أ- التصريع لغة:
يقول ابن القطَّاع: واشتقاق التَّصريع مِن مصراعي الباب؛ ولذلك قيل لنِصف البيت مِصراع، كأنَّه باب القصيدة ومدخلها، وقيل: بل هو مِن الصرعين، وهما طرَف النهار، قال الزجَّاج: الأوَّل منهما من طلوع الشمس إلى استواء النهار، والآخر مِن زوال الشمس من كبد السماء إلى مغيبها"[2]، ويُضيف: "وقال قوم: مِن الصرع الذي هو الحبْل"[3].
اصطلاحًا: ما كانتِ العَروض في البيت تابعةً لضربه وزنًا وزيادةً ونقصًا، تَزيد بزيادته، وتنقص بنقصه.
• الوزن: نحو:
أَقُولُ لَهَا وَقَدْ طَارَتْ شَعَاعًا مِنَ الأَبْطَالِ وَيْحَكِ لَنْ تُرَاعَي
فالعَروض تبعت الضرْب في الوزن حيث جاءتْ على "فعولن" مثله.
• الزيادة نحو قول امرئ القيس:
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَعِرْفَانِ رُسُومًا عَفَتْ آيَاتُهَا مُنْذُ أَزْمَانِ
حيث جاءت عَروض هذا البيت فقط على "مفاعيلن"، بينما بقية عَروض القصيدة على "مفاعلن"؛ وذلك لمجيء الضرْب على "مفاعيلن" للتصريع.
• النقص: نحو قول الشاعر:
لَمَنْ طَلَلٌ أَبْصَرْتُهُ فَشَجَانِي كَخَطِّ زَبُورٍ فِي عَسِيبِ يَمَانِي
الضرب "يماني" على فعولن، والعَروض أيضًا "شجاني" على فعولن، حيث جاءتِ العَروض ناقصة بدلاً مِن "مفاعلن" للتصريع، والقصيدة كلها عروضها "مفاعلن".
ب- التقفية:
لغة واصطلاحًا:
التقفية، هي أن يتساوَى الجزءان من غير نقْص ولا زيادة "حيث" لا تتبع العَروض الضرب في شيء، إلا في السجع خاصَّة.
بمعنى أنَّك تجد الضَّرْب والعَروض في سائر القصيدة على وزن واحِد كالبيت الأول المصرَّع، ولا خلاف في أيِّ جزء من أجزائها ولا يجمع بين الضرب والعَروض في أول بيت إلاَّ التقفية نحو قول امرئ القيس:
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلٍ بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ
وهذا البيت من الطويل:
والضرب "حوملي" على "مفاعلن"، والعَروض "منـزلي" على مفاعلن أيضًا، وسائر القصيدة ضروبها وعروضها على "مفاعلن" حيث من أبياتها قوله:
مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ مَعًا كَجُلْمُودِ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيْلِ مِنْ عَلِ
فالضرب فيه "من علِي" على "مفاعلن"، والعَروض "برن معن" على "مفاعلن" أيضًا.
ومثله قول النابغة:
مِنْ آلِ مَيَّةَ رَائِحٌ أَوْ مُغْتَدِي عَجْلاَنَ ذَا زَادٍ وَغَيْرَ مُزَوَّدِ
فهذا البيت من بحر الكامل ضربه "رمزوودي" على "متفاعلن"، وعَروضه أو مغتدِي على متفاعلن - أيضًا - وسائر القصيدة ضَرْبها وعَروضها هكذا.
وسبب التصريع "مسايرة" الشاعِر للقافية "ليعلم مِن أوَّل وهْلة أنَّه - أي الشاعِر - أخذ في كلام موزون؛ لذلك وقَع في أوَّل الشِّعر - القصيدة.
يقول ابن القطاع: "وقيل ليعلم في أيِّ ضرْب يصنع فيه"[4].
وقد يصرِّع الشَّاعِر في غير أوَّل القصيدة، وخصوصًا في القصائد الطوال، التي تحتوي على موضوعات متعدِّدة، حيث يصرِّع عند بداية كل موضوع، تنبيهًا على انتقاله مِن موضوع إلى آخَر.
