بسم الله الرحمن الرحيم
انها افتتاحية سور القرءان قاطبة وافتتاحية الحمدلله أولى سور القرءان والتى وصفها ربها بأنها ( السبع مسانى والقرءان العظيم) .
والقرءان هو منهج وشريعة للناس كافة ومعجزة لاتنتهى وقائعها الى يوم يبعثون وهو كتاب ربى الخاتم النازل على قلب رسول الله ليعمل به وليتبعه الانس والجن وهو ثابت بالكتاب والسنة فقد جاء بالقرءان الكريم ((قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً)) كما جاء بالحديث أنه توجه لدعوة الجن .
وقد أتخطى هذا الى ان كتاب الله انما هو منهج لكل خلق الله ما علمنا وما لم نعلم فى كل أقطار السماوات والأرض فإن قال قائل كيف يكون لخلق غير الانس والجن هذا وأن يكون هذا قلت فلنقرأ قول الله سبحانه وتعالى ((قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)) وكذلك قوله سبحانه ((ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ )) ولا شك أن هذا يشمل الارض والسماء وما حوتا ثم أتبع بعد هذا أن حساب الله سيشمل كما علمنا رسوله وجاء بالحديث الشريف ( لَتُؤَدُّنَّ الحُقُوقَ إِلَى أهْلِهَا يَومَ القِيَامَةِ ، حَتَّى يُقَادَ للشَّاةِ الجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ القَرْنَاءِ) وعليه فإن ديننا هو منهج حياتى لتعامل المخلوقات مع بعضها ولقد جاء بكتاب الله ((وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ))وهى واضحة الدلالة على ما قدمنا وعلى هذا فديننا هو منهج حياتى لتعاملنا مع كل من حولنا حتى تخطت ألوان المخلوقات الحية التى ننتفع بها الى أن أمرنا أن نريح الزبيحة ونكون قد أطعمناها وسقيناها ونكبر كما امرنا أن نكبر ونسمى أسم الله ذكرا لنعمته بل وتصبيرا لها على ما ابتلاها به وتعدى هذا الى تعاملنا مع مايتعايش معنا من الاحياء الضارة فأمرنا ان نحسن القتلة فيما أمرنا بقتله اتقاء لشره بل قد تخطى هذا الى كافة المخلوقات من النبات والجماد والسوائل وقد أمرنا فيها بأمور ونهينا فيها عن نواه حتى نحسن لها وبها التعامل فلا نخرج عن امر الله فيها فإذا قال أحدنا وهل لهذه المخلوقات من مشاعر قلت نعم لقد أثبت العلم الحديث هذا فقد قال علماء النبات ووصفوا لنا كيف ترتجف النباتات أوالأشجار فرقا ممن يؤذيها وإن لم يتعدى العلم الحديث الى السوائل أو الجمادات فإن ديننا الأغر قد سبق كل هذا ولنتأمل حديث سيدى رسول الله صلوات ربى عليه(( أحد جبل يحبنا ونحبه)) ونحن بعد هذا مورودون ومحاسبون عما أمرنا فيه وما أمرنا عليه من كل ما ومن حولنا وعليه فإن الله سبحانه قد شرع لنا من أمرنا منهجا وأمرا فأمرنا ان نبدأ بما أمر بدأت به سور القرءان فى كل أمور حياتنا لنفتتح( بسم الله الرحمن الرحيم) فنبدأ بها حين نستفتح يومنا وحين ننهيه وفى طعامنا وشرابنا ولقاء زوجاتنا وتناول أولادنا وأشيائنا وبدا ونهاية أعمالنا ولنتدبر حديث سيدى الرسول المعلم كل عمل لا يبدأ باسم الله فهو أبطر فأوجب وفرض خالقنا سبحانه البسملة فى كل امر من عمل أو قول لأن من فرضه