بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمد لله تعالى نحمده ، ونستعين به ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضِل له ، ومن يضلل فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
أمَّا بعد : فإن خير الكلام كلام الله ، وأحسن الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
وبعد :
فإن لأنواع الإعراب الأربعة علامات أصول ، وفروع ؛ أما الأصول ، فالضمة للرفع ، والفتحة للنصب ، والكسرة للجر ، وحذف الحركة (السكون) للجزم . وما عدا ذلك يكون نائبا عنه ، وهي العلامات الفروع ؛ كما نابت الواو عن الضمة في أخو ، والياء عن الكسرة في بني ، من قوله : جاء أخو بني نمر . وهذه العلامات الفرعية واقعة في سبعة أبواب ؛ أولها : الأسماء الستة ، وستكون موضوع بحثنا هذا .
الأسماء الستة :
* (أب وأخ وحم) ؛ وهن محذوفات اللامات ولامها واو في الأصل ، وفيها لغة أخرى وهي أبا وأخا وحما وهنا مثل عصا ؛ فأما في الإضافة فاللغة الجيدة رد اللام ؛ نحو أبوك وأبو زيد ، وفيه لغة أخرى حذف اللام مع الإضافة نحو أبك وأب زيد () .
* وأما ( فو )؛ فأصله فوه ، فحذفت الهاء اعتباطا ، وأبدِل من الواو ميم ، لأنهم لو أبقوها لتحركت في الإعراب فانقلبت ألفا وحذفت بالتنوين وبقي الاسم المعرب على حرف واحد ، والميم تشبه الواو وتحتمل الحركة فإذا أضفته رددت الواو () .
* وأما( ذو )؛ فمحذوفة اللام ، وهل هي واو أو ياء فيه خلاف ، ومعناها صاحب ، ولا تستعمل إلا مضافة إلى جنس ؛ لأن الغرض منها التوصل إلى الوصف بالأجناس إذ كان يتعذر الوصف بها بدون ذو ؛ ألا ترى أنك لا تقول : زيد مال ولا طول حتى تقول ذو مال وذو طول ، وههنا لم يجز إضافتها إلى المضمر ، لأنه ليس بجنس ، وما جاء من ذلك فشاذ أو من كلام المحدَثين .
وإنما عدلوا عن صاحب إلى (ذو) وإن كانت بمعناها، لأن صاحبا تضاف إلى الجنس والعلم وغير ذلك ، فخصَّصوا ذو بالإضافة إلى الجنس لما ذكرناه () .
* و(الهن)؛ قيل: اسم يُكنى به عن أسماء الأجناس كرجل وفرس وغير ذلك ، وقيل: عما يُستقبح التَّصريح به، وقيل: عن الفرج خاصة () .
الاختلاف في إعراب الأسماء الستة :
* اختلف أئمة النحو في هذه الأسماء ، من حيث عددُها وإعرابُها ؛ فمنهم من عدَّها خمسة ومنهم من عدَّها ستة ، ومنهم من أعربها بالحروف ، ومنهم من أعربها بالحركات ، ومنهم من جمع بينهما ، وسلك آخرون مسالك أُخر . وفيما يلي عرض لأهم المذاهب في ذلك :
1/فذهب الفراء وجمهور الكوفيين إلى أن هذه الأسماء معربة بالحركات والحروف، فالضمة والواو علامة للرفع، والفتحة والألف علامة للنصب، والكسرة والياء علامة للجر. ودليلهم على كونها معربة بالحركات أمران : أحدهما : أنها تعرب بها في حال الإفراد إجماعا ، فوجب أن تكون كذلك في حال الإضافة () . والآخر : تغير حرف العلة وآخر ما قبله في حال الرفع والنصب والجر . وقال بعضهم : إنما أُعربت هذه الأسماء الستة من مكانين، لقلة حروفها تكثيرا لها، وليزيدوا بالإعراب في الإيضاح والبيان؛ فوجب أن تكون معربة من مكانين على ما ذهبنا إليه () .
أحدها : أن الإعراب دخل الكلام ليفصل بين المعاني وذلك يحصل بإعراب واحد فلا حاجة إلى آخر .
