على نحو دِيار الحرمين الشريفين - حرسَها الله - التي بلغَت - بحمد الله - من ألَقِ الإباء والكرامة الذُّرَى النَّضير الذي عزَّ عن النَّظير، والله وحده الوليُّ والنصير، (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الجمعة: 4].
أمنٌ وإيمانٌ وعِزَّةُ دولةٍ
تحمِي الحِمَى مما يرُوعُ ويُفجِعُ
فإذا نَظَرتَ فكلُّ شيءٍ باسِمٌ
والحُكمُ عدلٌ والشريعةُ تسطَعُ
(وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [المنافقون: 8].
بارك الله ولي ولكم في القرآن والسنة، ونفعنا بما فيهما من الآيات والذكر والحِكمة، أقول قولي هذا، وأستغفرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم، فاستغفِروه وتوبوا إليه؛ إنه كان حليمًا غفورًا.
الخطبة الثانية
الحمد لله وليِّ النِّعَم ومُسديها، أحمده - سبحانه - كرَّمَ الإنسانَ تبجيلًا وتنويهًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً زكَت بالحق مرامِيها، وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه من سعِدَت به الخَليقةُ فانجابَت دياجِيها، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله البالغين من الأمجاد عَوالِيها، وصحابتهِ الدَّاعين إلى العِزَّة القَعْساء في أجلَى معانيها، والتابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله -، واحذروا المهانةَ والضَّعَة فقد ذلَّ جانِيها، وابتَغوا من عِزَّة الإسلام للأرواح تزكِيةً وتوجيهًا.
أيها المسلمون:
بَيْد أن هناك أقوامًا يتظَاهَرون بالغَيرة على الإسلام، ركِبوا من ظاهر العِزَّة متنَ عَمياء وخَبطَ عشواء، يُريدون دكَّ عامِرِها، وتكديرَ رَقراقِ غامِرِها، وذلك في حوادِثِ الخَطفِ والقَرصَنة، والمُساومةِ والابتِزاز، كما في حادثِ الخَطفِ الصَّلِف للدبلوماسيِّ السعوديِّ: عبد الله الخالديِّ، فكَّ اللهُ أسرَه، فكَّ اللهُ أسرَه، فكَّ اللهُ أسرَه وسائرَ أسرى المُسلمين.
إن تلك الأفعال الإرهابية الجَبانة التي قامَت على أنقاضِ الظلمِ والبُهتان، والغَدر والعُدوان مُحرَّمةٌ إجماعًا في الشريعة الإسلامية، مُجرَّمةٌ في القوانين الدولية، تستنكِفُ منها الحمِيَّةُ الدينية، وتمُجُّها النَّخوةُ العربية، والشِّيَمُ الأصيلةُ الإنسانيةُ، وقد صحَّ عنه - صلى الله عليه وسلم - قولُه: «ولا أحبِسُ الرُّسُل». وفي رواية: «ولا أقتلُ الرُّسُل».
وإنه لبُرهانٌ قاطعٌ ودليلٌ ساطِعٌ فضحَ من تلك الفئات عَوَارَها وإفلاسَها، وهتَكَ زائِفَ ادِّعائِها، وكشَفَ ظواهِرَها المُموَّهة، وبواطِنَها المسمومة المُشوَّهة، (وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) [الحج: 18].
أما زَعَموا أنهم إلى الشريعة يحتَكِمون، وإلى العدل والحق يختصِمون، وبالسنة الغرَّاء يهتَدون؟ أين حقيقةُ ذلك فيما أقدَموا عليه من الترويع والتفزيع، والارتِهان والامتِهان؟!
ألا فلتُكفكِفُوا - يا هؤلاء - من أضالِيلكم، ولتُقصِروا عن أباطِيلكم، ولتَثُوبوا إلى رُشدِكم، وتتوبوا إلى ربكم، وتُطلِقوا فورًا الخطيفَ البَريءَ، والأسيرَ العَنِيءَ.
