عظات وعبر من قصة يوسف عليه السلام
ألقى فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "عظات وعبر من قصة يوسف عليه السلام"، والتي تحدَّث فيها عن الابتلاءات والمِحَن التي تُصيبُ المؤمنين، وتذكيرَ الناس بقصة يوسف وما استملَت عليه من محَنٍ وفتنٍ وخوفٍ وغُربةٍ وغير ذلك، ثم تمكينٌ في الأرض ونصرٌ، وهو يُوجِّهُ بذلك رسالةً إلى كل مُبتَلَى بوجوب الصبر على الابتلاء.
الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغُرِّ الميامين، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فأوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله؛ فالتقوى طوقُ النجاة، وهي الحاجزُ عند الفتن، وبها يكون النصرُ عند الشدائد والمِحَن، (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [يونس: 62- 64].
أيها المسلمون:
أيها الصابِرون الصامِدون، ويا أيها المُبتَلَون! إنه ومع طولِ الليلِ وتفاقُم الجراح يجمُلُ التفاؤُل، وفي غَمرة الأحزان تحلُو حكايا السُّلْوان، وفي ثنايا الآلام تُولَدُ الآمال، وإذا اشتدَّت الكُروب، وأطبَقَت الخُطوب، وتسلَّطَ الفاجِرُ وعزَّ الناصِرُ؛ فسنَّةُ الله في قُرآنه قبل النصر قصصٌ تبعثُ الأملَ، وتحيا بها النفوسُ ويزكُو بها الإيمان.
وما يُصيبُ المؤمنَ من جراحاتٍ وابتلاءاتٍ ليس إلا سنةً قد خلَت في الأصفياء قبله، تُرفَع بها الدرجات، وتُحطُّ السيئات، وتُمحَّصُ بها القلوبُ، وتصفُو بها الأمةُ المؤمنة، (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) [آل عمران: 140، 141].
وفي سيرة نبيِّنا محمد - صلى الله عليه وسلم - آياتٌ وعِبَر، وفي أحرَج الفترات وأشدِّها في مكة، وقبل الهِجرة بثلاث سنين ماتَت خديجةُ - رضي الله عنها -، وكانت وزيرَ صدقٍ على الإسلام، يشكُو النبيُّ الحبيبُ إليها، ويستنِدُ عليها، ومات عمُّه أبو طالب، وكان منَعَةً له وناصِرًا على قومه، واستغربَ الناسُ حادثةَ الإسراء فكذَّبوه، وارتدَّ بعضُ من أسلَمَ، وانكفَأَت الدعوةُ حتى ما كاد يدخلُ في الإسلام أحد.
وسمَّى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك العامَ: عامَ الحزن، وتجرَّأَت قريشٌ على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبلغَت الحربُ عليه أقصَى مداها، ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُعانِي من الوَحشَة والغُربة، وتُعانِي معه الجماعةُ المُسلِمةُ هذه الشدَّة.
فأنزلَ الله تعالى سورة الإسراء والفُرقان، ثم نزلَت سورةُ يونس، ثم سورة هود، وكان فيها من التثبيت والتسرية وقصص الأنبياء وأخبارِهم مع أقوامهم وأيام الله فيهم، وإدالَة الحق وأهله ما قوَّى عزمَ النبي - صلى الله عليه وسلم - وعُصبَته المؤمنة، وفي خاتمة سورة هود: (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ) [هود: 120].
وبعد هذه السور وفي تلك المرحلة الحزينة نزلت سورةُ يوسف؛ فكانت بلسمًا وحنانًا ورحمةً من الله وسُلوانًا، وكانت خاتمةَ القصص الجميلة.
سُورةُ يوسف فيها مشاهِدُ الألم والأمل، ومرارة الفِراق وحلاوة اللقاء، فيها حِكايةُ اليأس واليقين، والظلم والقَهر، والابتلاء والصبر، ثم النجاحُ والنصرُ. فيها الانتقامُ والعفوُ والصفحُ، فيها الرجاءُ والدعاءُ، والتمكينُ بعد الابتلاء، والعاقبةُ الحُسنى للمتقين والصابرين.