والثاني : ما ذهب إليه لا نظير له ولا يصح قياسه على امرئ و ابنم لأن الحركات هنا تابعة لحروف العلة وهذا يثبت الحركة في الوقف مع أن الإعراب يحذف في الوقف .
والثالث : أن فـوك و ذو مال حرفان ، ويؤدي قوله إلى أن يكون الإعراب في جميع الكلمة () .
* والجواب عما ذكروه : أن الحركة إنما تكون في حال الإفراد والإضافة واحدة إذا كان حرف الإعراب فيهما واحدا ؛ نحو : هذا غلام وهذا غلامك ، أما هنا فالأمر مختلف ؛ فأبٌ مثلا أصله أبُوٌ ، استثقلوا الإعراب على الواو، فأوقعوه على الباء، وأسقطوا الواو ، فقالوا : هذا أب لك، ورأيت أبا لك، ومررت بأب لك، وما أشبه ذلك . فكانت الضمة علامة للرفع، والفتحة علامة للنصب، والكسرة علامة للجر . أما في حال الإضافة فحرف الإعراب هو حرف العلة، لأنهم لما أرادوا أن يجعلوا اختلاف الحروف بمنزلة اختلاف الحركات ردوا اللام في الإضافة، ليدلوا على أن من شأنهم الإعراب بالحروف توطئة لما يأتي من باب التثنية والجمع .
وإذا كان حرف الإعراب هو حرف العلة، لم تكن هذه الحركات على الباء في حال الإضافة حركات إعراب، لأن حركات الإعراب لا تكون في حشو الكلمة، وصار هذا بمنزلة تاء التأنيث إذا اتصلت ببناء الإسم نحو قائم وقائمة فإنها تصير حرف الإعراب لأنها صارت آخر الكلمة، وتخرج ما قبلها عن تلك الصفة لأنه قد صار بمنزلة حشو الكلمة، فكذلك هاهنا، وبل أولى فإن تاء التأنيث زائدة على بناء الاسم وليست أصلية، وحرف العلة هاهنا أصلي في بناء الاسم وليس زائدا، وإذا تُرك ما قبل الزائد حشوا فلأن يترك ما قبل الأصلي حشوا، كان ذلك من طريق الأولى () .
وأما قولهم: تغير الحركات على الباء في حال الرفع والنصب والجر يدل على أنها حركات إعراب، فليس كذلك، لأنها إنما تغيرت توطئة للحروف التي بعدها لأنها من جنسها، كما قلنا في الجمع السالم؛ نحو : مسلمون ومسلمين، فإن ضمة الميم في الرفع تتغير الى الكسرة في حال الجر والنصب وليس ذلك بإعراب، وإنما جعلت الضمة توطئة للواو، والكسرة توطئة للياء، فكذلك هاهنا. وإذا بطل أن تكون هذه الحركات حركات إعراب، وأجمعنا على أن هذه الحروف التي هي الواو والألف والياء تدل على الرفع والنصب والجر الذي هو جملة الإعراب، فلا حاجة إلى أن يكون معربا من مكان آخر () .
وأما قولهم : إنما أعربت من مكانين لقلة حروفها، قلنا : هذا ينتقض بغد ويد ودم، فإنها قليلة الحروف ولا تعرب في حال الإضافة إلا من مكان واحد .
وأما قولهم: ليزيدوا بالإعراب في الإيضاح والبيان، فهذان قد حصلا بإعراب واحد، فصار الإعراب الزائد لغير فائدة، والحكيم لا يزيد شيئا لغير فائدة فوجب أن تكون معربة من مكان واحد كسائر ما أعرب من الكلام () .
2/ وذهب البصريون والأخفش في أحد القولين إلى أنها معربة من مكان واحد ، والواو والألف والياء هي حروف الإعراب، فترفع بالواو نيابة عن الضمة، وتنصب بالألف نيابة عن الفتحة، وتجر بالياء نيابة عن الكسرة ؛ تقول : جاءني أبوه، ورأيت أباه، ومررت بأبيه ، وكذلك القول في الباقي () .
واحتجوا بأن الإعراب إنما دخل الكلام في الأصل لمعنى، وهو الفصل وإزالة اللبس والفرق بين المعاني المختلفة بعضها من بعض من الفاعلية والمفعولية إلى غير ذلك، وهذا المعنى يحصل بإعراب واحد، فلا حاجة إلى أن يجمعوا بين إعرابين، لأن أحد الإعرابين يقوم مقام الآخر، فلا حاجة إلى أن يجمع بينهما في كلمة واحدة .
