الشعر المسرحي حديث العهد في أدبنا العربي .. ويعد أحمد شوقي رائد هذا الفن ..
وقد طرق بابه قبيل مطلع القرن العشرين بمسرحيته ( علي بك الكبير ) أثناء إقامته
في باريس وصور فيها عهد المماليك .. و لكن شوقي ترك هذا الفن قرابة الثلاثين
عاما إلى أن عاد إليه سنة 1927 وأعاد كتابة مسرحيته ( علي بك ) حيث تعد
هذه الصورة الجديدة البداية الحقيقية للفن المسرحي الشعري المعاصر .. وظل هذا
اللون من الكتابة الشعرية يشغله حتى وفاته عام 1932 .. وكتب في هذه
الفترة ست مسرحيات شعرية منها خمس مآس ٍ وملهاة واحدة .. وهي :
علي بك الكبير .. مصرع كليّوباترا .. مجنون ليلى .. عنترة ... قمبيز .. الست هدى
وهي الملهاة الوحيدة في مسرحياته الشعرية .
..
وقد استمد شوقي موضوع مسرحياته من التاريخ وعالج فيها بعض القضايا التاريخية ..
وفسر من خلالها فهمه الخاص للمشكلات القائمة .. وفي بعض مسرحياته أبرز
بعض القيم مثل الوفاء والتضحية وصوّر بعض بعض العادات والقيم الاجتماعية .
..
..
وبعد شوقي جاء عزيز أباظة الذي واصل مسيرة الفن المسرحي الشعري ..
وقد عاصر أباظة ( شوقي ) في حياته ويبدو أنه تأثر بمسرحياته وأفاد منها .. ويرى
النقاد أنه فاق شوقي في هذا الفن كمّا وكيفا .. وأشهر مسرحياته :
قيس ولبنى .. غروب الأندلس .. العبّاسة .. الناصر ..
شجرة الدر .. شهريار .. قافلة النور .. أوراق الخريف .
.
وهناك أيضا فاروق جويدة الذي كتب ثلاث مسرحيات شعرية هي : الخديوي ..
دماء على أستار الكعبة .. الوزير العاشق .
جزء من المشهد العاشر من الفصل الثاني في مسرحية ( الوزير العاشق )
لفاروق جويدة .
.
الشخصيات : الملك ... وزيره ربيع .. عبدون أحد رجال الملك .. *** زيدون ..
ولادة بنت المستكفي حبيبة *** زيدون ..
أبو حيان المؤرخ ..
..
" ترتفع أصوات وهتافات وصراخ فوق المسرح أمام قصر الملك بعد أن أغمد
عبدون سيفه في ظهر *** زيدون "
.
.
أبو حيان : مات الحبيب وسافر الحلم الذي عشناه
الحلم سافر يا رجال ..
.
ولاّدة : الآن هل أبكيك أم أبكي
على وطن تم** بين أيدينا وضاع ؟!
أطفالنا .. ونساؤنا .. أعراضنا ..
الكل ضاع مع الفساد ..
من ينقذ الإسلام .. من هذا الضياع ؟!
من ينقذ الوطن المم** يا رجال ؟!
.
ربيع : والآن عادت قرطبة ..
قد طال فينا الشوق
أعوامنا مرت كأطول ما يكون العمر
شوق طويل عشته ... شوق طويل
عادت لنا بعد الغياب ديارنا
.
ولاّدة : أتصدقون بأن سمسارا يقود الجيش ..
يبيع أسلحة .. وأمجادا .. وأوطانا ..
ويجهل ما يبيع ؟!
.
الكورس : لا ... ليس يجهل ما يبيع ..
فالناس تعرف ما يباع ..
أوطاننا .. أعراضنا بيعت هناك .
.
ولاّدة : يا سادتي .. الناس بيعت في القبور ..
.
أبو حيان : تاريخنا قد بيع جهرا في شوارع قرطبة ..
الأرض بيعت من زمن
والناس لا تدري الثمن
.
ولاّدة : حكامنا باعوا الوطن
يا حسرة على العرب
حكامنا باعوا الشعوب بلا سبب
.
أبو حيان : لا .. بل هنا يقع السبب
الكل يحلم أن يكون هو الزعيم ..
ولاّدة : والشعب .. !!
.
الكورس : يذهب للجحيم ..
.
ولاّدة : هزمت جيوشك يا زياد ..
ويحي وويح الناس والإسلام من زمن الفساد
الأرض ضاعت بالفساد ..
.
أبو حيان ( متجها للقبلة ) : أنا يا رسول الله أبكي كلما
ولّيت وجهي نحو قبلتك الشريفة ..
فالذنب في عنقي كبير ..
الملك ضاع
والأرض ضاعت ..
.
زياد : حكامنا باعوا الوطن ..
باعوا الأمانة في طريق الزيف
والإثراء .. والمال الحرام ..
سرقوا الشعوب بلا حياء !
.
أبو حيان : أنا يا رسول الله أبكي
حيث لا يجدي البكاء ..
ماذا يفيد إذا بكيت العمر
والناس ترحل !
تترك الأمجاد والوطن العظيم !
.
ولاّدة : الآن في صمت تتوه مآذن الإسلام ..
جيش الفرنجة في شوارع قرطبة ..
الآن تصمت في مآذننا الصلاة ..
الله أكبر .... هل تغيب ؟!
الله أكبر .... هل تموت على الشفاه ؟!
لا يا رسول الله
لا يا رسول الله
..
..
" ولاّدة وأبو حيان على المسرح كالمجنون يبكي ويصيح والشعب معه يصيح " :
.
الله أكبر لن تغيب
الله أكبر لن تغيب
الله أكبر لن تغيب
..
هذي المآذن لن تغيب صلاتها
لا لن تغيب ..
هذي المآذن لن يغيب دعاؤها
لا لن يغيب ..
سيظل دين الله يجمع شملنا ..
مهما افترقنا أو تضاءل عزمنا ..
سيظل دين الله يجمع شملنا ..
..
..
" ستار "
.