صعقت من حجم المبلغ الذي تهرب آل ساويرس من دفعه للضرائب عن أرباح بيع صفقة شركة أوراسكوم بيلدينج إلى شركة لافارج الفرنسية والتي حققت أرباحًا بنحو 68 مليار جنيه.
النائب العام المستشار طلعت عبد الله، النشط جدًا في مطاردة الفساد والفاسدين ولذلك يتعرض لحرب شعواء بهدف إقالته، أصدر قرارًا بوضع رجلي الأعمال أنسي نجيب ساويرس، رئيس مجلس إدارة شركة أوراسكوم للإنشاءات والصناعة، وناصف أنسي، نجيب ساويرس المدير التنفيذي للشركة على قوائم الممنوعين من السفر، في ضوء الطلب المقدم من النيابة العامة من الدكتور المرسي حجازي وزير المالية لتحريك الدعوى الجنائية ضدهما والتحقيق معهما في ضوء ما هو منسوب إليهما من أداء ضرائب مستحقة عليهما تقدر بنحو 14 مليار جنيه عن الأرباح المشار إليها.
فتحت عيني وأغمضتهما عدة مرات ظنا بأن هناك خطأً في الرقم. تجولت في عدة وسائل إعلامية وقرأت كل التقارير فتأكد لي أن ما أقرأه صحيحًا، وحتى لا يلتبس الأمر على القراء فإن هذه الضرائب كانت مستحقة في عام 2005، أي في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، والمعنى هنا أن الرقم صار أضعافًا مضاعفةً إذا حسبنا الفوائد وغرامات التأخير، ويمكنك أيضًا أن تقارن بين قيمة الجنيه في ذلك الوقت وبين وقتنا الحالي لتحسب كما خسرت الخزينة العامة للدولة، في وقت يتباكى فيه رجال الأعمال من عينة هؤلاء، وتتباكى القوى السياسية على النزيف المستمر في الاحتياطي النقدي والأزمة الاقتصادية الخانقة التي تتعرض لها مصر.
كم مصنعًا أو مشروعًا كان يمكن أن يفتحه هذا المبلغ الضخم ليشغل آلاف الخريجين الذين يعانون من البطالة، كم بيتًا كان سيأوي الغلابة الذين ينامون في المقابر، كم قطعة خبز كانت ستدخل أفواه الفقراء والمساكين؟!
بينما يتهرب آل ساويرس من دفع حق الدولة والمجتمع عليها، نراهم ينفقون أموالاً ضخمة على قناتي (أون تي في) اللتين تنصبان كاميرات في كل شوارع وحارات مصر المحتقنة لتنقلا كل مظاهرة واحتجاج وحريق وقطع طريق مع استضافة المعلقين الذين يتقاضون منهما أجورًا نظير التخويف والتهويل ونشر الإحباط من الديمقراطية، بل واستدعاء العسكر للسلطة، مع أن القناتين كانت تكيلان لهم الشتائم قبل انتقال السلطة منهم إلى الرئيس المنتخب، وتتوسعان في استعادة فيديو الفتاة المسحولة المتعرية، وتنشران الفتنة الطائفية عبر الحديث عن حرق الكنائس ودهس دبابات الجيش للمتظاهرين الأقباط أمام ماسبيرو!
لم يبكِ دعاة إنقاذ الاقتصاد على هذه الأموال الضخمة المستحقة لميزانية الدولة، بل راحوا يتحدثون عن خطر هروب الاستثمار، مثل السيد عمرو موسى الذي طرح مبادرة قبل أسابيع بما يشبه "خطة مارشال" للاستدانة من بعض الدول لإنقاذ الاقتصاد المنهار، ثم رأيناه أمس يصرح بخطورة ما اتخذه النائب العام تجاه آل ساويرس، كأنه حق للمستثمر أن يربح ويبيع ويستفيد من مرافق وإمكانيات الدولة ولا يدفع شيئًا، ويجب علينا أن نقبل ذلك صاغرين خشية أن يخرج باستثماراته!
إنها الازدواجية في الخطاب السياسي والإعلامي التي نعاني منها الأمرين، فالأحزاب الليبرالية التي تدعي وصلا بحقوق المصريين والدفاع عنها مثل "المصريين الأحرار" انتقدت مطالبة آل ساويرس بحق الدولة والمجتمع، وبعض منظمات حقوق الإنسان وأصحابها مثل حافظ أبو سعدة اعتبرت منع سفر الاثنين غير قانوني، والمواقع والمحطات التليفزيونية هاجمت وزير المالية الذي يريد تحصيل حق لا تتراجع عنه أي دولة تحترم سيادتها وقوانينها، ورواد الفيسبوك وتويتر نصبوا مناحتهم المعتادة.
هل نستطيع أن نفهم الآن لماذا يتمسك بعض رجال الأعمال وحوارييهم من الإعلاميين والسياسيين بإقالة النائب العام، واستدعاءهم المستمر للعسكر للاستيلاء على السلطة طمحًا في نسخة ثانية من نظام مبارك؟!