ألا ترى أنهم لا يجمعون بين علامتي تأنيث في كلمة واحدة نحو: مسلمات وصالحات، وإن كان الأصل فيه مسلمتات وصالحتات؛ لأن كل واحدة من التاءين تدل على ما تدل عليه الأخرى من التأنيث وتقوم مقامها، فلم يجمعوا بينهما فكذلك ها هنا () .
3/وذهب سيبويه إلى أن حروف العلة فيها حروف إعراب، والإعراب مقدر فيها. واختلف أصحابه في الحركات التي قبلها () .
4/ وذهب أبو عثمان المازني إلى أن الباء حرف الإعراب ، وأن الحركات التي تلحقها باختلاف العوامل الداخلة على الكلمة حركات إعراب ، وإنما أشبعت فنشأت عنها هذه الحروف التي هي الواو والألف والياء، فالواو عن إشباع الضمة، والألف عن إشباع الفتحة، والياء عن إشباع الكسرة . وقد جاء ذلك كثيرا في استعمالهم . قال الشاعر في إشباع الضمة :
وأَنَّنِـي حَيثُمَـا يُـثـنِـي الـهَـوَى بَصرِي مِن حَـيـثُـمـا سَـلَـكُـوا أَدنُـو فـأنظُور
أراد فأنظر ، فأشبع الضم فنشأت الواو .
وقال آخر في إشباع الفتحة :
أَقــولُ إذ خَـرَّت على الـكَـلـكَـــالِ يَـا نـاقـتًـا مـا جُـلـت من مَـجَــــالِ
أراد الكلكل ، فأشبع الفتحة فنشأت الألف .
وقال ثالث في إشباع الكسرة :
تَـنـفِـي يَـداهَـا الـحَصَى في كُلّ هاجِرة نَـفـيَ الـدَّراهِـيـم تَـنـقـادُ الصَّيـاريـفَ
أراد الدراهم والصيارف ، فأشبع الكسرة فنشأت الياء () .
وقد يُحكى عن بعض العرب أنهم يقولون : هذا أبُك ورأيت أبَك ومررت بأبك من غير واو ولا ألف ولا ياء، كما يقولون في حالة الإفراد من غير إضافة ، وقد يحكى أيضا عن بعض العرب أنهم يقولون : هذا أباك ورأيت أباك ومررت بأباك بالألف في حالة الرفع والنصب والجر، فيجعلونه اسما مقصورا ؛ قال الشاعر :
إن أبـــــاهـــا وأبــــا أبــاهـــا قــد بــــلـغـا فـي الـمجـد غايتاها ()
* ورُدَّ هذا القول من ثلاثة أوجه :
أحدها : أن إشباع الحركات إنما يكون في ضرورة الشعر كما أنشدوه من الأبيات، وأما في حال اختيار الكلام فلا يجوز ذلك بالإجماع. وهاهنا بالإجماع تقول في حال الإختيار : هذا أبوك ورأيت أباك ومررت بأبيك وكذلك سائرها، فدل على أنها ليست للإشباع عن الحركات، وأن الحركات ليست للإعراب () .
والثاني : أن ما حدث للإشباع يسوغ حذفه ، وحذف هذه الحروف غير جائز في اللغة العالية .
والثالث : أن يفضي إلى أن يكون فوك وذو مال اسما معربا على حرف واحد () .
** ومما تقدَّم يظهر أن أقوى المذاهب مذهب البصريين ، ومذهب سيبويه ، والأول هو المعتمد عند أكثر النحاة . وانتصر له ابن الأنباري ()، وأبو الفتح ابن جني يقول : «واعلم : أن في الأسماء الآحاد ستة أسماء تكون في الرفع بالواو وفي النصب بالألف وفي الجر بالياء؛ وهي : أبوك وأخوك وحموك وهنوك وفوك وذو مال، تقول في الرفع: هذا أبوك وأخوك وحموك وهنوك وفوك وذو مال، وفي النصب: رأيت أباك وأخاك وحماك وهناك وفاك وذا مال، وفي الجر مررت بأبيك وأخيك وهنيك وحميك وفيك وذي مال. والواو حرف الإعراب وهي علامة الرفع، والألف حرف الإعراب وهي علامة النصب، والياء حرف الإعراب وهي علامة الجر» () .