سُورةُ يوسف تتجلَّى فيها حِكمةُ الله وأقداره، وتدبيرُه وأسرارُه في نظمٍ قصصيٍّ لم تسمَع الدنيا بمِثلِه: (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) [يوسف: 1- 3] يقصُّ الله على نبيِّه الكريمِ قصةَ أخٍ له كريم: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم - عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين -، وهو يُعانِي صنوفًا من المِحَن والابتلاءات: مِحنةُ كيد الإخوة، ومِحنةُ الجُبِّ والخوف والترويعِ فيه، ومِحنةُ الرِّقِّ وهو ينتقلُ كالسلعةِ من يدٍ إلى يدٍ على غير إرادةٍ منه ولا حمايةٍ ولا رعايةٍ من أبَوَيه ولا من أهله.
ومِحنةُ كيد امرأة العزيز والنِّسوة، وقبلَها ابتلاءُ الإغراء والفتنة والشهوة، ومِحنةُ السجن بعد رغَدِ العيشِ وطَرَاوَته في قصر العزيز، ثم مِحنةُ الرخاء والسلطان المُطلَق في يديه وهو يتحكَّمُ في أقوات الناس وفي رِقابِهم، وفي يديه لُقمة الخُبز التي تقُوتُهم، ومِحنةُ المشاعِر البشرية وهو يلقَى بعد ذلك إخوتَه الذين ألقَوه في الجُبِّ وكانوا السببَ الظاهرَ لهذه المِحَن والابتلاءَات كلِّها.
فلا عجبَ أن تكون هذه السورة بما احتَوَته من قصةِ هذا النبيِّ الكريمِ، ومن التعقيباتِ عليها بعد ذلك مما يتنزَّل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين معه في مكة في هذه الفترة بالذات، تسليةً وتسريةً، وتطمينًا وتثبيتًا للمُطارَدين المُغترِبين.
بل كأنَّ في هذا تلميحًا بالإخراج من مكة إلى دارٍ أخرى يكون فيها النصرُ والتمكينُ مهما بدا أن الخروج كان إكراهًا تحت التهديد، كما أُخرِج يوسف من حِضنِ أبيه ليُواجِهَ هذه الابتلاءات كلها، ثم ينتهي بعد ذلك إلى النصر والتمكين، (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف: 21].
لقد جاءت آيةُ التمكين في ثنايا ذِكرِ يوسف وهو يُباعُ بيعَ الرَّقيق، وجاءت السورةُ وفي كل مراحلِ قصَّتها تأكيدٌ للإيمان واليقين والثقة بربِّ العالمين، والعاقبةِ الحُسنى للمُتَّقين.
وعند إلقاء يوسف في الجُبِّ وبيعِه وإرادة الكيدِ له قال الله تعالى: (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف: 21]؛ فقد أراد إخوةُ يوسف له أمرًا وأراد الله له أمرًا، ولما كان الله غالبًا على أمره ومُسيطِرًا فقد نفَدَ أمرُه، أما إخوةُ يوسف فلا يملِكون أمرَهم، فأفلَتَ من أيديهم وخرجَ عما أرادوا: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)، لا يعلمون أن سنةَ الله ماضِية وأن أمره هو الذي يكون.
وعندما كادَ يوسفُ أن يركَنَ إلى بشرٍ يذكُرُ مظلمَتَه عند الملِك كان جزاؤُه أن لبِثَ في السجنِ بِضعَ سنين، قد شاءَ ربُّه أن يُعلِّمَه كيف يقطَعُ الأسبابَ كلَّها، ويستمسِكَ بسببه وحده فلم يجعل قضاءَ حاجته على يدِ عبدٍ، ولا سببٍ يرتبِطُ بعبدٍ، وهذا من اصطفائِه وكرمِه.
إن عبادَ الله المُخلَصين ينبغي أن يُخلِصُوا له - سبحانه - وأن يدَعُوا له وحده قِيَادَهم، ويدَعُوا له - سبحانه - تنقِيلَ خُطاهُم، وحين يعجَزون بضَعفهم البشريِّ في أول الأمرِ عن اختيار هذا السُّلوك يتفضَّلُ الله - سبحانه - فيقهَرُهم عليه حتى يعرِفُوه ويتذوَّقوه ويلتزِموه بعد ذلك طاعةً ورِضًا وحُبًّا وشوقًا، فيُتِمُّ عليهم فضلَه بهذا كلِّه.
اليقينُ هو: الاعتزازُ بالله، والاطمئنانُ إليه، والثقةُ به، والتجرُّدُ له، والتعرِّي من كل قِيَم الأرض، والتحرُّر من كل أوهاقِها، واستِصغار شأن القوى المُتحكِّمة فيها.
