ظهر جليًا عقب انتصار مؤسسة الدولة الواحدة فى عملية تحرير الجنود المختطفين أن المشاغبين يشعرون أنهم فى الأمتار الأخيرة من معركتهم لإسقاط النظام والتى فشلت فى تحقيق أى مكاسب رغم مرور حوالى سنة على بدايتها. وهم يضعون أقدامهم على الأمتار الأخيرة صاروا أكثر يأسًا وإحباطًا. تنفلت ألسنتهم بدون ضوابط فيقعون فى المحظور. أحدهم الذى أظهرت ملفات أمن الدولة بعد اقتحام مقرها الرئيسى عقب ثورة يناير علاقته الوثيقة بالجهاز، تهور وفقد أعصابه متهمًا الجيش بالخيانة إذا ترك يوم 30 يونيه القادم يمر دون انقلاب عسكري. اتهام الجيش بالخيانة سقوط غاشم مررته إحدى قنوات الليل التى كانت تستضيفه مع ابتسامات بلهاء من المذيع. وأنا أستمع لذلك الهجوم المزرى ضد القوات المسلحة وقائدها العام بسبب الإخراج النظيف والمبهر لعملية كانت من الممكن أن تخلف كارثة غير مسبوقة، قلت لنفسي: لعل التشابه بين قنوات الليل وبين علب الليل أن الإنسان الحاضر فيهما هو "زبون" فاقد للسيطرة على عقله واتزانه فلا يدرى ما يهذى به لسانه. وصل هذا الكائن الليلى إلى أعلى درجات الهذيان بصوت زاعق متهجمًا على الفريق أول عبدالفتاح السيسى بسبب تصريحه بأن الجيش لن ينزل إلى ميدان السياسة، وعلى المعارضة أن تقف فى طابور الانتخابات، بل اعتبره متهاوناً ومقصرًا فى حماية الأمن القومى بسبب قوله ذاك، كأن الأمن القومى معناه أن يدخل الجيش قصر الاتحادية ويقبض على رئيس الجمهورية معلنًا الانقلاب العسكري. ليس هذا فقط.. اتهامات الخيانة والتقاعس ضد الجيش والسخرية من أدائه فى تحرير المختطفين تجاوزت ما هو لفظى من الشتائم إلى اختلاق قصة سفر السيسى إلى أنقرة، ومنها إلى اسطنبول ليجتمع ساعتين برعاية تركية مع خيرت الشاطر الذى كان قد سبقه إليها. المعنى أنه حدثت صفقة بين الاثنين. ابتعاد الجيش تمامًا عن الشأن السياسى مقابل استمرار السيسى فى منصبه. بعدها عاد ليعلن تصريحه الذى صدم المراهنين على الانقلاب وأعقبت ذلك عملية اختطاف الجنود. لست أدرى إلى أى حد ستصل الجرأة على جيش وطنى قوى متماسك؟ وإلى أى حد سيسمح رجال البزنس لقنواتهم الليلية بتجاوز الخطوط الحمراء؟ لكنى واثق أنها لغة الإحباط واليأس، وأن المشاغبين الذين أبرئ لفظ "المعارضين" منهم، وصلوا إلى نهايتهم، وأن معركة الأمتار الأخيرة التى تبلغ ذروتها كما يخططون لها يوم 30 يونيه القادم هى معركة حياة أو موت. كان تحرير الجنود سقوطهم الكبير، وقبلها تصريح السيسى وبيان مشيخة الأزهر، وأكمل عليهم البابا تواضروس يوم الخميس الماضى فى النمسا بقوله الصادم أيضًا لهم: "نرفض أى تدخل خارجى لحل مشاكل الأقباط فى مصر، لقد تلقينا الكثير من الوعود الطيبة من الرئيس مرسي، نحن نستطيع حل مشكلاتنا فى الداخل بين أبناء الوطن الواحد، خاصة أن الأوضاع فى مصر تبشر بالخير وتميل إلى الاستقرار". رسم البابا صورة وردية للأوضاع فى وطنه تعرى كذب قنوات الليل وزبائنها.. قال: "أطمئن جميع أقباط مصر فى الداخل والخارج بأن مصر بخير ونأمل أن تسير الأمور إلى الأفضل، وأن يتحقق الاستقرار والسلام فى ربوع البلاد. الأقباط وطنيون ومتمسكون بوطنهم ومحبون لمصر، والأوضاع فى مصر جيدة". لقد طاش كذلك الرصاص الطائفى الذى حاول المشاغبون اللعب به، ولم تستجب الزعامة الدينية للأقباط لتحريضهم على التدويل. إذ يحرج البابا عمليًا دعاة التدويل فى القضاء ويعطيهم درسًا عمليًا فى المسئولية الوطنية، فإن الممارسة العملية مع هذا الملف فى الأسبوع الماضية، أثبتت أن من هددوا بتدويل أزمة القضاة مع مجلس الشورى كانوا أبعد ما يكون عن الفهم الصحيح للتعامل الدولى ووظيفة من أتوا به. ظهر أن القاضى رايسنر الذى أُحضر إلى القاهرة على أنه رئيس الاتحاد الدولى للقضاة، فى الواقع هو عضو فى المحكمة الابتدائية بالنمسا، وقد صحح بنفسه على الملأ الخطأ أو الالتباس الذى وقع فيه مضيفوه، وتردد أن ذلك أغضب الزند الذى كان فى استقباله بالمطار فلم يذهب لتوديعه. كل الإحباطات السابقة تجعل المشاغبين يتمسكون بقشة 30 يونيه. ما زالوا يدعون الجيش إلى التدخل بخلق ذرائع كثيرة، منها ما ادعاه الكائن الليلى والمذيع الذى استضافه بوجود عدة آلاف من الميليشيات الإسلامية المدربة المسنودة من الجهاديين فى سيناء للدفاع عن قصر الاتحادية وضرب المتظاهرين فى ذلك اليوم. قلت لكم إن المشاغبين يعتبرونها معركة حياة أو موت فى الأمتار الأخيرة.