حقيقة الحب

[b]ليس الحب تلك الكلمة التي طالما تغنى بها الشعراء طويلا في أشعارهم وقصائدهم ،أو هو تلك العلاقة الفانية بين الرجل والمرأة التي تنقضي بانقضاء الحياة القصيرة للإنسان أو ربما تنتهي قبل انتهاء العمر ،بل هو سر الوجود الأكبر ،وحوله تدور حياة البشر ،بل كل الكائنات.
ومن أجل هذه الحقيقة لا يكون الإنسان كائنا حيا ،بل لا يكون كائنا من الأصل بغير الحب الذي هو في الحقيقة أساس الوجود ومبدؤه.
إن الله تعالى لا يحتاج إلى خلقه ،وهو مع ذلك يأمرهم بعبادته والخضوع الذي ما هو إلا تعبير عملي عن محبة العبد لربه ،تلك المحبة التي يحب أن تكون خالصة له سبحانه ،وبغير هذه المحبة الخالصة تتحول العبادة إلى لون من ألوان المشقة التي لا يريدها الله ولا يرضى بها ،بل قد تكون شركا إن اختلطت بمحبة غيره ،وليس أدل على هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم: " رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ،ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر ".
إن أول إحساس يحسه الإنسان في لحظات عمره الأولى ،بل قبل أن يولد هو الحب المتبادل بينه وبين أمه ،والذي هو في الحقيقة سر بقائه واستمرار حياته في الدنيا ،وبدون هذا الإحساس ما كانت الأم لتتحمل آلام الحمل والولادة ومشقة السهر والتربية ،وما كان الأب لينفق كل هذا المال من غير انتظار منفعة تعود عليه من هذا المولود.
أخطأ كثيرا من ظن الحب نزوة عارضة يستطيع أن يحيا بدونها أو يدفع تأثيرها عن نفسه ،أو دنسا يلطخ جبينه بالعار إن وصف به ،وإن كان هذا هكذا لما جعله الله فطرة مركوزة في النفس لا انفكاك عنها ولا خلاص منها وإن حاول الإنسان ذلك ،فهو بهروبه من الحب كهروبه من الروح.
إن ذلك الإحساس السامي الذي هو سر الوجود لا يمكن أبدا أن يكون تلك العلاقة المشبوهة التي تجمع بين أجساد البغايا وزبائن المتعة ،بل لا يقترب هذا من قريب أو بعيد من الحب ،بل الحب هو الذي يحول تلك الرابطة المقدسة بين الزوجين إلى أسمى ما في الوجود الإنساني ،ذلك السمو الذي يتحول إلى أقصى درجات الشهوانية والبهيمية إن انعدم ذلك الإحساس الذي هو أصل الوجود ومبدأ الخليقة.