كما أن هناك تجار حروب يحققون من ورائها كسبًا ماديًا، فهناك أيضا تجار مصائب ينتهزون وقوعها بغية تحقيق كسب سياسي، أو تصفية حسابات، أو الإمعان في العداوة، أو المبالغة في ادعاء الوطنية، كما حصل من البعض في حادثة خطف الجنود السبعة في سيناء صباح الخميس.
لم يضع تجار المصائب وقتًا وقبل أن تتكشف أي معلومات أخذوا يوجهون الاتهام سريعًا للرئيس بأن العملية هي حيلة لإقالة وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي.
على الأقل كان عليهم الصبر قليلًا وعدم استباق تحقيقات الأجهزة الأمنية قبل قذف استنتاجات تثير مزيدًا من الفتن والبلبلة وتحاصر الرئاسة وجماعة الإخوان بأبشع الاتهامات وكأن هؤلاء الناس ليسوا آدميين أو مصريين.
الاختلاف مع الرئيس وجماعته مشروع، والنقد العاقل يمكن أن يصل لأقصى درجة، لكن يجب التعقل قبل إطلاق اتهامات خطيرة ترقى إلى درجة الخيانة العظمى في حق الوطن، ومهما كان الخلاف مع مرسي والإخوان، أو أي تيار سياسي آخر فلا يجب أن يصل الأمر لمرحلة العداء الاستئصالي، وإغلاق الأبواب تماما في وجه العودة، فالسياسة فن الحوار مع الخصم، وليس هناك عداوات أو صداقات دائمة فيها.
بمنطق هؤلاء هل يعقل أن يكون رئيس مصر هو رئيس عصابة يخطط سرًا لخطف جنوده رغم أنه المسئول الأول عنهم وهو قائدهم الأعلى لكي يقيل السيسي؟ لو صح ذلك فإنه سيكون تفكيرًا شيطانيًا وسيكون أكثر من 13 مليون مصري تعرضوا لخديعة غير مسبوقة عندما اختاروه رئيسًا، لكني لا أعتقد أن يكون الرئيس والرئاسة بهذا الوصف والنهج والتفكير.
نفس الانتهازية والعدائية من تجار المصائب وظفوها في استشهاد جنودنا الـ 16 في رمضان الماضي حيث لما اشتدت الحرب مع الرئاسة والإخوان زعموا أن قتلهم كان خطة مدبرة ليتخذها مرسي ذريعة للإطاحة بالمشير طنطاوي والفريق عنان، فهل نحن في دولة مافيا بلا أجهزة وطنية عميقة حتى تسكت عن جريمة كبرى مثل هذه، أم أن تلك الأجهزة شريكة هي الأخرى في الجريمة ؟.
الذين يروجون لمثل هذه الاتهامات كانوا ممن يحتمون بالمشير والفريق، وكانوا يريدون الإبقاء على حكم المجلس العسكري لتظل ازدواجية السلطة قائمة، وتبقى مصالحهم، وهم ليسوا مؤمنين بالديمقراطية والحرية، فهم كانوا مع الاستبداد، وسيبقون معه لذلك لا نستغرب أن يظلوا من أشد المطالبين بعودة الجيش للحكم، والتهرب من أي استحقاق انتخابي.
هم لم يكونوا يتهمون مرسي والإخوان آنذاك بالتورط في قتل الجنود للإطاحة بالمشير، لكنهم وبأثر رجعي صاروا يوظفون تلك الحادثة الأليمة في إطار حربهم مع هذا الخصم، وأضافوا إليه حماس، لأنها تنتمي فكريًا للإخوان، بل صاروا يدعمون النظام المجرم في دمشق علنًا، لأن الإخوان شركاء في الثورة عليه.
هل الإخوان كارثة كبرى على مصر وصلوا السلطة للتآمر على الثورة والداخلية والجيش والمخابرات والأزهر والقضاء والإعلام والأحزاب والمرأة والجمعيات الأهلية والعمال والفلاحين وكل جهاز ومرفق وفئة في مصر؟.
كيف إذن وثق فيهم المصريون ومنحوهم أكثرية مجلس الشعب، وأغلبية الشورى، وكيف أوصلوا مرشحهم للرئاسة، وكيف أيدوا الدستور الذي وضع في عهدهم، وكل ذلك وغيره حصل في انتخابات عامة تحت حكم الجيش، وشارك فيها خصومهم، وتجار المصائب، ورجال النظام السابق؟.
هل يتعرض الشعب المصري لأكبر وأوسع خديعة في حياته؟.
أظن أنه من المستحيل على الإخوان، أو على غيرهم من التيارات والحركات والأحزاب أن يفرضوا أنفسهم على الدولة المصرية، وعلى الشعب المصري، وأن يتمكنوا منهم ويغيروا طبيعتهم وهويتهم وتاريخهم ويأخذونهم إلى فكرهم ومنهجهم بقوة السلطة.
مصر دولة لا يمكن ابتلاعها من أي تيار، وشعب مصر متنوع وثراؤه في هذا التنوع، ولا يمكن تلوينه بلون أي تيار كما لا يمكن خداعه أو التعامل معه كقطيع.
لكن التخوين الذي يسيطر على العقول لن يجعل الوطن يصفو أو يستقر، بل سيكون مصيره إلى هاوية يسقط فيها الجميع.
سبق وشهدت سيناء عمليات إرهابية شنيعة عديدة غامضة في عهد مبارك ولم يخرج تحليل واحد ولا صوات واحد يشذ عن البيانات الرسمية لوزارة الداخلية، لأنهم كانوا يعلمون مصير من يختلف مع النظام في قضايا الأمن والإرهاب خصوصًا، فقد كان كلام النظام مقدسًا لدى رجاله ومعارضيه المستأنسين، أما اليوم فإن هناك فرقًا تذهب إلى آخر مدى في دق طبول الحرب، وإشعال الصراع الأهلي، وبث الكراهية والحقد لدرجة اتهام رئيس الدولة بقتل وخطف جنوده، ونحن نريد أن نعلم هل الرئيس متورط فعلا، أم أن هؤلاء كاذبون، وبالتالي يحاسب من يثبت إدانته، أو كذبه، فمثل هذا الكلام الثقيل لا يجب أن يلقى على عواهنه.
أيها التجار، اتقوا الله في وطنكم، وفي أنفسكم.