يقول ابن القطاع: "ربما صرَّع الشاعر في غير الابتداء؛ وذلك إذا خرَج من قصة إلى قصة، ومِن وصْف شيءٍ إلى وصف شيءٍ آخَر، فيأتي حينئذٍ بالتصريع، إخبارًا بذلك وتنبيهًا عليه"[5].
ولقدِ اهتمَّ الشُّعراء العرب بالتصريع، واحتفلوا به كثيرًا، حتى إنَّك تجد الشاعر منهم قد يصرِّع في غير موضع تصريع، وهو دليلٌ على قوَّة الطبع، ووفرة المادَّة، إلا أنَّه إذا كثر في قصيدة دلَّ على التكلف، وكان ممقوتًا، إلا في المتقدمين[6].
وهناك مِن الشعراء مَن لا يهتمُّ بالتصريع في أوَّل القصيدة، لقلَّة اكتراثه به، أو اهتمامه بذلك، ثم تَراه يرِد عنده التصريع بعد ذلك داخل القصيدة.
إلا أنَّ العرَب - كما يقول ابن القطَّاع - جعلوا التصريعَ في مهمَّات القصائد وما يتأهَّبون له من الشِّعر، فدلَّ ذلك على فضْل التصريع - ولذلك قال أبو تمام:
وَنَقْفُوا إِلَى الجَدْوَى بِجَدْوَى وَإِنَّمَا يَرُوقُكَ بَيْتُ الشِّعْرِ حَيْثُ يُصَرَّعُ
واعلم أنَّ التصريع يقَع فيه مِن الإقواء والإكفاء، والإيطاء والسناد، والتضمين والإجارة - وكل عيوب الشِّعر - ما يقَع في القافية.
جـ- التجميع:
يقصِد بالتجميع، أن يكون الشطرُ الأوَّل مِن البيت الأول متهيئًا للتصريع بقافية، فيأتي تمام البيت في الشطر الثاني بقافية مصروفة على حرْف رويٍّ آخَر، كأنْ يَنتهي الشطر الأوَّل بكلمة "ناصح"، ويَنتهي الشطر الثاني بكلمة (واصل) حيث صرف الشاعر "الحاء" إلى اللام.
وقدْ أشار ابن القطَّاع الصقلي، إلى أنَّ حميد بن ثور - الشاعر- قد وقَع التجميع في شِعره، في نحو قوله:[7]
سَلِ الرَّبْعَ أَنَّى يَمَّمَتْ أُمُّ سَالِمٍ وَهَلْ عَادَةٌ لِلرَّبْعِ أَنْ يَتَكَلَّمَا
فهيأت له قافية مؤسّسة، ثم أتى بتمام البيت غير مؤسّس.
يقول ابن القطاع: "ومِن أشدِّ التجميع قول النابغة:
"جَزَى اللَّهُ عَبْسًا عَبْسَ آلِ بَغِيضٍ جَزَاءَ الكِلاَبِ العَاوِيَاتِ وَقَدْ فَعَلْ"
واعلم أنَّ الشاعر الذي يَبني قصيدة غير مصرَّعة، كان كالقافز إلى داخل البيت مِن أعلى سُورِه، ولم يدخلْ من بابه.
يقول ابن القطَّاع: "وإذا لم يصرِّع الشاعر قصيدتَه كان كالمتسوِّر، الداخِل مِن غير باب، ويُسمَّى الواثِب"[8].
د- التدوير:
التدوير في الشِّعر، ما كان شطرُه الأوَّل متصلاً بشطره الثاني، دون فاصِل ظاهِر، غير منفصِل عنه، وهو عندَ ابن القطَّاع يُسمَّى "المداخل"، ويُسمَّى أيضًا "المدمج" كما شاع عنه بين أهلِ الصناعة أنَّه "المدور"، ويرمز له في وسطِ البيت بالحرْف "م"، وأكثر ما يقَع التدوير أوالتداخُل أو الدمْج، يقَع في عَروض بحر الخفيف.
يقول ابن القطَّاع: "وهو حيثما وقَع مِن الأعاريض دليل على القوَّة، إلا أنَّه في غير الخفيف، مستثقل عندَ المطبوعين، وقد يستحسنونه في الأعاريض القِصار، كالهزج ومجزوء الرَّمل".