أما يعقوبُ النبيُّ فكان المؤمنَ المُوقِنَ والصابِرَ الواثِقَ، وفي كل لحظةِ وداعٍ يقول: (فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [يوسف: 64]، (وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) [يوسف: 67].
وعند فقدِ أولادِه الثلاثة ويبلُغُ الألمُ مُنتهاه يقول: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) [يوسف: 83]، ويقول: (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86) يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف: 86، 87].
إنه إيمانُ الأنبياء ويقينُ الحُنفاء، فلا تيأسُوا من رَوحِ الله - أيها المَكلُومون -، ولا تيأَسُوا من نصرِ الله - أيها المُرابِطون الصامِدون في وجهِ العواصِفِ -، المؤمنون الموصولةُ قلوبُهم بالله، النَّدِيَّةُ أرواحُهم برَوحِه، الشاعِرون بنفَحَاته الرَّخِيَّة، لا ييأَسُون من رَوحِ الله ولو أحاطَ بهم الكَربُ، واشتدَّ بهم الضِّيقُ؛ فالمؤمنُ في رَوحٍ من ظِلالِ إيمانه، وفي أُنسٍ من صِلَته بربِّه، وفي طُمأنينةٍ من ثقتِه بمولاه، وإن كان في مضايقِ الشدة ومخانِقِ الكُروبِ.
أيها المؤمنون:
لقد كانت تلك المِحَنُ والابتلاءات من تدبيرِ الله ولُطفِه وعلمِه ورحمتِه، حتى مكَّنَ الله ليوسف - عليه السلام -، فصار ملِكًا عزيزًا بيده خزائنُ مِصر، (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ) [يوسف: 56]، يتَّخِذُ منها المنزلَ الذي يُريد، والمكانَ الذي يُريد، في مُقابِل الجُبِّ وما فيه من مخاوِف، والسجنِ وما فيه من قُيُودٍ، (نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ) فنُبدِلُه من العُسر يُسرًا، ومن الضِّيقِ فرَجًا، ومن الخوفِ أمنًا، ومن القيدِ حُرِّيَّةً، ومن الهَوانِ على الناسِ عِزًّا ومقامًا عليًّا، (وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) الذين يُحسِنون الإيمانَ بالله والتوكُّل عليه والاتجاهَ إليه، ويُحسِنون السُّلوكَ والعملَ، (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) [يوسف: 57].
وهكذا عوَّضَ الله يوسف عن المِحنَة تلك المكانةَ في الأرض، وهذه البُشرى في الآخرة جزاءًا وِفاقًا على الإيمان والصبر والإحسان، وهذا من سرِّ تَكرار وصفِ الله العليِّ لذاتِهِ بأنه هو العليمُ الحكيمُ يعلمُ الأحوالَ، ويعلمُ ما وراءَ هذه الأحداث والابتلاءات، ويأتي بكلِّ أمرٍ في وقته المُناسِب عندما تتحقَّقُ حِكمتُه في ترتيب الأسباب والنتائج، (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) [النساء: 19].
وفي خِتام السورة: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ (109) حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [يوسف: 109- 111] إنه التثبيتُ بمجرى سُنَّة الله عندما يستيأِسُ الرُّسُلُ، والتلميحُ بالمخرَج المكروه الذي يلِيهِ الفَرَجُ المرغُوبُ.
معانٍ تُدرِكُها القلوبُ المُؤمنة فيغمُرُها الإيمانُ واليقين، والصبرُ والثبات، تلك سنةُ الله لا بُدَّ من الشدائد، ولا بُدَّ من الكُرُوبِ، ثم يجِيءُ النَّصرُ بعد اليأسِ من كل أسبابِه الظاهِرة التي يتعلَّقُ بها الناسُ، يجيءُ النصرُ من عند الله فينجُو الذين يستحِقُّون النجاة، ينجُون من الهلاكِ الذي يأخُذُ الظالمين، وينجُون من البَطشِ والعَسف الذي يُسلِّطُه عليهم المُتجبِّرون، ويحِلُّ بأسُ الله بالمُجرمين مُدمِّرًا ماحِقًا لا يقِفُون له، ولا يصُدُّه عنهم وليٌّ ولا نصيرٌ، (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).
