قصيدة العدل لا تمطره السماء للشاعر أحمد بن الصديق قصيدة همزية رائعة تتضمن الكثير من المعاني السامية والأخلاق الحميدة، وترسم للمسلم طريق العزة وسبيل الخلاص
العدل لا تمــطــــرُه السَّــمــاءُ *** والجور قد يرفعُــــــه الدعـاءُ
و الظلم لا يغالــــبه نـــحيـــبٌ *** والحق لا يـنـاصـره الـبـكــاءُ
فــلا تركـع لغـيـر الله يـومـــاً *** فخـلـق الله أصــلـهـمُ ســواءُ
ولا تجزع في الشدائد أوتُداهنْ *** وكُن جَلـْداً ولو غلب العـيـاءُ
لئنْ ترضخ مُهانا خوفَ بطشٍ *** فنفس الحُرِّ يجـرحُها انـحناءُ
وبطشُ الله لـــيــس لــه مــردٌّ *** وبطش العــبـدِ أقصاهُ انـتهاءُ
وحـكـمُ الظلم ليـس لـه دوامٌ *** وحكـم الحق شــيمـتُه الـبـقـاءُ
وغمضُ العين عن شرّ ضلالٌ *** وغضّ الطرف عن جورٍغباءُ
فجاهِر بقـول الحقِّ واصْـــبِرْ *** وعــند الله فـي ذاك الـجــزاءُ
بِقولِ الصدقِ أوصى أتـقـيـاءٌ *** بـقول الصدق أوصى أنـبيـاءُ
ولا تخــذلْ ضعيفا أو غـــريباً *** وعــندك قــدرةٌ ولـــه رجــاءُ
لئنْ تـبخــلْ بـمال أو بـعــلـــمٍ *** فـطبْـعُ الأكرَمين هو السّـخاءُ
وإنْ تـبذلْ بقرشٍ عــزَّ نـفــسٍ *** فـعِـــزّ النفس سومـته غــلاءُ
ويــمدحُ مادحٌ قـومًا لــكـــسبٍ *** ومِــــلءُ فـؤادِه لـــهُـمُ هـجاءُ
ولو نطقَ النـفاقُ بحرفِ رُشـدٍ *** فــقد لا يُعـــوزُ الغـيَّ الـذّكاءُ
وإن لبسَ الظلامُ لَبُوسَ ضوءٍ *** فـإن الفـسـقَ لـيس له حيـاءُ
وقد يبدو الخطيبُ وعاءَ عـلمٍ *** وكــــلّ كلامه عســلٌ صفــاءُ
فتحسبه أبرَّ الــنــاس لـكــــنْ *** إلى الإخلاص ليس له انـتماءُ
وإنَّ فــساده من شــرِّ جِـنْـسٍ *** وقــد عَــلِقـتْ بذِمَّـته دِمــــاءُ
وإنَّ الأمــنَ كلَّ الأمـنِ عــدلٌ *** يـُلاذ بظــلّه و به احـتـمـــاءُ
ورمز القسط قاضٍ قد تساوَى *** ذَوُو ضـعـفٍ لديهِ وأقـويــاءُ
وعينُ القسط مـيـزانٌ تساوَى *** أخو فــقـــرٍ لــديهِ وأغـنيـاءُ
فإن صلُحَ القضاء فـنمْ قريراً *** وإنْ فسدَ القضاء فما العزاءُ
وإن وَهَنَ القضاةُ طغى طغاةٌ *** سلاحهُمُ الخراب والاعـتداءُ
إذا ما الــرياءُ فـَـــشَا بــشعبٍ *** وأوشـك أنْ تُعاقـبه السمــاءُ
وأضـحى للمظاهر ألـفُ شأنٍ *** وغاب عن الجواهرِ الاعتناءُ
وأعدِمَتِ المروءةُ ليت شعري *** يُــشــيِّـعـها لمَـرقــدهـا رثـاءُ
وصاح الـجهل يعلو كل صوتٍ *** كدأبِ الــسَّـيلُ يعـلـوه الغـثاءُ
ونــُظـِّـم للسـفـاهةِ مهـرجـانٌ *** لـتعـبثَ بالأنـامِ كـما تــشــاءُ
وأمسى لِلِّــئام بهـم ضجـيـجٌ *** وأسْـنِـدَ للــقـراصنة اللِّـــواءُ
وطأطأت الرؤوس لهُمْ وهانتْ *** كـحال الليث ترْهَـبُه الظـِّبـاءُ
