أولاً: تعريفه:
في اللغة: من الفعل اشترك يشترك، والمصدر اشتراك، والمشترك اسم المفعول.
وفي الاصطلاح: عرف بعدة تعريفات قريبة من بعض:
أ - عرفه الجرجاني - رحمه الله - بقوله: "المشترك ما وضع لمعنى كثير بوضع كثير".
ب - وقال عنه ابن فارس - رحمه الله -: "تسمى الأشياء الكثيرة بالاسم الواحد نحو: (عين الماء) و (عين المال) و (عين السحاب)" .
ج - وعرفه ابن تيمية - رحمه الله - بقوله: "أن يكون اللفظ دالاً على معنيين من غير أن يدل على معنى مشترك بينهم".
د - وقال السيوطي- رحمه الله -: "وقد حدَّه أهل الأصول بأنه اللفظ الواحد الدال على معنيين مختلفين فأكثر دلالة على السواء عند أهل تلك اللغة".
هـ - ويمكن أن يعرف بتعريف مختصر فيقال: هو ما اتحد لفظه، واختلف معناه.
ثانياً: الخلاف في وقوعه:
اختلف الناس في اللفظ المشترك، هل له وجود في اللغة؟ فأثبته قوم، ونفاه آخرون.
ولكل منهم أدلته.
وقد نقل هذا الاختلاف جمع من "أهل العلم، منهم شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - حيث قال: بعد أن ذكر حد المشترك: "فمن الناس من ينازع في وجود معنى هذا في اللغة الواحدة التي تستند إلى وضع واحد، ويقول: إنما يقع هذا في وضعين كما يسمى هذا ابنه باسم، ويسمي آخر ابنه بذلك الاسم".
ونصه هذا يوحي بأنه قائل بوقوع المشترك، وهذا ما يؤكده قوله في موضع آخر: أن "الأسماء المتفقة اللفظ قد يكون معناها متبايناً وهي المشتركة اشتراكاً لفظياً، كلفظ سهيل المقول على الكوكب وعلى الرجل".
وقال السيوطي - رحمه الله -: "واختلف الناس فيه؛ فالأكثرون على أنه ممكن الوقوع؛ لجواز أن يقع إما من واضِعَيْن؛ بأن يضع أحدهما لفظاً لمعنىً، ثم يضعه الآخر لمعنىً آخر، ويشتهر ذلك اللفظ بين الطائفتين في إفادته المعنيين، وهذا على أن اللغات غير توقيفية.
وإما من واضع واحد؛ لغرض الإبهام على السامع؛ حيث يكون التصريح سبباً للمفسدة، كما روي عن أبي بكر - رضي الله عنه - وقد سأله رجل عن النبي " وقت ذهابهما إلى الغار: من هذا؟ قال: هذا رجل يهديني السبيل.
والأكثرون - أيضاً - على أنه واقع لنقل أهل اللغة ذلك في كثير من الألفاظ.
ومن الناس من أوجب وقوعه - قال: لأن المعاني غير متناهيةٍ والألفاظ متناهية، فإذا وزع لزم الاشتراك.
وذهب بعضهم إلى أن الاشتراك أغلب قال: لأن الحروف بأسرها مشتركة بشهادة النحاة، والأفعال الماضية مشتركة بين الخبر والدعاء، والمضارع كذلك، وهو - أيضاً - مشترك بين الحال والمستقبل، والأسماء كثير فيها الاشتراك؛ فإذا ضممناها إلى قسمي الحروف والأفعال كان الاشتراك أغلب.
ورد بأن أغلب الألفاظ الأسماء، والاشتراك فيها قليل بالاستقراء، ولا خلاف أن الاشتراك على خلاف الأصل".
والمتأمل للخلاف في المشترك يجد أنه ما كان ينبغي أن يتوسع فيه، ويشقق القول؛ لأنهم جميعاً متفقون على وجود ألفاظ في اللغة قد استعملتها العرب في الدلالة على معان مختلفة، وبغض النظر عن كيفية وجودها مثل لفظ (العين) فهي بلفظها قد استعملت لمعان كثيرة، وكذلك غيرها من الألفاظ التي سيأتي ذكر لبعضها.
