كان النبي صلى الله عليه وسلم يشاور زوجاته في أمور بيتهن، بل لقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأي أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها في أشد الأوقات في صلح الحديبية، يوم أن منع من إتمام العمرة، وإصرار الكفار على عودته دون الدخول لاداء العمرة، فلقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يقوموا فينحروا ويحلقوا، فما قام منهم رجل حتى فعل ذلك ثلاث مرات، فلما رأى ذلك دخل على أمة سلمة رضي الله عنها، فذكر لها ما لقي من الناس، فأشارت عليه أم سلمة أن يخرج للناس ولا يكلم أحدًا منهم حتى ينحر بدنته ويحلق هو أولًا، فخرج وفعل ما أشارت به أم سلمة، فلما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضًا حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا غمًا.
فانظر إلى حصافة رأي أم سلمة رضي الله عنها، وانظر إلى أخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأيها، فعليك أن تتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم، فشجع زوجتك على إبداء رأيها، واشكرها إذا كان رأيها صوابًا وأظهر لها بلطف ولين ورفق أركان الموضوع إذا كان رأيها معارضًا ولا يخرج النقاش في أي موضوع عن حدوده، فينقلب إلى مشاحنة، بل الأولى أن تعلمها بهدوء وروية) [المفاتيح الذهبية في احتواء المشكلات الزوجية، نبيل محمد محمود، ص(315،316)، بتصرف].
أخي الزوج:
كثيرًا ما تسعى في أحيان عديدة إلى فعل أشياء لكي تملك قلب زوجتك، وإذا تأملت في القصة السابقة، ستجد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد عرف الوصول إلى قلب زوجته أم سلمة رضي الله عنها من خلال أخذ رأيها في أمر من الأمور العظام، ولذا سنحاول في هذا المقال أن نوضح بعض الطرق لكي تستطيع الوصول إلى قلب زوجتك فتملكه.
1. استشر زوجتك تملك قلبها:
اعلم أخي الزوج أن زوجتك تحمل شخصية مستقلة، لها أراؤها وأفكارها التي تناسبها، ولكنها في الغالب رقيقة المشاعر والعواطف، وهي في ذات الوقت سهلة القيادة لمن يحسن فن القيادة، فمن السهل أن تحركها للهدف الذي تريد إذا استطعت أن تستحوذ على عواطفها، وتسيطر على وجدانها، وتسير عبر أفكارها إلى ما تنشد، فإن الزوجة لا تعكر على زوجها الحياة، لأنها تكرهه، ولكنها تفعل ذلك تحت ضغط الظروف النفسية، والجسمية بسبب طبيعتها كأنثى، فالضعف يولد القلق وآلام الدورة الشهرية وظروفها تدفع إلى العصبية وضوضاء الأولاد يقضيى على رصيد المرأة من الصبر والقدرة على التحمل، وإن المرأة تتمنى أن تدفع بالكثير لتسمع من زوجها شعورها نحوها وإحساسه بها، وتقول في نفسها: كم أتمنى أن يهديني زوجي كلمة إعجاب واحدة لأعلقها وسامًا غاليًا في منزلي، وهي تتألم من جفاء زوجها وعدم إحساسه بها.
فإذا أردت أخي الزوج أن تكسب زوجتك وتحوِّل الزواج إلى سعادة تلو سعادة، فلابد أن تعامل زوجتك معاملة إنسانية فتستشيرها في أمورك وتشركها في قراراتك وتجلس معها لتبث لها همومك، وتسمع منها همومها، تمزح معها وتمزح معك، وتشعرها بأنها صديقتك وتعف عن التحقير وتعتذر إن أخطأت بحقها، وتخبرها إن تأخرت خراج المنزل، وتقدم لها الهدية بين فترة وأخرى، وتحرتم آراءها واقتراحاتها.
فالعاقل هو الذي يحقق كل ما يراه فعالًا في جعل زوجته تحس بالاحترام والكرامة في عشرتها معه، لأن إكرامها دليل على الشخصية المتكاملة للرجل وإهانتها دليل على نقص شخصية الرجل، فشاور زوجتك في الأمور واحترام آرائها واجعلها تشعر أنها شخص مهم بالنسبة لك.
2. أكثِر من مدحها وافتخر بها:
تحب المرأة أن تشعر بأن زوجها معجب بها، في أسلوب تفكيرها، وبأناقتها، وبطريقة تصفيف شعرها، وبذوقها في انتقاء العطور التي تضعها، وبشخصيتها.
قصة توضح المعنى:
يُحكى أن امرأة قروية أتت يومًا بكومة من علف الغنم، ووضعتها أمام رجال عشيرتها بدلًا من الطعام، فصرخ الرجال في وجهها وقد أحسوا أنها قد أصيبت بالجنون، فما كان منها إلا أن قالت لهم وما أدراني أنكم ستلاحظون الفارق؟! لقد ظلتت أطهو لكم طعامكم ثلاثين سنة، فلم أسمع منكم طوال هذه المدة ما يطمئنني إلى أنكم تفرقون حقًا بين الطعام الجيد، وعلف الغنم.