هلـمّوا ارتَعوا وارْعَوْا هـنيـئاً *** فعُـشـبُكم الـتَّـفاهة والهُـراءُ
وتيهوا في الهضاب وفي الروابي *** تُرافـقـكـم بَهـائِـمُـكمْ و شَـاءُ
ولا تسألوا عن أشياءَ أنــتــمْ *** لضُعفِ عُقولِكم مـنها بــراءُ
فمنْ يُزعِجْ يكنْ للسوطِ أهلاً *** ومَن يرضخْ يُصانُ ولا يُساءُ
وإنَّ سـيـوفـنا لـتَحِـنّ شـوقـاً *** لكسر عنادكـم و لهـا مَـضاءُ
فأفـــضَـلكُمْ لأبسطِـنا خديــمٌ *** وأشـرفـكُمْ لأحــقــرنــا فِـداءُ
لنـا الدنـيـا و زيـنـتـها وأنتـمْ *** سعـادتـكمْ شقـاوتــكـمْ سواءُ
لنـا الدنـيـا و زهرتـها وفزتمْ *** بجـنّـتـكـم فــنِعْـمَ الاكْــتـفـاءُ
فــلو شـبَّت لفرط الغـشِّ نـارٌ *** فلـن تُـجـدي لتخـمـدها دلاءُ
أوِ ِانهارت سقوفٌ فوقَ جَمعٍ *** فـدونـكمُ التـضرّعُ والدعــاءُ
دعُـونا من محاسبةٍ دعـونـا *** فتـلك خـُرافـة وَهْـــمٌ هــبـاءُ
دعُـونا من مساءلةٍ دعـونـا *** أصَـوْتكُـمُ نهـيـقٌ أم ثـُـغـــاءُ؟
ضمائـرنا تُـقايَضُ في مَـزادٍ *** فـبـيـعٌ أو رهــانٌ أو كـــراءُ
وفي ترفِ القصورِ لنا مجونٌ *** وفي حُضن الغواية الارتماءُ
تـداعبـنا الكواعبُ إن سهرنَا *** ويُـطـربـُنا إذا شِـئـنا غــنــاءُ
ونوغِــلُ في المآدب دون حَدٍّ *** ويـسعــِدنا نـديمٌ و احـتـسـاءُ
وفـي بذخ الثـراء لـنا نعــيــمٌ *** وفي دِفْءِ الحصانةِ الارتشاءُ
وأمـــوالٌ تُـــبـدِّدُها طـقــوسٌ *** وأعـــرافٌ تجــاوزهـا البِلاءُ
وقـيـل محاسنُ الأخلاق وهْمٌ *** وأذعنتِ الرقابُ لمنْ أساؤوا
لأقـزامٍ إذا دَهـمــتْ خـطــوبٌ *** عـمالـقـةٍ إذاُ وُضِـعَ الشـِّـواءُ
فلا تحزَنْ ولا يـغلـِبْــكَ يـــأسٌ *** وقمْ أصـلحْ ولو طـفـحَ الإناءُ
وقمْ أصلِح ولو مقدارَ شـِسْـعٍ *** وهل يُـجدي بلا شِسْـعٍ حذاءُ؟
ولا تحقِرْ من المعروف شيئاً *** وبالأجـزاء يكـتـمـــلُ الـبناءُ
ولو تخلـُد لزُهــدٍ طـــولَ دهــرٍ *** فلن يصنعَ التـاريخَ انـزواءُ
ولـن يـُـنجـزَ التجـديـدَ عـقـــلٌ *** طبيعـته الخُمولُ و الارتخاءُ
وعـند تلاحق الأحـداث ساهِمْ *** وكنْ سَمحًا إذا احْتَدمَ المِراءُ
فإن تسلُكْ دروب العنف جهلاً *** تلاقـيـك الضَّغــينة و العــداءُ
وعنفُ اللفـظ إذ يدمي جراحـاً *** فـحاذِر وَقـْــعَــه فهُـو الوبـاءُ
وفـي قِـيَمِ الجـمال فـلا تُفـرِّطْ *** فإنَّ الـرِّوحَ ينعـشها الـنقـاءُ
وكُنْ ضيفَ الروائع والقوافي *** فنِعمَ المُضيف ونِعـمَ القِـراءُ
وسلّح بالعلومِ بَنيـك واسمـعْ *** صدى صـوتٍ يُـردّده حِـراءُ
نـداءٌ يَـمـلأ الدّنـيـا إلـى مَـنْ *** مَطـيَّته البُراقُ و القَـصْواءُ
فـأمـسِـك بكـلِّ مِـنهجِـه وإلاَّ *** تَقاذفـُك الشكـوك والأهـواءُ