هذا وإن العالَمَ أجمع ليُثمِّن للمملكة الشمَّاء وقيادتها الأمنية المُوفَّقة الموقفَ الأبِيَّ الصارِم في مُجافاة هؤلاء النَّزَقة، المارِقين المُرتزِقة، مُؤمِّلةً من الأشِقَّاء والنَّصَفَة الشُّرَفاء مزيدَ التحرُّك العاجِل لحلِّ هذه القضية الساخِنة، والله وحده المُعين والظَّهير، وللخاطفين الذين خطَفَ الشيطانُ عقولَهم سوء المُنقلَب والمصير.
من دَوحَة المجدِ من شمَّاخة القِمَم
من منبَت العِزِّ من خفَّاقَة العلَمِ
نادَى المُنادِي إلى الإحسان فاستبِقوا
وائسُوا جراحَ خَطيفٍ تاهَ في الظُّلَمِ
وكذا رَأْبُ الصدعِ بين الأحِبَّة والأشِقَّاء، ونزعُ فتيل الفتنة والأزمةِ العابِرة بين الإخوة الألِدَّاء، لقوله - سبحانه -: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الحجرات: 10].
هذا، وصلُّوا وسلِّموا - رحمكم الله - على من هدانا الله به صراطًا مُستقيمًا، وعقدَ من معاني العِزَّة دُرًّا نظيمًا، مُمتثلين أمر ربكم - سبحانه - الذي ألبَسَكم به شرفًا جَنيمًا، فقال تعالى قولاً كريمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشرًا».
ثم الصلاةُ مع السلامِ جميعه
لمحمدِ المبعوثِ بالفُرقانِ
والآلِ والصحبِ الكرامِ وكلِّ مَنْ
سلَكَ المحجَّةَ ثابتَ الإيمانِ
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على سيد الأولين والآخرين، ورحمةِ الله للعالمين: نبيِّنا وحبيبِنا وقُدوتِنا محمدِ بن عبد الله، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي برٍ، وعمر، وعثمان وعليٍّ، وعن سائر الصحابة والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم برحمتك يا أرحمَ الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واحم حوزةَ الدين، ودمِّر الطغاةَ والظالمين وسائر أعداء الدين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يُعجِزونك، اللهم فرِّق جمعَهم، وشتِّت شملَهم، واجعلهم عبرةً للمُعتبِرين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح ووفِّق أئمتَنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامَنا ووليَّ أمرنا، اللهم وفِّقه لما تحبُّ وترضى، وخُذ بناصيتِه للبرِّ والتقوى، اللهم ضاعِف أجرَه ومثوبَته على ما يقومُ به من نُصرة قضايا المُسلمين وعلى ما وُفِّق من احتواء السحابةِ العابِرة مع أحِبَّتنا في مصر الكِنانة وتضييع الفُرصة على الشانئين المُتربِّصين، اللهم اجعل ذلك في موازين أعماله الصالحة، اللهم وفِّقه ونائبَه وإخوانه وأعوانه إلى ما فيه صلاحُ البلادِ والعبادِ يا مَن له الدنيا والآخرةُ وإليه المعاد.
اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المُسلمين، اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المُسلمين، ونفِّس كربَ المكروبين، وفُكَّ أسرَ المأسُورين، وارفَع الحِصارَ عن المُحاصَرين، واشفِ مرضانا ومرضى المُسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم كن لإخواننا المُستضعَفين في دينهم في كل مكانٍ، اللهم كُن لإخواننا في فلسطين، اللهم أنقِذ المسجدَ الأقصى من براثِنِ اليهود الغاصِبين.
اللهم إنا نسألُك أن تُصلِح أحوالَ المُسلمين في كل مكان، اللهم اكشِف الغُمَّة، اللهم اكشِف الغُمَّة، اللهم اكشِف الغُمَّة عن هذه الأمة.
اللهم انصُر إخواننا في سُوريا، اللهم كن لإخواننا في سُوريا، اللهم كن لإخواننا في سُوريا، اللهم طالَ ليلُ ظلمهم وبلائهم، اللهم فرِّج عنهم عاجِلًا غيرَ آجلٍ يا ذا الجلال والإكرام، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم احقِن دماءَهم، وصُن أعراضَهم، واحفَظ أموالَهم يا ذا الجلال والإكرام.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201]، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23].
عباد الله:
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].
فاذكُروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُركم، واشكُروه على عُموم نِعَمه يزِدكم، ولذِكرُ الله أكبرُ، والله يعلمُ ما تصنَعون.