هو خالقك وخالق كل شىء ومسخرك والمسخر لك وهو الذى باسمه يتم لك ما أراده لك وبك فيكون هذا اقرارا منك بأنعم الله عليك وهو خاص بالمؤمن محروم منها الكافر حيث يثاب عليها موقنها ويعاقب عليها الكافر بها وذلك لما سخر له وما اتاح له من نعم لم يوكلها الى خالقها ومسخرها له كفراننا بربه حت يكب بجحودها على وجهه فى النار رغم عدم حرمانه من تسخيرها له فى الدنيا وهذا من رحمة ربى التى شملت كل شىء ثم تنمى للمؤمن أجورها وتزاد حتى يدخل بها الجنة لكونه أقر لله سبحانه وتعالى بدأ ومنتها بها رغم أنها متعة ونعمة تنعم بها فى حياته ذاده الإقرار بها صفاء ويقيننا فى الدنيا ولم يحرم أجرها فى الآخرة وهو مازاد به عن الكافر فالأمر كله من الله ولله وبالله وإليه يعود وهى كما انها لك فى الإخرة أجر وثواب فهى لك فى الدنيا سعة فى الرزق وسعادة ووقاية من كل سوء
وبسم الله الرحمن الرحيم تحوى بركة عظيمة ومعان لا يتسع شىء لها وستظل إلى يوم القيامة مغدقة البركات مثمرة الطيبات حاوية لجديد المعانى يكتشف فيها كل جيل من المؤمنين بركة كبرى ومعان عظيمة لم يكتشفها من قبله حتى تقوم الساعة بل وبعد قيامها وبعد أن يستقر اهل الجنة فى الجنة وأهل النار فى النار والله سبحانه الذى بدأ البسملة نصا على ان هذا هو اسمه الذى لا يتسمى به غيره ولقد تحدى بها سبحانه وتعالى كل خلقه فلم يستطع أحد منهم مؤمن كان أم كافرا أن يتسمى بهذا الإسم الأعظم (( بسم الله)) جاء به الذكر الحكيم فى قوله سبحانه وتعالى فى سورة مريم الآية 65 فيما يصف به نفسه ويتكلم عن ذاته سبحانه فيقول ((رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً )) وهى صيغة من التحدى للكافر المنكر ان يتجرأ أحدهم أو جمعهم فيسمى نفسه باسمه سبحانه فكان له جل شأنه ما أراد فما استطاع أبدا من بدأ الكون والى أن تقوم الساعة أن يسمى أحد نفسه باسم (( الله ))
ولقد ورد بأحد كتب السير أن امراة من الكافرين سمت ولدها بهذا الاسم الأعظم فنزلت صاعقة من السماء فقصمته وهو فى حجرها وان الحادثه قد أشتهرت حتى علم بها من حولها بل وتخطتهم الى المجال الأوسع حتى دونها أصحاب السير فى سيرهم والحادثة سواء كانت واقعة حقيقية أو منقول مستدل عليه فإن الحقيقة التى لا تقبل ولن تقبل الى قيام الساعة شك أو ثلما انه لم يستطع ولن يستطع أحد من الخلق إنس او جن فى أقطار السماوات والأرض أو اى خلق عاقل مؤمن كان أو كافرا أن يسمى بها نفسه .
(( بسم الله الرحمن الرحيم)) بها نحيا وعليها نموت وعلى بركتها نجتاز أعمارنا ونستعين بها فيها .
والرحمن الرحيم صفتان لتعظيم الرحمة وتوسيعها لتشمل كل خلق الله سبحانه وتعالى قاطبة دون تفريق فإن رحمته وسعت كل شىء كم جاء به الذكر الحكيم فى قوله سبحانه((وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ)) وكما جاء به الذكر الحكيم أيضا فى سورة غافر ((رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ )) ولا يتسع المجال لذكر ما أتت به الآيات والاحاديث فى هذا الشأن.