وعن سِحر البيانِ فلا تَسَلني *** ومن غيثِ البلاغةِ الارتواءُ
وفي يمِّ المعارفِ غُصْ ونقِّبْ *** فـلــمْ يُدرَك بـلا عِـلـمٍ نـمـاءُ
وأما الـبـرلمانُ فــلا تـراهــنْ *** عليه ولا يداعبْك انـتـشـــاءُ
فــراغٌ فـي مقـاعـده و هــزلٌ *** وتـضييعٌ للأمـانةِ وافـتــراءُ
هــنـا حــزبٌ يغـالـبه ســبـاتٌ *** هنا حـزبٌ فضـائحه عـــراءُ
وأحـزابٌ سـيُـنهِـكُها نـزيـفٌ *** كما جحدتْ جدودها أبـنــاءُ
وأحـزابٌ قـيـادتها احـتـكــارٌ *** فأين الإنتخابُ والاصطـفاءُ؟
وأحلافٌ قد اهترأت وشاختْ *** و لم يُسعِفْ تجعّـدها طـلاءُ
وأشباحٌ عن الجلسات غابـوا *** ويوم تَقاسُمِ الأمـوال جاؤوا
وأحـــبـابٌ يـمزقـهـم نـــزاعٌ *** وأشـتـاتٌ يـرقـِّـعـها لـــقــاءُ
فلا نـدري يســارٌ أم يمـــيـنٌ *** ولا نـــدري أمــــامٌ أم وراءُ
ولا نـدري عــدوّ أم صديــقٌ *** وكم دورٍ تَـقـمّـصتْ حِـرباءُ
وإن نكث اليسارُ يمينَ عهـدٍ *** فقد لا يحفظ المسكَ الوعاءُ
وقد هتفَ اليمينُ أتيتُ ركضاً *** على ظهر اليسار ليَ امتطاءُ
وبعضُ عزائمِ الزعَماءِ صخرٌ *** وبعض عزائم الزعَماءِ ماءُ
وبعض مواقف الأمواتِ حيٌ *** وأحـياءٌ بـمـوتِهمُ احـتـفــاءُ
وإنْ تبحَثْ عن العُقلاء تَـتْعَبْ *** ويعصِفُ بالتفاؤلِ الاستـياءُ
يـطالعُـك الخطابُ بألفِ وعدٍ *** وحين الحسمِ ينكشف الغطاءُ
فـتـسـألُ أين وعْـدُكمُ أجيبوا *** يُجيبُك الاضطراب والالتواءُ
وتـسـألُ هـل لـذِمّـَتكـم وفـاءٌ *** يُجيبك مَن سألتَ وما الوفاءُ؟
وتسألُ أنتَ تسْخرُ من ذكائي؟ *** يُجيبك يا مُغــفـَّـلُ ما الذكاءُ؟
وتسألُ قد سمعتَ فلا تُراوغ *** يُجيـبك قدْ جـفانيَ الإصغـاءُ
وتـسـألُ مَنْ بأيـديهـمْ قـرارٌ؟ *** يجيـبك قد تـعــذر الإنــبــاءُ
وتسألُ والكرامة ُيا صديقي؟ *** يُجيبُك لمْ يـعُــد لي أصدقـاءُ
فتمضي حائرًا يا ويح قومي *** ما هذا السَّـقام وما الوقــاءُ؟
أوَقـْـرٌ عَـطـَّل الأسـماعَ مِـنّا *** ورَان على بصائرنا غِـشاءُ
أًصُـفِّدتِ الـمفاهــمُ في قــيـودٍ *** ولم يكفِ الخديعةَ الاستـلاءُ؟
لــئنْ تهجرْ معاجِمَها المعاني *** فـلــن يَـبـقى لأقـلامٍ غِــــذاءُ
ومـا ذنـبُ الحـداثة أثخـنـوها *** وهل يُخفِي الجريمةَ الاختفاءُ؟
وهل سَلْب الإرادةِ صار فرضاً *** وخلف السِّترِ يَقـبعُ أذكـيـاءُ
وما حَسْبُ المبادئ من جحودٍ *** وهل قَـَدَرُ القواعد الازدراءُ؟
وإنْ تلُمِ المواطنَ عن عزوفٍ *** فقد قُطِعَتْ مع النخبِ الرِّشاءُ
وإن أجـهـضـوا الآمال غدراً *** فـغـدرهُمُ سيُجهـضه الإبــاءُ
وعهدُ المخلصـين يـُبَـرّ دومـًا *** وعهــد المكر يُخطِئه الوفاءُ
وكــلّ عـلـيلة تُـشـــــفى بطِـبٍّ *** وحــبّ المال ليسَ له شفـاءُ