أخي الزوج:
عندما تطهو لك زوجتك في المرة القادمة، اللحم المحمر، أظهر لها إعجابك بطريقة طبخها، ودعها تحس أنك تفرق بين علف الغنم والطعام الجيد، (أعطِ نفسك اليوم قدرًا من الوقت، وفكر في شريكة حياتك، فكر في الأمور التي تقوم بها حتى تجعل حياتك أفضل وأسهل وأكثر احتمالًا، فكر في كل مواهبها وصفاتها وطباعها الطيبة، وعندما تراها المرة القادمة فاجئها بالإطراء وأنت تتحدث معها واجعل تقديم الإطراء والمجاملة جزء هامًا من حياتك) [لا تهتم بصغائر الأمور في العلاقات الزوجية، ريتشارد كارلسون، ص(117)].
واجعل زوجتك تشعر دائمصا بأنك فخور بها، وأعلن ذلك بين الحين والآخر، خاصة أمام أولادك، فذلك يشعرها بفرحة غامرة ويعمق إحساسها بذاتها، ذلك أن المدح أمام الآخرين يفوق تأثيره تأثير المدح الشخصي أضعافًا كثيرة.
شروط لا تنساها:
هناك شروط تضمن لك أن يؤتي الفخر والمدح بالزوجة نتاجه وهو:
ـ أن تقوم بذلك وأنت على طبيعتك وبنية صادقة، حتى لا يظهر ذلك بأنه تمثيل ونفاق.
ـ ألا تستخدم المدائح المقارنة مثل أن تقول (هذا الثوب الوردي يناسبك تمامًا، وهو أفضل بكثير من تلك ذلك الملبس المضحك الذي كنتِ ترتدينه بالأمس) [بلوغ النجاح في الحياة الزوجية، كلاوديا إنكلمان، ص(144)].
3. التلطف واللين والمرح:
(من أعظم وسائل امتلاك قلب الزوجة، التلطف في معاملتها، ومن أعظم مظاهر هذا التلطف، المسارعة في إدخال السرور عليها، بعبارة حانية مملوءة عاطفة من خلال ورقة تتركها لها، أو بشيء من الترفيه البريء والمزاح الجائز، أو من خلال مساعدتها في شيء من الخدمة المنزلية ونحوها.
ولقد نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في معاملته لعائشة رضي الله عنها ذلك وهي الفتاة صغيرة السن، فكان لطيفًا معها، وكان يُدخل السرور عليها بعباراته وأفعاله، حتى كان يقوم لها ليسترها لتنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد حتى ترضى، وهو صابر لها، ربما جلس لها يحادثها قبل صلاة الفجر، ويلاطفها حتى يأتيه المؤذن وربما امتدح جمالها) [أخلاق الفتاة الزوجية، د. عدنان حسن باحارث، ص(137-138)، بتصرف].
أخي الزوج:
تتمنى الزوجة منك أن تلاطفها أثناء التعامل اليومي، وهذه الملاطفة والمداعبة والملاعبة عبادة تؤجر عليها إذا ما نويت بها وجه الله عز وجل أما سمعت يومًا من الأيام عن نبيك صلى الله عليه وسلم وهو يلاطف ويداعب أزواجه ويراعي شعورهن، أما قرأت في سيرته العطرة الطاهرة كيف كان يجلس معهن ويقلب النظر إليهن ليُمتعهن ويتمتع بهن وهو من هو القائد الأعلى والزوج الأكمل، ولم لا وهو القائل في الحديث الصحيح(كل شيء ليس من ذكر الله فهو لهو ولعب، إلا أن يكون أربعة، وذكر منها، ملاعبة الرجل امرأته) [صححه الألباني].
ولذا يجب عليك أخي الزوج أن تكون رفيقًا في التعامل مع زوجتك لينًا معها، فالرفق هي الرائحة العطرة التي تضفى على الحياة الزوجية معاني السعادة والفرح والسرور (فلذا ينبغي أن يكون الزوج ، سهلًا في التعامل، لينًا في الكلام، قريبًا في المشاعر حتى يستطيع أن يستوعب الآخر، وتهدأ العاصفة وتنتهي المشكلة، لأن الرفق ما كان في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شانه، وكم من مشكلة زوجية كانت كبيرة ومعقدة، ولكن الرفق سهَّلها وبسطها وصغرها، وكم من مواقف زوجية بدأت بعناد وغضب وصراخ، ولكن اليسر واللين كان هو الدواء الشافي لهذه المواقف، وكم سمعنا عن أزواج بعد حياة زوجية طويلة يشكرون زوجاتهم على صبرهن عليهم، وكم سمعنا من زوجات يشكرن أزواجهن على حلمهم وسهولتهم في استيعاب غضبهن وشدتهن، فالحياة الزوجية كلها مواقف إما لك وإما عليك، والذكي هو من أعد عدته الخاصة للتعامل مع هذه العواصف الطارئة على سفينة الزواج، وخير أنواع العدة، اليسر واللين والرفق)