وهو أيضا مذهب الزمخشري ()، والمعتمد عند ابن هشام في كتبه ()، وابن مالك في «ألفيته» ، قال ابن عقيل : «والمشهور أنها معربة بالحروف ؛ فالواو نائبة عن الضمة، والألف نائبة عن الفتحة، والياء نائبة عن الكسرة، وهذا هو الذي أشار إليه المصنف بقوله وارفع بواو إلى آخر البيت» () . وقال ابن منظور : «فهذه الستة الأسماء لا تكون موحدة إلا مضافة، وإعرابها في الواو والياء والألف ، لأن الواو فيها وإن كانت من نفس الكلمة ففيها دليل على الرفع، وفي الياء دليل على الخفض، وفي الألف دليل على النصب» () .
وذكر العكبري لإعراب هذه الأسماء بالحروف عللا ؛ أهمها :
أولا : أنها مفردة تحتاج في قياس التثنية والجمع إليها ، إذ كانت التثنية والجمع معربة بالحروف ضرورة وهي فروع ، والأسماء المفردة أصول ، فجعلوا ضربا من المفردات معربا بالحروف ليؤنس ذلك بالتثنية والجمع، وإنما اختاروا من المفردات هذه الأسماء، لأنها تلزمها الإضافة في المعنى إذ لا أب إلا وله ابن ، وكذلك باقيها ، ولزوم الإضافة لها يشبهها بالتثنية ، إذ كان كل واحد منهما أكثر من اسم واحد .
وثانيا : أن هذه الحروف مزيدة في آخر الاسم ، فكانت حروف إعراب كتاء التأنيث وألفه وحرف النسب () .
وثالثا : أن هذه الأسماء معربة والأصل في كل معرب أن يكون له حرف إعراب لأن الإعراب كالعرض المحتاج إلى محل والحرف محله () .
وأما مذهب سيبويه ، فلم يعدم ناصرا من المتأخرين ؛ فقال ابن عقيل : «والصحيح أنها معربة بحركات مقدرة على الواو والألف والياء ؛ فالرفع بضمة مقدرة على الواو، والنصب بفتحة مقدرة على الألف، والجر بكسرة مقدرة على الياء. فعلى هذا المذهب الصحيح لم يَنُب شيء عن شيء مما سبق ذكره» () . وقال أبو البقاء العكبري : «ومذهب سيبويه أقوى لخروجه على القياس وموافقته للأصول» () ، واستدل له بأربعة أوجه :
أحدها : أن الأصل في كل معرب أن يكون له حرف إعراب ، وأن يعرب بالحركة لا بالحرف ، وقد أمكن ذلك هنا إلا أن الحركة امتنع ظهورها لثقلها علىحروف العلة كما كان ذلك في المنقوص والمقصور .
والثاني : أن هذه الأسماء معربة في الإفراد - على ما ذكرنا -، فكانت في الإضافة كذلك كغيرها من الأسماء .
والثالث : أن هذه الحروف لو كانت إعرابا لما اختلت الكلمة بحذفها، كما لا تختل الكلمة الصحيحة بحذف الإعراب .
والرابع : أن هذه الأسماء لو خرجت على أصلها من قلبها ألفات، لكانت حروف إعراب والحركة مقدرة فيها، فكذلك لما ردت في الإضافة () .
والمذهبان - كما هو ظاهر - متقاربان في القوة ، إلا أن المتأخرين أطبقوا على ما رآه البصريون ، بل قد قال الحريري () :
وسـتــة تـرفـعـهــا بـالـــــواو فـي قــول كـل عـالـــم وراوي
شروط إعراب الأسماء بالحروف :
** ذكر النحويون لإعراب هذه الأسماء بالحروف شروطا أربعة :
أحدها : أن تكون مضافة ، واحترز بذلك من ألا تضاف ، فإنها حينئذ تعرب بالحركات الظاهرة ؛ نحو : هذا أب ، ورأيت أبا ، ومررت بأب .