تبايـعُهُ الـقـلـوب ولا تُـبـــالـي *** لـسلـطـته عـــبـيدٌ أو إمــاءُ
وعشقُ الحُكم إذ يـُطغِي رجالاً *** إذن تســـعى لـتأسرهم نساءُ
وذو الكـِبْر لا يُصـغي لـنُـصـحٍ *** وذو الـعُجـبِ يزعـجـه النداءُ
ومن يضجرْ بهَمس النقدِ تيهاً *** و تــُغريـه البطانة والـثـنــاءُ
يـقـول أنا الكـمال أنا الـثـريَّا *** ومن قـَبَسي مَعالمكم تـُضـاءُ
وأفــضالي تنوءُ بهـا مُتـونٌ *** ولا يُـطيقُ شمائلي الإحصاءُ
فـيـصبح هائماً بالمدح عـبدًا *** ويَـغلـبه التضايقُ والجــفاءُ
يـبـرِّئُ نفسهُ من كلِّ عـيــب *** وأعــظـم عـيبـه ذاك الـبراءُ
فإن مــناقـب العظماءِ حِـلــمٌ *** وَأخْـــٌذ بالمشورةِ و اهـتـداءُ
وخيرُ طـبائع الحـكـماءِ رفــقٌ *** وسَـمْـتُهُمُ التواضع و الحياءُ
وحَقـل الفــكر بالأضـدادِ ينمو *** قــِوامُ نـشـــاطه نـَعَــمٌ ولاءُ
وإن تـعَـدّدَ الأقــوال فــضــلٌ *** وكــسبٌ للجماعة و اغـتنـاءُ
وما نجحـتْ أُمـمٌ سوى بصـدرٍ *** فسيحٍ وقد أُقـْصِيَ الإقصـاءُ
فلا تُلـبِـسْ لذي عــلمٍ لجامــاً *** فــما ضاقـت بأنجُمها سماءُ
ولا تفرضْ على صُحفٍ رقيباً *** فـــإن رقــــابـــة الآراء داءُ
ولو تـــسلَّـلَ للإعـلام رهْـــٌط *** بـضاعته السخافـة والغـباءُ
فلا تذهلْ إذا صادفت جسمـاً *** وداخلُ عــقـله قَــفــرٌ خـلاءُ
لعلَّ رســالـة الإعـــلام نبـــلٌ *** ووعي بالحضارة و ارتـقاءُ
وشـأن الدهر يسرٌ بعـد عُسـرٍ *** ورغـد العـيش يتلـوه ابتلاءُ
تحاصرُك الشـدائـد ذاتُ بأسٍ *** ويُفرجها إذا انفـضَّت رَخاءُ
ويبصرُكَ الصباحُ عزيزَ قـومٍ *** ويسخَرُ من مذلتك المســاءُ
ويلقاك المصيفُ أنيسَ صَحْبٍ *** فهل يأسى لوحشـتك الشتاءُ
وكنـــتَ مؤازَراً بــأخ وأخــتٍ *** فـلم يُعجِــزِ الحَـتـفَ الإخــاءُ
وإن تعجبْ فـيَا عجـباً لِمــيـمٍ *** تــستّـَر خـلـفَـها واوٌ وتـــاءُ
وإن تــسـألْ فـما أنــباءُ بـاءٍ *** تحـلّـَق حـولـها قــافٌ وراءُ
فإنْ يكنِ الحرير كـساءَ عُمْـرٍ *** فيومَ الحشر يُعوزك الكساءُ
وإنْ تلبَسْ لعــيشـك ألف نعـلٍ *** فيوم الفصلِ يُدميك الحـفـاءُ
ويــومُ الفصـل ما أدراك يومٌ *** حـرامٌ يَـنفـعُ الجـاني دهــاءُ
وسُـعِّرتِ الجحـيمُ لها لـهـيـبٌ *** وأزلِــفـتِ الجِنانُ لهـا بهـاءُ
فإن تتبعْ خطى الشيطان تندمْ *** تعشْ ضنكاً و يرهِقـْك العماءُ
وإن تلزمْ هُدى الرحمان تَسعدْ *** فرضوانٌ وفردوسٌ عــطـاءُ
ومَنْ يَـلجَـأ لـنـور الله يُـفــلِـحْ *** ونـــور الله لـيس له انطفاءُ
وأخـتمُ رافعـاً كـفـِّي إلـى مَـنْ *** على عرش الجلال له استواءُ
فـكـلُّ بــــــدائـــع الأكــوان آيٌ *** تـسبِّحُ حـمـدهُ و لــه الــولاءُ