وهذا الاستعمال كافٍ في إثبات المشترك؛ لذلك فإن الذي عليه أكثر المتقدمين من اللغويين - هو القول بالاشتراك.
أما نقل الكلام إلى الحديث عن النشأة الأولى لمشترك، وهل يكون أصلاً في الوضع أو لا؟ وما يترتب على ذلك من أن المخاطبة باللفظ المشترك لا تفيد فهم المقصود على التمام وما كان كذلك يكون منشأً للمفاسد فهو خروج من الواقع اللغوي، وخوض في مسألة نشأة اللغة التي لم يتوصل فيها إلى رأي علمي قاطع.
ثالثاً: أمثلة من المشترك:
أورد السيوطي - رحمه الله - في المزهر أمثلة كثيرة من المشترك، ومنها:
1- العم: أخو الأب، والعم: الجمع الكثير، قال الراجز:
يا عامر بن مالك يا عمَّا * أفنيت عماً وجبرت عمَّا
فالعم الأول: أراد به عماه، والعم الثاني: أراد أفنيت قوماً، وجبرت آخرين.
2- النوى: يطلق على الدار، والنية، والبعد.
3- الأرض: وتطلق على الأرض المعروفة، وعلى كل ما سفل، وعلى أسفل قوائم الدابة، وعلى النّفضة والرِّعدة، وغيرها.
4- الهلال: هلال السماء، وهلال الصيد، وهلال النعل وهو الذؤابة، والهلال: الحية إذا سلخت، والهلال: باقي الماء في الحوض، والهلال: الجمل الذي أكثر الضِّراب حتى هزل.
5- العين: وتطلق على معان كثير جداً، تكاد تكون أكثر ما في هذا الباب؛ فتطلق على: النقد من الدراهم والدنانير، وعلى مطر أيام لا يقلع يقال: أصاب أرض بني فلان عين، وعلى عين الماء، وعين البركة، والعين التي تصيب الإنسان، وعلى فم القربة، وعلى عين الشمس، وعلى الجاسوس، وعلى الباصرة.
6- الخال: يطلق على أخي الأم، والمكان الخالي، والعصر الماضي، والدابة، والخيلاء، والشامة في الوجه، والسحاب، والظن والتوهم، والرجل المتكبر، والرجل الجواد.
رابعاً: لطائف من المشترك:
هناك أبيات من الشعر تضمنت ألفاظاً من المشترك.
قال السيوطي: "قال أبو الطيب اللغوي: أخبرني محمد بن يحيى، قال: أنشدني أبو الفضل جعفر بن سليمان النوفلي عن الحِرْمازي للخليل ثلاثة أبيات على قافية واحدة يستوي لفظها، ويختلف معناها:
يا ويحَ قلبي من دواعي الهوى * إذ رَحل الجيرانُ عند iiالغُروبْ
أتبعتُهم طَرْفي وقد iiأزمعوا * ودمعُ عينيَّ كفيض iiالغُروبْ
كانوا وفيهم طَفْلَةٌ iiحرَّة * تفترُّ عن مثل أقاحي iiالغُروبْ
فالغروب الأول غروب الشمس، والثاني جمع غَرْب: وهو الدَّلْو العظيمة المملوءة، والثالث جمع غرب: وهي الوِهَاد المنخفضة.
وأنشد سلامة الأنباري في شرح المقامات:
لقد رأيت هذرياً iiجَلْسا * يقود من بطن قديد جَلْسا
ثم رقى من بعد ذاك iiجَلْسا * يشرب فيه لبناً iiوجَلْسا
مع رفقةٍ لا يشربون جَلْسا * ولا يؤمون لهم iiجَلْسا
جلس الأول: رجل طويل، والثاني: جبل عالٍ، والثالث: جبل، والرابع: عسل، والخامس: خمر، والسادس: نجد".
ومن لطائف المشترك أنه داخل عند البلاغيين في علم البديع في باب الجناس التام، كما في الأبيات السابقة، وهو داخل - كذلك - في باب التورية.
خامساً: العلاقة بين المشترك والمتواطئ:
مر الحديث عن المشترك، وأنه ما اتحد لفظه، واختلف معناه.