باركَ الله لي ولكم في الكتاب والسنة، ونفَعَنا بما فيهما من الآياتِ والحكمة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحقُّ المُبين، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه الصادقُ الأمين، صلَّى الله وسلَّم وبارَكَ عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله:
وللحقِّ والعدلِ كلمةٌ لا بُدَّ أن تُقالَ، وإنكارًا للبغي بلا مُداهَنةٍ أو اعتِذار؛ فإن ما جرَى من خطفٍ للدبلوماسيِّ السعوديِّ في اليمن لهُو بغيٌ وظلمٌ وجريمةٌ لا يُقِرُّها دينٌ ولا عُرفٌ، ليست من الدين ولا من الجهاد، وهو ليس عُدوانًا على مُسلمٍ واحدٍ فحَسب؛ بل هو عُدوانٌ على كل من يُمثِّلُهم من هذه البلاد، وإعلانٌ للعداء والمُحارَبَة لهم، ولن تستجيبَ بلادُنا للابتِزاز، ولن تتراجَع عن حقوقِها، إلا أن بابَ التوبةِ مفتوح، ومبدأ المُراجَعة مطروح.
فاتقوا الله في الإسلام والمُسلمين؛ فكم لحِقَت به رَزايا بسبب التصرُّفاتِ المُشوَّهة والأفكار المُحرَّفة.
فكَّ الله أسرَ المأسُور، وجعلَ كيدَ الباغين عليهم يدُور.
هذا؛ وصلُّوا وسلِّموا على النبي المُصطفى والرسول المُجتبى، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابتهِ الغُرِّ الميامين، اللهم ارضَ عن الأئمة المهديين، والخلفاء الراشدِين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابةِ نبيِّك أجمعين، ومن سارَ على نهجِهم واتبع سنَّتهم يا رب العالمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم من أرادنا وأراد بلادنا بسوءٍ أو فُرقة فرُدَّ كيدَه في نحرِهِ، واجعل تدبيرَه دمارًا عليه.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامَنا ووليَّ أمرنا، اللهم وفِّقه لهُداك، واجعل عملَه في رِضاك، وهيِّئ له البِطانةَ الصالحةَ، اللهم وحِّد به كلمةَ المسلمين، وارفع به لواءَ الدين، اللهم جازِهِ خيرَ الجزاءِ على نُصرته للمظلومين، وجمعِه كلمة المُسلمين، وما وفَّقتَه إليه من حُسن الموقفِ مع أشقَّائِنا المصريين، اللهم وفِّقه ووليَّ عهده وسدِّدهم وأعِنْهم، واجعَلهم مُبارَكِين مُوفَّقِين لكل خيرٍ وصلاحٍ.
اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلِح أحوالَهم في سوريا وفلسطين، اللهم أصلِح أحوالَهم في سوريا وفلسطين، اللهم اجمَعهم على الحقِّ والهدى، اللهم احقِن دماءهم، وآمِن روعاتهم، وسُدَّ خَلَّتهم، وأطعِم جائعَهم، واحفَظ أعراضَهم، واربِط على قلوبهم، وثبِّت أقدامَهم، وانصُرهم على من بغَى عليهم، اللهم فُكَّ حِصارَهم، اللهم فرَجَك القريب، اللهم فرَجَك القريب.
اللهم إنا نستودِعُك إخواننا في سُوريا، اللهم إنا نستودِعُك دماءَهم وأعراضَهم وأموالَهم يا من لا تضيعُ ودائِعُه.
اللهم إنا نستنزِلُ نصرَك على عبادك المُستضعفين المظلومين، اللهم انتصِر لليتامَى والثَّكَالَى والمظلومين، اللهم رُحماكَ بهم يا أرحم الراحمين، ويا ناصِر المظلومين.
اللهم عليك بالطُّغاة الظالمين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يُعجِزونَكَ، اللهم أنزِل بهم بأسَك ورِجزَك إله الحق.
اللهم انصر دينك وكتابك وسنةَ نبيك وعبادَك المؤمنين، اللهم انصر المُستضعَفين من المسلمين في كل مكان، اللهم انصُرهم في فلسطين على الصهاينة المُحتلِّين.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].
اللهم اغفر ذنوبنا، واستُر عيوبَنا، ويسِّر أمورنا، وبلِّغنا فيما يُرضِيك آمالنا. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالدِيهم وذُريَّاتهم ولجميع المُسلمين. ربَّنا تقبَّل منا إنك أنت السميعُ العليم، وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم.