رابطة النهر الخالد
كَم ذا يُكابِدُ عاشِقٌ وَيُلاقي
في حُبِّ مِصرَ كَثيرَةِ العُشّاقِ
إِنّي لَأَحمِلُ في هَواكِ صَبابَةً
يا مِصرُ قَد خَرَجَت عَنِ الأَطواقِ
لَهفي عَلَيكِ مَتى أَراكِ طَليقَةً
يَحمي كَريمَ حِماكِ شَعبٌ راقي
كَلِفٌ بِمَحمودِ الخِلالِ مُتَيَّمٌ
بِالبَذلِ بَينَ يَدَيكِ وَالإِنفاقِ
إِنّي لَتُطرِبُني الخِلالُ كَريمَةً
طَرَبَ الغَريبِ بِأَوبَةٍ وَتَلاقي
وَتَهُزُّني ذِكرى المُروءَةِ وَالنَدى
بَينَ الشَمائِلِ هِزَّةَ المُشتاقِ
رابطة النهر الخالد
كَم ذا يُكابِدُ عاشِقٌ وَيُلاقي
في حُبِّ مِصرَ كَثيرَةِ العُشّاقِ
إِنّي لَأَحمِلُ في هَواكِ صَبابَةً
يا مِصرُ قَد خَرَجَت عَنِ الأَطواقِ
لَهفي عَلَيكِ مَتى أَراكِ طَليقَةً
يَحمي كَريمَ حِماكِ شَعبٌ راقي
كَلِفٌ بِمَحمودِ الخِلالِ مُتَيَّمٌ
بِالبَذلِ بَينَ يَدَيكِ وَالإِنفاقِ
إِنّي لَتُطرِبُني الخِلالُ كَريمَةً
طَرَبَ الغَريبِ بِأَوبَةٍ وَتَلاقي
وَتَهُزُّني ذِكرى المُروءَةِ وَالنَدى
بَينَ الشَمائِلِ هِزَّةَ المُشتاقِ
رابطة النهر الخالد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 مدخل لقراءة القصيدة الجاهلية (3)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد الحصري




عدد المساهمات : 219
تاريخ التسجيل : 21/12/2011

مدخل لقراءة القصيدة الجاهلية (3) Empty
مُساهمةموضوع: مدخل لقراءة القصيدة الجاهلية (3)   مدخل لقراءة القصيدة الجاهلية (3) Emptyالخميس يناير 31, 2013 10:13 am

مدخل لقراءة القصيدة الجاهلية (3)
مملكة كندة - مكة والمدينة


مملكة كندة:

أمَّا مَمْلكة كِنْدة، فيَكاد يُجمِع النَّسَّابون على أنَّ كِنْدة قبيلةٌ قحطانيَّة، تُنسَب إلى كِنْدة، وهو نور بن عُفَيْر بن عديِّ بن الحارث بن مُرَّة، الذي يَنتهي نسَبُه إلى كهلانَ بنِ سبأ، وأنَّ مَساكنهم كانَتْ في جبال اليمَن الشرقيَّة مِمَّا يلي حَضرموت.



على أنَّ عَددًا من الباحثين العرب يَعتَبِر الكِنْديِّين مُهاجرين إلى اليمَن مِن البحرين، ويَرى فريقٌ آخَر أنَّ الكِنديِّين عدنانيُّون، وأنَّهم كانوا يُقِيمون في مواطن العدنانيِّين.



وقد كانت كِندةُ ذاتَ كِيانٍ سياسي منذُ القرن الأوَّل قبل الميلاد، وأنَّ مَلِكها "مالكًا" قد شاركَ في حروبٍ وقعَتْ على أرض اليمَن؛ مِمَّا أوقعَها لتكون في نهاية الأمر تابعةً لدولة "سبأ وذي ريدان وحَضرموت ويمنات".



ويَذهب الأخباريُّون إلى أنَّ جَماعاتٍ مِن كِنْدة قد غادرَتْ مَواطنها في النِّصف الأوَّل من القرن الرَّابع الميلادي، واتَّجهَتْ شمالاً حتَّى نزلَتْ في مكانٍ دُعِي فيما بعد "غمر كندة" في نجد، وسبَب ذلك حربٌ كان قد استعَر أُوارها بين حضرموت وكِنْدة، ثُمَّ طال أمَدُها حتَّى كادت تَقْضي على الكِنْديِّين، ومِن ثَمَّ فقد اضْطُرُّوا إلى النُّزوح إلى الشمال؛ فرارًا بأنفُسِهم من الفناء.



ويَرى آخرون أنَّ السبب في نُزوح كِنْدة إلى الشمال أنَّ حسَّان بن تُبَّع كان أخًا لحجر آكل المرار من أمِّه، وأنَّ حسَّان كان قد دوَّخ بلاد العرب، وسار في الحجاز حوالَيْ عام 480 م، وعندما أراد العودة إلى اليمَن، ولَّى أخاه حجرًا على مَعَدِّ بن عدنان كلِّها، فنجحَ في ولايته، وأحسَنَ السِّيرة، حتَّى لَم يرضَوْا به بديلاً.



ومن هنا يتَّضح أنَّ تاريخ كِنْدة يتكوَّن من مرحلتين:

الأولى: تُمثِّل الهجرةَ من اليمن لِنَجْد.

الثانية: وتمثِّل مرحلة استقرار الكِنْديِّين في نجد، وتكوين إمارةٍ لهم بها، وهذه المرحلة الثانية تمثِّل التاريخ الصَّحيح الثابت لكِنْدة.



ولعلَّ الهدف من إقامة مَمْلكة كندة أنَّ التَّبابِعَة الذين تتبعهم مملكةُ كندة قد لَجؤوا إلى ذلك كوسيلةٍ للسَّيطرة على الطُّرق التِّجارية الشماليَّة التي كانت ترتادُها قوافلُ اليمن التجاريَّة، حتَّى يأمنوا اعتداءَ القبائل الشماليَّة عليه، وهكذا يتحقَّق لِمُلوك حِمْير ما حقَّقه الرُّوم من إقامة دولة الغَساسنة، والفرسُ من إقامة اللَّخميِّين، وتصبح كِنْدة لتبابعة اليمَن ما كان اللَّخميُّون للفرس، والغساسِنةُ للرُّوم.



كانت كندةُ مَمْلكةً أشبهَ ما تكون باتِّحادٍ قبَلي تَشْغل فيه قبيلةُ كندة الصدارة، وتتولَّى فيه الحكمَ أسرةٌ من أُسَرِها، وفي الرُّبع الأخير من القرن الخامس الميلاديِّ (480)، أصبح حجر بن عمرٍو آكل المرار ملِكًا على كندة في قلب نَجْد.



ويُسمَّى آكل المرار؛ لقصَّةٍ، خلاصتها: أنَّ حجرًا قد سار بِقَبائل ربيعة لِغَزو البحرين، فعَلِم بذلك زيادُ بن الهولة من سُلَيح، فأغَار على كندة، وقتَل مَن وجد من الرِّجال، واستولَى على الرِّجال، وسبَى النِّساء، ومِن بينهم هند زوج حجر نفسه، وما إن يعلم حجرٌ بِهذا الأمر حتَّى يسرع، فيُدْرك زيادًا أو يرسل رجالاً ليأتوه بزياد أو بِخبَره، وهنا يعلم أنَّ هند زوجه إنَّما هي الَّتي سهَّلت الأمر ورضيَتْ عمَّا حدَث، وأنَّها طلبَتْ من زيادٍ النجاءَ من وجه حجر، وما إن يَسمع حجرٌ هذه الأخبارَ حتَّى يعبث حجرٌ بالمرار (نبات له حبٌّ مُرُّ الطَّعم)، ويأكل منه غضَبًا وأسفًا، ولا يشعر أنه يأكل منه؛ لشدَّة غضبه، فسُمِّي يومئذٍ بآكل المرار، ثُمَّ يلحق حجرٌ بزياد، ويستردُّ ما سلَبَه من مالٍ وغنيمة وسَبْي، ويأخذ هندَ، فيَرْبطها في فرَسين ثم يركضهما، فيشقُّها نصفين على رواية، وأنَّه قد أحرقها على روايةٍ أخرى.



ثم عاد أدراجَه إلى الحيرة، وحجر آكِلُ المرار ولَدُه المعروف بالمقصور، الَّذي كان على علاقةٍ طيِّبة بملوك اليمَن، ومِن ثَمَّ فقد تزوَّج بنتًا لحسَّان بن تُبَّع أسعد الأكبر، كما كان على علاقةٍ طيبة باللخميِّين؛ فقد تزوَّج الأسودُ بن المنذر "مَلِك الحيرة" من أمِّ الملِك ابنة عمرو بن حجر المقصور، فولدَتْ له النُّعمان بن الأسود.



وقد ثارت على عمرِو بن حجر هذا قبائلُ ربيعة، وذلك حين انتهزَتْ فرصة الضَّعف في آل كندة على أيَّامه، وكان قد ظهَر في تَغْلب في نفس الوقت رَجلُها القويُّ وائل بن ربيعة، المعروف بِكُليب وائل، أو أنَّ قبائل ربيعة قد انحازَتْ من تِلْقاء نفسها إلى كليب.



وكُلَيب بن ربيعة هو الذي قامت على إثره فتنةُ حرب البَسُوس؛ حيث تقول الرِّوايات: إنَّه قتل ناقةَ البسوس خالة جسَّاس بن مرة، فقام على إثرها جسَّاس بِقَتله، فاشتعلَتْ حرب البسوس بين بكرٍ وتَغْلب طوال أربعين عامًا، تُمثِّل الحِقْبة الأولى التي ينتمي إليها الشِّعرُ الجاهلي.



وجاء بعد عمرٍو ولَدُه الحارث، وقد اختلفَ المؤرِّخون في فترة حُكمِه؛ هل هي (495 - 528 م) أو (495 - 524 م)؟ وعلى أيِّ حالٍ، فقَدْ كان الحارث أقوى ملوك كِنْدة قاطبة، وأشدَّهم بأسًا، وأكثرَهم طُموحًا، وقد ساعدَتْه الظُّروف، فأصبح أعداؤه مِن بني بَكْر وتغلب بعد حرب البَسوس في حالة ضعفٍ شديد، ومن ثَم فقد نَجح في أن يُعيد سُلطانَه على قبائل ربيعة ونجد، وعلى بَنِي أسَد، وبني كنانة وبني بكر.



وتَذْهب الرِّوايات العربيَّة إلى أنَّ الحارث قد نجحَ في توسيع مَمْلكة كندة حتَّى استَطاع آخِرَ الأمر أن يَضمَّ إليه مُلكَ آل لَخْم، وأن يجلس على عرشهم في الحيرة نفسها، مُنتهِزًا الفرصةَ التي أتاحتها الظُّروف التي كانت تَمرُّ بها الدُّول الشماليَّة؛ (الرَّوم والفرس، والغساسِنَة والمَناذرة)، ومن ثَم فقد بدأ في عام 497 بِغَزو فلسطين، إلاَّ أن الحاكم الرومانيَّ ألحق بجيشه الذي كان بقيادة ولَدِه حجر - والدِ امرئ القيس الشَّاعر - هزيمةً مُنكَرة، وبعد هذه الوَقْعة يعقد الحارثُ معاهدةً تنصُّ على أن يَتْرك آلُ كِنْدة مُهاجمةَ أهل الشام، وأن يتَعاونوا مع الرُّوم على قتال الفُرْس والمَناذرة، وهكذا قام الرُّوم بعد ذلك بِمُساعدة الحارث في الهجوم على الحيرة.



كذلك كانت هناك علاقاتٌ بين الفُرس ومَمْلكة كندة، حتَّى عرض قباذ على الحارث الكِنْدي المزدكيَّة، فأسرع بإجابته إليها، فأقامه مقام المنذر على عرش الحيرة، وهكذا اتَّسع ملك الحارث، وجعل أولاده ملوكًا على القبائل، فكان حجر على بني أسَد وغطفان، وشرحبيل على بكر بن وائل بأَسْرها، وعدد من القبائل الأخرى، وكان مَعْد يكرب على قيس عيلان، وكان سلَمةُ على بني تَغْلب والنَّمر بن قاسط.



وهناك روايةٌ ترى أنَّ الحارث إنَّما صعد إلى عرش الحيرة بِمُساعدة قبائل العرب له، منتهزين فرصة ضعف قباذ ملك الفُرْس.



على أنَّ هناك روايةً أخرى تَذْهب إلى أنَّ النُّعمان بن المنذر بنِ ماء السَّماء قد لَقي مصرعَه في معركةٍ دارَتْ رحَاها بينه وبين الحارث الكِنْدي.



وبعد الحارثِ بن عمرٍو جاء حجرُ بن الحارث الذي قتل بعض إخوته إثر التَّنازع على الملك بعد موت الحارث.



وحجر بن الحارث هو أكبَرُ أبناء الحارث وأعظمهم جاهًا، ومِن ثَمَّ فقد انتقلَ إليه عامَّة ملك كندة، ولكن بني أسد وغيرها مِن القبائل بدأَتْ تخرج عليه، حتَّى قتلَتْه بنو أسَد في حربٍ دارت بين حجر والأسَديِّين حين امتنعَتْ بنو أسد عن أداء الإتاوة التي تؤدِّيها إلى حجر.



وهذه الحرب قد خلَّدتْها سجِلاَّت الشِّعر الجاهلي في قصائد الشَّاعر عبيد بن الأبرص، كما أنَّ أخبار امرئ القيس الشاعر قد ارتبطَتْ بقوة بما دار في هذه الحرب بين كندة وأسَد.



وامرُؤ القيس بن حجر الشَّاعر هو أصغَرُ أولاد حجر بن الحارث الكنديِّ من زوجه فاطمة بنت ربيعة بن الحارث التغلبيَّة، أخت مهلهَل، وكليب بن وائل.



ويُعرَف امرؤ القيس بالمَلِك الضلِّيل، وبذي القُروح، ويتَّجِه بعضُ الباحثين إلى أنَّه قد وُلِد في عام 500 م، وتوُفِّي في أنقرة أثناء عودتِه من القسطنطينيَّة فيما بين عامي 530 - 540 م، وقد جَدَّ امرُؤ القيس في أن يأخذ بِثَأر أبيه بعد أن فشل أعمامُه وإخوته في ذلك، وقد نزل على بكرٍ وتغلب، وسألَهم النَّصر على بني أسَد، ولكنَّ بكرًا وتَغْلِب أبتَا الاستمرار في القتال معه بعد أن ألحقَ هزيمة قاسيةً ببني أسد.



ومن هنا قرَّر امرُؤ القيس أن يَذْهب إلى القسطنطينيَّة، مستنجِدًا بملك الرُّوم، وقد دفعَتْه حاجته إلى المال إلى أن يَذْهب إلى تيماء، وأن يَرْهن سِلاحَه ودُروعَه عند السَّموءل بن عادياء اليهوديِّ صاحب حِصْن الأبلق.



وقد قيل: إنَّه تركَها عند السموءل وديعةً، ثم كتبَ له كتابًا إلى الحارث بن أبي شمر الغسَّاني، يطلب إليه فيه أن يتوسَّط لشاعر كِنْدة عند الإمبراطور الرومانيِّ؛ لِيُساعده على الانتقام من قتَلةِ أبيه وصاحبه، وأنَّ ملوك الحيرة وهم عُمَّال الفرس أعداء الرُّوم قد مَدُّوا لتلك القبائل - التي قتلَتْ حجرًا آخِرَ مُلوكِ كِنْدة - يدَ العون.



ويَصِل امرؤ القيس إلى القسطنطينيَّة، ويستقبله ملكُ الروم استقبالاً حسَنًا، وإن لَم يُقدِّم له المساعدة المطلوبة؛ فالنجدة الَّتي طلبَها امرؤ القيس كبيرةٌ جدًّا، والجيش الروميُّ لَم يكن مستعِدًّا للقتال في الصَّحراء، ثم إنَّ الغاية التي جاء من أجلها امرُؤ القيس - وهي الأخذ بثأر رجلٍ واحد - كانت بعيدةً عن سياسة الرُّوم ومألوفِهم، فضلاً عن أنَّ الإمبراطوريَّة الرُّومانيَّة كانت مشغولةً بِهَجمات البَرابرة، مِمَّا جعلَها في حاجةٍ إلى الدِّفاع عن نفسها أوَّلاً.