الثاني : أن تضاف إلى غير ياء المتكلم ؛ كقوله تعالى (وأبونا شيخ كبير) وقوله تعالى (إن أبانا لفي ضلال مبين) وقوله تعالى (ارجعوا إلى أبيكم) ، فوقع الأب في الآية الأولى مرفوعا بالابتداء، وفي الآية الثانية منصوبا بإن، وفي الآية الثالثة مخفوضا بإلى . ولو أضيفت هذه الأسماء إلى ياء المتكلم ، كُسرت أواخرها لمناسبة الياء ، وكان إعرابها بحركات مقدرة قبل الياء ؛ تقول : هذا أبي، ورأيت أبي، ومررت بأبي؛ فتقدر حركات الإعراب قبل ياء المتكلم كما تفعل ذلك في نحو غلامي () . و ذو ملازمة للإضافة لغير الياء، فلا حاجة إلى اشتراط الإضافة فيها.
الثالث : أن تكون مكبرة ، واحترز بذلك من أن تكون مصغرة ؛ فإنها حينئذ تعرب بالحركات الظاهرة ؛ نحو : هذا أُبي زيد وذُوَي مال ، ورأيت أبي زيد وذوي مال ، ومررت بأبي زيد وذوي مال .
الرابع : أن تكون مفردة ؛ فلو كانت مثناة أعربت بالألف رفعا وبالياء جرا ونصبا ، كما تعرب كل تثنية ، تقول : جاءني أبوان و رأيت أبوين و مررت بابوين . وإن كانت مجموعة جمع تكسير ، أعربت بالحركات على الأصل ؛ كقولك : جاءني آباؤك ورأيت آباءك ومررت بآبائك ، وإن كانت مجموعة جمع تصحيح ، أعربت بالواو رفعا وبالياء جرا وبالياء جرا ونصبا ؛ تقول: جاءني أبون و رأيت أبين و مررت بأبين . ولم يجمع منها هذا الجمع إلا الأب والأخ والحم () .
** والشروط المذكورة تشترك فيها الأسماء الستة ، وتختص ذو بكونها غير طائية ، لأنها عند سائر العرب بمعنى صاحب ، وعند طيء بمعنى الذي . وبالأول جاء القرآن قال الله تعالى (وإن ربك لذو مغفرة) وقال تعالى (أن كان ذا مال) وقال تعالى (إلى ظل ذي ثلاث شعب) ، فوقع ذو في الأول خبرا لإن فرفع بالواو، وفي الثاني خبرا لكان فنصب بالألف، وفي الثالث صفة لظل فجر بالياء لأن الصفة تتبع الموصوف () . قال ابن هشام : وإذا كانت ذو موصولة لزمتها الواو ، وقد تُعرب بالحروف كقوله :
.............................. ... فحسبي من ذي عندهم ما كفانيا ()
وإذا لم تفارق الميم الفم أعرب بالحركات ، فأما قوله :
.............................. . خالط من سلمى خياشيم وفا
فشاذ أو الإضافة منوية ، أي : خياشيمها وفاها () .
الأسماء الأربعة بين النقص والإتمام :
* إذا استعمل الهن مضافا؛ فجمهور العرب يجرونه مجرى غير المضاف فيعربونه بالحركات؛ فيقولون : جاء هنك ورأيت هنك ومررت بهنك، كما يفعلون في غدك، ومنه الحديث : «من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا» () ، وبعضهم يجريه مجرى أب وأخ، فيعربه بالحروف الثلاثة؛ فيقول هذا هنوك ورأيت هناك ومررت بهنيك، وهي لغة قليلة ذكرها سيبويه، ولم يطلع عليها الفراء ولا الزجاجي، فأسقطاه من عِدَّة هذه الأسماء وعَدَّاها خمسة () .
قال ابن هشام : «واعلم أن لغة النقص مع كونها أكثر استعمالا هي أفصح قياسا؛ وذلك لأن ما كان ناقصا في الإفراد، فحقه أن يبقى على نقصه في الإضافة، وذلك نحو يد أصلها يدي فحذفوا لامها في الإفراد وهي الياء، وجعلوا الإعراب على ما قبلها، فقالوا: هذه يد، ثم لما أضافوها أبقوها محذوفة اللام قال الله تعالى (يد الله فوق أيديهم) وقال الله تعالى (لئن بسطت إلي يدك لتقتلني) وقال تعالى (وخذ بيدك ضغثا)» () .
