أحداث غيرت التاريخ
============
= العالم و صناعة الرفاهية
= وثورة الاتصالات غيّرت وجه العالم
= من ثورة الاتصالات
منذ الربع الأخير للقرن العشرين بدا أن العالم الغربي قد انتقل من مجال الصناعات الضرورية وتطويرها مثل وسائل النقل والمواصلات ووسائل البناء والإنشاءات ووسائل الزراعة وتوفير الغذاء وهي وسائل الحياة الضرورية التي أمنت قاعدة للإنطلاقة العصرية الحديثة التي يعيشها العالم الغربي الصناعي اليوم وهي مرحلة الرفاهية وصناعتها بفروعها الهائلة والمذهلة ، فالرياضة التي كانت وسيلة للتسلية وقضاء أيام العطل المملة في بلدان الغرب ، أضحت صناعة مهمة تبنى لها الصروح الرياضية بمليارات الدولارات ، ويستثمر فيها اللاعبون المحترفون كسلع عالية القيمة،حيث تتجاوز أثمانهم ملايين الدولارات ، وتكون مواسم المنافسات الوطنية والقارية والعالمية بين الفرق ، حافزا لتنشيط الحركة الإقتصادية في البلدان التي أدخلت الرياضة في دائرة الصناعة ورسخت فيه أقدامها ، فمصانع الأزياء والأحذية وأدوات اللعب المختلفة هي الأوسع إنتشارا بين الصناعات في العالم ، وكرة القدم خاصة هي اللعبة التي ينتقل جمهورها مئات الأميال،بالقطارات والطائرات وجميع وسائل النقل المتاحة، من أجل مشاهدة فريقه المحلي يلعب مباراة بعيدة تلك المسافة في منطقة نائية مجهولة أو تعاني ركودا إقتصاديا ، فتنتعش وتزدهر لتدخل عصر صناعة الرفاهية الجديد.
= وتستمر صناعة الرفاهية في السينما ، التي لم تعد وسيلة لحكاية القصص وسرد الروايات ، لكنها ولطبيعتها المكونة كصناعة ، طورت صناعتها فأصبح الفن في صناعة الصورة يذهب في فضاء الخيال ويجسده واقعا، ويحفز عمل الفكر على الخلق والإبداع ،ويأخذ المشاهد في عالم من المتعة،تمتزج بين الرومانسية والرعب والعنف ،فتقدم التاريخ بصوره المتخيلة ،وتقدم الواقع بجماله وبؤسه ، فهذه القدرة على تحوير الصورة وتشكيلها حسب الرغبة والخيال أصبحت تنقل الإنسان وهو جالس على أريكته إلى عوالم لم يحلم بها عقل بشر من قبل ،وقد دخلت الثورة الرقمية لتغني الإبداع السينمائي بشكل مبهر وغير مسبوق ، فأعادت الصورة مع تشكلها ،إعادة تشكل الإنسان ، بقيمه وطموحاته.
= أما عصر رحلات إبن بطوطة واليعقوبي والسندباد البحري وماركو بولو ، فقد انقضى واندثر ، وبالطبع لا ننسى هذا التراث الذي تركه هؤلاء الذين تركوا لهم بصمة في التاريخ ولكن أطل علينا حديثا عصر السياحة العصرية التي تنقلك إلى أي مكان في العالم وأبعد مكان فيه خلال دقائق أو ساعات ، فتشاهد روعة الخلق وعظمة الخالق ، وتتمتع بما حلمت به وما لم تحلم ،تأتي بالعالم إليك،فتتعرف على مابنته الشعوب خلال الزمن الذي كنت تعتقد أنك الوحيد الموجود في حضوره، ترى عادات وتقاليد وأساليب حياة لأناس كنت تجهل وجودهم، وتشاهد بلادا في غاباتها وبحارها وأنهرها وصخورها وصحاريها تفوق بوصفها أي جمال فيتضاءل حجمك المنتفخ ،وتعود لتكون إنسانا بين البشر، بل تطلب أن تكون هذا الإنسان،بعد أن انعزلت وتضخمت عندك {الأنا}،وحلقت ريشة في الفضاء تلعب بك الرياح ، كل هذا تؤمنه لك شركات سياحية وفنادق ومنتجعات على مختلف تخصصاتها ومطاعم وأماكن لهو ومناسبات سياحية باتت مثبة بعادات وتقاليد العديد من الشعوب ، ففي أميركا مناسبات وفي البرازيل كرنفالها وفي ألمانيا كرمساتها وفي باريس مهرجاناتها وفي تركيا منتجعاتها وغيرهم الكثير الكثير، وكل هؤلاء يتدفق عليهم الملايين من السواح الذين ينقلون إليهم المليارات.
= أما الحمام الزاجل والقرع على الطبول واضرام النار على رؤوس الجبال والتلويح بالأعلام لنقل الأخبار والرسائل ، فهي وسائل قد انقرضت ، وتطورت وسائل الإتصال ، وليختلف سبب الإتصال من الضرورة والحاجة إلى الرغبة والسعي للمعرفة والإطلاع ، فلم يعد امتلاك وسائل الإتصال الحديثة من أجل معرفة أحوال قريب أو صديق عزيز ، بل معرفة ما يجري في العالم ،وما هي الإنجازات الجديدة الإختراعات والإكتشافات وآخر ماتوصلت إليه اكتشافات العلوم في الطب والفيزياء بأدق التفاصيل وأسرع اللحظات.لقد شهد العالم فيما مضى الثورة الصناعية التي كانت حسب رؤية ذلك الزمان عظيمة ومبهرة ، ولكن أين منها اليوم ثورة المعلومات ، أو ثورة الإتصالات والثورة الرقمية ، أين منها اليوم هذه الثورة التي تضع البشرية كلها في صف واحد ،فلم يعد التقدم محصورا بإنتاج السلعة وتسويقها ، ولم يعد الرأسمال هو الرأسمال المالي ، بل أضحى الرأسمال هو الرأسمال الفكري ، ولم تعد المدن والمناطق المتقدمة هي المدن والمناطق الصناعية ، بل أصبحت المدن المتقدمة هي {مدن المعرفة} ، مدن مراكز الأبحاث والجامعات ،لقد شهد العالم فيما مضى من تاريخه ،أن أمما صغيرة قد استعمرت أمما كبيرة ،فهولاندا كانت قد استعمرت أندونيسيا،وبريطانيا سيطرت على أميركا، وإسبانيا حكمت أجزاء واسعة من أميركا الجنوبية،وكذلك البرتغال، واليابان بقيت ردحا من الزمن تخضع الصين لسيطرتها، واستقوت أوروبا على العرب حتى جزأتهم وسهلت لقلة باغية إغتصاب أرضهم في فلسطين، والغريب الغريب أن هذه الأمم الصغيرة هي أمم فقيرة في نفس الوقت ،لاتملك المواد الخام التي تستخدمها في صناعة وسائل عيشها وتقدمها،فكل الذي امتلكته هو تفكيرها وسعيها فيما فكرت فيه، فالعلوم ليست حكرا ولا هي ملك لأحد ، وقد قال نبينا محمد " عليه الصلاة والسلام " وهو العالم الوحيد فينا حتى اللحظة قال فيما معناه : - «أن الحكمة ضالة المؤمن مَنْ وجدها اكتسبها»والحكمة هي المعرفة ، والمعرفة هي الإحاطة بكل شيء ،ومعرفة كل شيء، وعدم الإقتصار على فرع من فروع المعرفة،فالتفكر بشؤون الكون ،هو دعوة {إيمانية} وما دون ذلك فهو هرطقة ،وسفسطة كلام.