وهناك مَن يذهب إلى أنَّ الإمبراطور قد أكرمَ امرَأ القيس، وأصبحَتْ للشاعر الكِندي مَنْزلة رفيعةٌ عنده، وأنَّه كان يَدْخل معه الحمَّام، وأن امرأ القيس قد أقام علاقةً مع ابنة القيصر، فبلغ ذلك بني أسَد، فأرسلوا رجلاً منهم يُدْعى الطماح، وصلَ في وقت سَيَّر فيه القيصرُ مع امرئ القيس جيشًا كثيفًا، وهُنا أعلم الطماح القيصر بقصَّة ابنته مع امرئ القيس، فبعث القيصرُ إلى امرئ القيس بِحُلَّة مَسْمومة، ما أن لبسها امرؤ القيس حتَّى أسرع فيه السُّم، وسقط جلده؛ ولذلك سُمِّي بذي القُروح، ثم مات في أنقرة.



وبِمَوت امرئ القيس، انقطع آخِرُ أمَل في استِعادة بني آكل المرار لِمُلكهم في كندة، وأسرع الحارثُ بن أبي شمر الغسَّاني - على روايةٍ أخرى - وبأمرٍ من المُنذِر ملك الحيرة إلى السَّموءل بن عادياء في حِصْنه الأبلق في تيماء، وطالبَ بِدُروع امرئ القيس وما ترك عنده من ودائع، غير أنَّ السموءل أبَى التفريط في دروع الشَّاعر الكندي وودائعه، ومِن ثَمَّ فقد ذبحَ الحارثُ ابنَه، وضُرب المثل بالسموءل في الوفاء.



على أنَّ هناك مَن يشكُّ في نسَب السموءل أوَّلاً، وفي صحَّة قصته مع امرئ القيس ثانيًا.



وبعد نهاية دولة بني آكل المرار، بقيَتْ إمارة كنديَّة في حضر موت، فضلاً عن إمارات أخرى حكَمها أمراء صغار لا تتجاوز سُلْطة الواحد منهم مدينةً أو واديًا، وأشهَرُ تلك التي كانت في دَوْمة الجَنْدل والبحرين ونجران وغمر كِنْدة.



وفي عهد النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - جاء وَفْد كِندة على رأسه الأشعب بن قيس بن معد يكرب إلى النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في عام الوفود.



مكة والمدينة:

بقي أن نُشير إلى موقع المدينتَيْن مكَّة المكرمة، والمدينة المنورة (يثرب) في تاريخ العرَب القديم.



أمَّا مكَّة، فليس من شكٍّ في أنَّها أهمُّ مواضع الحضَر في الحجاز على الإطلاق، وترجِعُ نشأتُها الأولى إلى عهد إبراهيم الخليل، وولَدِه إسماعيل - عليهما السَّلام - وذلك في النِّصف الثاني من القرن التَّاسعَ عشر قبل الميلاد، وقد قام إسماعيلُ فيها يَدْعو إلى عبادة الله تعالى، وقام بَنُوه بعده على السُّلطة الزمنيَّة، وخِدْمة بيت الله الحرام.



وتاريخ بني إسماعيل في مكَّة مِن هذه الفترة وحتَّى عهد قُصَيِّ بن كِلاب غامِضٌ غموضًا شديدًا، ولعلَّ أهم ما يميِّز عصر سيادة قُصيِّ بن كلاب على مكَّة هو أنه جَمع أمر مكَّة في يديه، وورَّثه لأبنائه من بعد أن أزاحَ الخُزاعيِّين عنها منتصفَ القرن الخامسِ الميلادي.



ومن هنا، فإنَّ قصيًّا هو أوَّل رئيسٍ مِن رؤساء مكَّة، وقد أوجدَ من النُّظم في تنظيم الحجِّ لبيت الله الحرام ما بَقِي بعده مُددًا طويلة، وقد كان من أهمِّ أعماله إنشاءُ دار النَّدوة؛ حيث كان يُدار فيها تحت رئاسته كلُّ أمرِ قريش، وما أرادوه من حربٍ أو تجارة أو مَشورة أو نكاح.



ثُمَّ كان هو أوَّل من جدَّد بناء الكعبة مع قريش، وكان يتَقاضى ضريبةً من قريش تَدْفعها من أموالها إليه؛ لِيَصنع منها طَعامًا للحَجيج، وقد أنجبَ قصيٌّ ثلاثةَ أبناء؛ هم عبدالدَّار وعبدمناف وعبدالعُزَّى، قد كان عبدُمناف أكثرَ الثلاثة شهرةً ورِفعة ومهابة، وكان يتولَّى السِّقاية والرِّفادة، أمَّا الحجابة واللِّواء ورياسة دار النَّدوة، فكانت لعبدالدار ولِبَنيه مِن بعده.