* الأب والأخ والحم بخلاف الهن من جهة أنها إذا أفردت نقصت أواخرها وصارت على حرفين، وإذا أضيفت تمت فصارت على ثلاثة أحرف؛ تقول هذا أب بحذف اللام، وأصله أبو، فإذا أضفته قلت : هذا أبوك، وكذا الباقي () . وهذه هي اللغة المشهورة ، وثمة أخريان غيرها ؛ إحداهما : النقص ، وهو حذف الواو والألف والياء ، والإعراب بالحركات الظاهرة على الباء والخاء والميم ؛ نحو : هذا أبه وأخه وحمها ، ورأيت أبه وأخه وحمها ، ومررت بأبه وأخه وحمها . وهذه اللغة نادرة . ومنها قوله :
إن أبـــــاهـــا وأبــــا أبــاهـــا .............................. .................... ()
واللغة الأخرى : أن يكون بالألف رفعا ونصبا وجرا ؛ نحو : هذا أباه وأخاه وحماها ، ورأيت أباه وأخاه وحماها ، ومررت بأباه وأخاه وحماها . فعلامة الرفع والنصب والجر حركة مقدرة على الألف ، كما تقدر في المقصور ، وهذه اللغة أشهر من التي قبلها () . ومنها المثل السائر : مكره أخاك لا بطل ، وقول الشاعر :
بـأبـه اقـتـدى عدي فـي الـكــرم ومـن يـشـابـه أبــه فـمـا ظـلــم ()
مجمل القول :
أولا : الأسماء المعتلة المضافة التي تعرب بالحروف ستة لا خمسة ؛ وهي : أب وأخ وحم وهن وفوه وذو مال .
ثانيا : هذه الأسماء ترفع بالواو ، نحو : جاء أبو زيد ، وتنصب بالألف ، نحو : رأيت أباه ، وتجر بالياء ، نحو : مررت بأبيه . والمشهور أنها معربة بالحروف ؛ فالواو نائبة عن الضمة ، والألف نائبة عن الفتحة ، والياء نائبة عن الكسرة .
ثالثا : يشترط لإعرابها بالحروف أربعة شرائط تشترك فيها جميعا ؛ وهي الإضافة ، وأن تكون لغير ياء المتكلم ، وأن تكون مفردة، وأن تكون مكبرة . ويشترط في إعراب الفم بهذه الأحرف زوال الميم منه ، ويشترط في (ذو) أن تكون بمعنى صاحب .
رابعا : الأفصح في الهن إذا أضيف النقص ، أي حذف اللام ، وإعرابه بالحركات كسائر أخواته ، وبعض العرب يجريه مجرى أب وأخ ، فيعربه بالحروف الثلاثة ، وهي لغة قليلة ، لذلك أسقطه الزجاج وغيره من عِدَّة هذه الأسماء .
خامسا : في الأب والأخ والحم ثلاث لغات ؛ القصر ، وتعرب حينها بالألف رفعا ونصبا وجرا؛ والنقص، وهو حذف الواو والألف والياء، ويكون الإعراب بالحركات الظاهرة على الباء والخاء والميم . وهذه اللغة نادرة ، والمشهورة هذه الأخيرة، وهي : أن تعرب بالحروف النائبة عن الحركات .
وقد أجمل العلامة ابن مالك ما لخَّصناه في أبيات ؛ فقال - رحمه الله - :
وَارفَـــع بــــواوٍ وانصِبَـنَّ بالألِف
واجرُر بــــيـاءٍ ما مِن الأسَما أَصف
مِـن ذاكَ ذو إن صُـحـبـةً أبـانـــا
والفَــم حيثُ المـيم مِـنـه بـانـــا
أبٌ أخٌ حَــمٌ كـــــذاك وَهَــنُ
والنَّـقــــصُ في هذا الأخيـر أحسَنُ
وفـي أب وتَـالِـيَـيـهِ يـــنــــدُرُ
وقَـصرُهـا مـن نَقصِهِـنَّ أشهَـــرُ
وشَرطُ ذا الإعـرَاب أن يُضَفـنَ لا
لِليَـا كَجَـا أخـو أبيـك ذا اعتِـلا