والمشترك يوافق المتواطئ في شقه الأول من جهة كونه لفظاً واحداً يطلق على معان، ويخالف في شقه الثاني وهو كون هذه المعاني مرتبطة بمعنى عام.
ولمزيد من إيضاح العلاقة والفرق بين المشترك والمتواطئ فهذا عرض يسير لتعريف المتواطئ، وبيان الفرق الدقيق بينهما.
فالاسم المتواطئ يُعرف بأنه: هو الاسم الواحد الذي يقال من أول ما وضع له على أشياء كثيرة، ويدل على معنى واحد يعمها.
ويعرفه الجرجاني بقوله: "المتواطئ: هو الكلي الذي يكون حصول معناه، وصدقه على أفراده الذهنية والخارجية على السوية كالإنسان والشمس؛ فإن الإنسان له أفراد في الخارج، وصدقه عليها بالسوية، والشمس لها أفراد في لاذهن وصدقه عليها - أيضاً - بالسوية".
ويقول ابن تيمية - رحمه الله - معرفاً بهذا القسم من الألفاظ: "الأسماء المتواطئة: وهي جمهور الأسماء الموجودة في اللغات، وهي أسماء الأجناس اللغوية، وهي الاسم المطلق على الشيء وما أشبهه سواء كان اسم عين، أو اسم صفة جامداً أو مشتقاً...
كلها أسماء متواطئة وأعيان مسمياتها في الخارج متميزة".
ويقول: "الأسماء المتفقة في اللفظ قد يكون معناها متفقاً وهي المتواطئة".
وقال في محاورته لابن المرحل - رحمهما الله - عندما بين جواز إطلاق لفظ (المتواطئ) و (المشترك) على اللفظ الواحد، ولكن من جهتين مختلفتين، فتساءل ابن المرحل كيف يكون هذا؟
فأجابه ابن تيمية بقوله: "المعاني الدقيقة تحتاج إلى إصغاء واستماع وتدبر؛ وذلك أن الماهيتين إذا كان بينهما قدر مشترك، وقدر مميز، واللفظ يطلق على كل منهما فقد يطلق عليهما باعتبار ما به تمتاز كل ماهية عن الأخرى؛ فيكون مشتركاً كالاشتراك اللفظي، وقد يكون مطلقاً باعتبار القدر المشترك بين الماهيتين؛ فيكون لفظاً متواطئاً.
مثال ذلك (اسم الجنس) إذا غلب في العرف على بعض أنواعه كلفظ (الدابة) إذا غلب (الفرس) قد نطلقه على الفرس باعتبار القدر المشترك بينها وبين سائر الدواب، فيكون متواطئاً، وقد نطلقه باعتبار خصوصية الفرس؛ فيكون مشتركاً بين خصوصية الفرس وعموم سائر الدواب، ويصير استعماله في الفرس تارة بطريق التواطؤ، وتارة بطريق الاشتراك".
ولعل التمييز بين المتواطئ والمشترك قد لاح، وهو أن الأسماء المتواطئة تشترك في اللفظ والمعنى.
أما المشتركة فإنها متفقة اللفظ مختلفة المعنى، وهذا ما يؤكده ابن تيمية بقوله: "الأسماء المتفقة اللفظ قد يكون معناها متفقاً وهي المتواطئة، وقد يكون معناها متبايناً وهي المشتركة اشتراكاً لفظياً كلفظ سهيل المقول على الكوكب، وعلى الرجل".
ولزيادة الإيضاح ولأجل أن يُميز بين المشترك والمتواطئ فهذان مثالان على ذلك، الأول: العين تطلق على عدة معان مختلفة.
فهذا مثال للمشترك، وقد مرت أمثلة عديدة من ذلك.
والمثال الثاني: لفظ (الوجود) فهو يطلق على وجود الخالق وعلى وجود المخلوق، فمعنى الوجود - بمفهومه العام - واحد، ولكنه يختلف من جهة إضافته فهذا مثال للمتواطئ.
وبناءاً على ذلك يمكن أن يقال: إن المشترك ما تحد لفظه واختلف معناه، والمتواطئ هو ما اتحد لفظه ومعناه