وتولَّى هاشِمُ بن عبدمناف السِّقاية والرِّفادة بعد أبيه.



وفي عهد عبدالمطَّلب بن هاشمٍ يتمُّ حَفْر بئر زمزَم، ويتمُّ في عهده كذلك حَملةُ أبرهة الأشرم على البيت الحرام، ورجوعها مهزومةً تلك الهزيمة المنكرة.



وأمَّا مكانة مكَّة في العصر الجاهلي، فبِرَغم وجود البيوت الحرام في بلاد العرب؛ كبيتِ الأُقَيصر، وبيت ذي الخلصة، وبيت صَنْعاء، وبيت نَجْران وغيرها من البيوت الحرام، فإنَّ واحدًا منها لَم يجتمع له ما اجتمعَ لِمكَّة؛ وذلك لأنَّها كانت مُلتقى القوافل بين الجنوب والشمال، وبين الشرق والغرب، وإن لَم يكن فيها سيادةٌ قاهرة على تلك القبائل في باديتها، أو في رحلاتها، فليست في مكَّة سلطةٌ مركزية كدولة التَّبابعة في اليمن، أو المناذرة في الحيرة، أو الغساسنة في الشام، وليس من وراء أصحاب السُّلطة فيها سلطانٌ كسلطان الرُّوم أو الفرس أو الأحباش الذي كان وراء الإمارات العربيَّة التي ذكَرْناها، وإنَّما كانت مكَّة بِمَثابة عبادةٍ وتِجارة، وليست حوزة ملك يستبدُّ بها صاحبُ العرش فيها، ولا يُبالي من عداه.



كما كان الموقع الجغرافيُّ سببًا في أن يَجعل المدينة المقدسة عقدةً تتجمَّع عندها خطوطُ الحياة التِّجارية والدينيَّة للعرب.



كما كان الأساسُ الذي قامت عليه مكانةُ الكعبة أنَّ البيت الحرام بِجُملته كان هو المقصودَ بالقدَاسة، غير منظورٍ إلى الأوثان والأصنام التي اشتملَ عليها، ورُبَّما اشتمل على الوثَن المعظَّم، تقدِّسه بعضُ القبائل، وتَزْدريه أخرى، فلا يغضُّ ذلك من مكانة البيت عند المعظِّمين والمُزدَرِين، واختلفَت الشَّعائر والدَّعاوي التي يدَّعيها كلُّ فريق لصنَمِه، وورثته، ولَم تختلف شعائر البيت كما يتولاَّها سدَنتُه المقيمون إلى جواره، والمتكفِّلون بخدمته، فكانت قداسة البيت هي القداسة التي لا خلاف عليها بين أهل مكَّة وأهل البادية.



وأمَّا المدينة المنوَّرة (يثرب)، فهي ثانِي مدُن الحجاز بعد مكَّة، وواحدة من أمَّهات المراكز الزِّراعية في بلاد العرب، وقد ذكرَتْ في الكتابات المَعِينيَّة أن النسَّابين يرَوْن أنَّ سُكَّان يثرب من العرب هم من الأَزْد القحطانيِّين، وكان بها في الجاهليَّة سوقٌ كبيرة.



وتاريخ يثرب القديم مجهولٌ، ويَرى الأخباريُّون أن سُكَّان يثرب إنَّما كانوا مِن العماليق ثم اليهود، ثم العرب من أوس وخزرج، وأنَّ العماليق كانوا أوَّل مَن زرَع الزَّرع والنَّخيل، وعمَّر الدُّور والآكام، واتَّخذ الضِّياع.



ويَذْهب فريقٌ آخَر من المُؤرِّخين إلى أنَّ وجود اليهود في يثرب يَرْجع إلى القرن الأوَّل والثاني بعد الميلاد؛ حيث هاجَروا بعد السَّبْي البابلي وبعد تدمير بيت المقدَّس على يد (تيطس) الرُّوماني عام 70 م.