وقد كثرت أقوال اهل العلم فى معنى (( بسم الله الرحمن الرحيم )) حتى أورد القرطبى فيها سبعة وعشرون مسألة فابتدأها بقوله أنها قسم من الله سبحانه وضعه عند بدأ كل سورة ان مافيها حق وأنه سبحانه تعهد بما جاء فيها أى فى السورة وفى البسملة من الرحمة والبركة او التوعد والوعيد
و(بسم الله الرحمن الرحيم ) مما خص الله به الأمة بعد سليمان عليه السلام وأنها قد شملت الذات والصفات ولقد أمر على بن ابى طالب باب مدينة علم رسول الله بتجويدها كما جاء عن سعيد بن ابى سكينة أن الله غفر لمجودها وأن رجلا وجدها فى قرطاس فوضعها على عينه فغفر الله له وجما جاء أيضا فى قصة بشر الحافى وذكرها القشيرى أنه لما رأى الرقعة التى فيها اسم الله طيبها فطيب الله أسمه وقد روى النسائى عن ابى مليح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اذا عسرت بك الدابة فلا تقل تعس الشيطان فإنه يتعاظم حتى يصير مثل البيت ويقول بقوته صنعته ولكن قل باسم الله الرحمن الرحيم فإنه يتصاغر حتى يصير مثل الذباب كما قال على ابن الحسين عليهم رضوان الله فى تفسير قوله تعالى ((َوَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً)) قال معناه اذا قلت باسم الله الرحمن الرحيم كما جاء عن وكيع عن الاعمش عن ابى وائل عن عبد الله ابن مسعود (( من اراد ان ينجيه الله من الذبانية التسعة عشر الذين جاء ذكرهم فى قوله سبحانه ((عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَر)) فليقرأ باسم الله الرحمن الرحيم)) ليجعل الله سبحانه بكل حرف من جنة أى وجاء ووقاية وحائلا وحفظا من كل واحد منهم فإن عدد حروف البسملة تسعة عشر على اعدادهم وقد روى عن جعفر الصادق ان البسملة تيجان السور كما ذكره القرطبى ولعلى أزعم اننى متفرد واول من اتى فى القول دون استمساك به حتى يقره اهل العلم (( مثل ابو عبد الله- وابو حيفة)) ان الرحمن الرحيم كما انهما صفتان تجمعان كل معانى الرحمة وما جاء بكل أقوال اهل العلم فيها مما جاء بهاتين الصفتين العظيمتين فإن الرحيم هى صفة الرحمة فيه سبحانه وقد أودعها فى كثير من خلقه وأجاز أن يتسمى بها ويتصف بها خلقه كما جاء به القرءان واضحا فى وصف رسول الله صلى لله عليه وسلم ((َقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)) وكما يرد كثيرا فى أقوال الناس أن فلان هذا كريم رحيم الا ان الرحمن صفة خاصة وعلم عليه واسم له وحده لا يجب لغيره سبحانه ولا يجوز أن يتسمى به أحد من خلقه ثم أردف أن معناه أنه مالك الرحمة ومالك أسبابها المفعل والمعطل بها لما يشاء لمن يشاء وأضرب مثلا على هذا الطبيب الذى يشق بطن أو صدر مريض أو يبتر جزء منه فلا شك فى ان هذا رحمة وان كانت من خلال قسوة لأنه يسعى من ورائها الى حفظ حياة مريضه أو صلاحه أو رفع ألم ومعاناة أكبر وأطول وقتا عنه فيما ان الرحمن سبحانه بهذه الصفة انما يعطل او يفعل السبب فهو سبحانه يشفى من أراد من الداء العضال كالسرطان والذئبة الحمراء وأمراض القلب وغيرها مما نعلم أو لا نعلم دون الحاجة لما هو بأمره أيضا وبما سن من سبب فلا يترك له أثرا وعليه فإن الرحمن يكون من معانيها الأشمل والأوسع انه مالك أسباب الرحمة وخالقها وصانعها المختص دون غيره من خلقه سبحانه وتعالى حتى لو كانوا من الملائكة المقربين او عباده الصالحين إلا بإذنه كما يكون هذا اوضح مايكون فى دعوتى عبد صالح يزيل الله به مرض أو يقضى بها على عدو أو يرفع بها ظلم أو ينجى بها مخلوق دون سبب غيرها ونكتفى بهذا القدر الليلة لضيق الوقت ونكمل فى مرة اخرى ان اردتم وطلبتم ووافق مشايخنا أبو عبد الله وابو حذيفة والخطيب وامر أبو احمد وأبو بدوى وبسم الله الرحمن الرحيم اول كل شىء وآخره - والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مقالة للمهندس / حسن البنا رئيس مجلس ادارة الرابطة