وقد عُرف مِن قبائل اليهود في المدينة بنو النَّضير وبنو قريظة وبنو قَيْنقاع وقرية خَيْبر، ويَروي الأخباريُّون أنَّ القبائل العربيَّة من أوسٍ وخزرج قد هاجرَتْ من اليمن إلى يثرب، فأقام الأوسُ والخزرج مع اليهود وعقَدوا معهم حِلفًا يأمن به بعضُهم إلى البعض، ويَمْتنعون به مِمَّن سواهم.



وقد ذهبَت المصادِرُ إلى أنَّ الحرب بين الأوس والخزرَج استمرَّت مائةً وعشرين عامًا حتَّى جاء الإسلامُ، كما ذكرَتْ هذه المصادرُ أنَّ هذه الحرب لَم تبدأ بين الحيَّيْن العربيَّين إلاَّ بعد سيادتهم على المدينة حيث أصبح اليهودُ تابعين لهم، وإن كان بِيَدهم من اقتصاد المدينة ما لَيس للأوس والخزرج.



وقد انتشرَتْ في الجزيرة عدَّة مدُن تَلِي في الأهَمِّية مكَّة والمدينة؛ مثل: الطَّائف إلى الجنوب الشرقيِّ من مكَّة وتيماء إلى الشَّمال مِن يثرب ودومة الجَنْدل والحجر في شمال الجزيرة.



على أنَّ العصر الجاهليَّ الذي ينتمي إليه الشِّعرُ الجاهليُّ - ويُسمَّى العصرَ الجاهليَّ الثاني؛ تمييزًا له عن العصر الجاهلي الأوَّل الذي يمتدُّ إلى الوراء حتَّى دولة حمير - إنَّما يَبْدأ من أواخر القرن الخامس الميلاديِّ في مدَّة زمنيَّة لا تزيد عن 150 عامًا، هي عمر تلك الفترة الممتدَّة من بداية عصر البَسوس، مُرورًا بعصر داحس والغَبْراء، وانتهاءً بعصر ذي قار الذي وقعَتْ في خِتامه وقعةُ ذي قارٍ بين الفُرس والعرَب، والَّتي انتصرَ فيها العرب على الفرس، وخلَّدَها الشِّعر الجاهليُّ في الفائيَّة الشهيرة:

لَوْ أَنَّ كُلَّ مَعَدٍّ كَانَ شَارَكَنَا
فِي يَوْمِ ذِي قَارَ مَا أَخْطَاهُمُ الشَّرَفُ



فأمَّا عصر البسوس، فهو العصر الذي وقعَتْ فيه حرب البسوس ما بين عام 485 - 525 م تقريبًا، والتي كان سببها قَتْل كليب بن ربيعة من تَغْلب على يد جسَّاس بن مُرَّة من بكر، على إثر قَتْل الأوَّل ناقةَ البسوس خالة جسَّاس، فقام بإشعال نار الحرب مُهلهَلُ بن ربيعة الشَّاعر الجاهليُّ المشهور.



وفي الحقبة الثانية - حِقْبة داحس والغبراء - دارَت الحربُ ما يزيد على أربعين عامًا بين عَبْس وذُبْيان، على إثر خلافٍ نَشِب في سباقٍ للخيل بين داحس (فرَس لقيس بن زهير سيِّد عَبْس) والغبراء (مُهْرة لحذيفة بنِ بدر سيِّد ذُبيان).



أمَّا الحقبة الثالثة من حِقَب العصر الجاهليِّ الذي ينتمي إليه الشِّعر الجاهليُّ، فهي التي تنتهي بحرب ذي قارٍ كما ذكَرْنا.



بِهذه الصُّورة التاريخيَّة؛ نكون قد وضَعْنا أمامَ القارئ صورةً تاريخيَّة موجزة للعصر الجاهليِّ، نراها ضروريَّة لِقُرَّاء الشِّعر الجاهلي، وتذوُّق القصيدة الجاهليَّة بشكلٍ عام.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مدخل لقراءة القصيدة الجاهلية (3)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مدخل لقراءة القصيدة الجاهلية (1)
» مدخل لقراءة القصيدة الجاهلية (2)
» مدخل لقراءة القصيدة الجاهلية (4)
» قصيدة عن مصر....
» ليبرالية العرب في الجاهلية..( د. إبراهيم بن محمد الحقيل )

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
رابطة النهر الخالد :: ادب وفنون :: قطوف الأدب-
انتقل الى: