التشطير و التخميس في الشعر
والمقصود بـ (التشطير) أن يعمد الشاعر إلى أبيات مشهورة لغيره , فيقسم أبياتها
إلى شطرين يضيف إلى كل منهما شطرا من عنده , مراعيا تناسب اللفظ والمعنى بين الأصل والفرع ..
ويشترط في التشطير ألا يكون في تركيبه كلفة ولا حشو , بل أن يزيد الأصل جلاء ومعنى لطيفا .
أما (التخميس) فهو أن يأخذ االشاعر بيتا لسواه , فيجعل صدره بعد ثلاثة أشطر ملائمة له
في الوزن والقافية ( أي يجعله عجُز بيت ثانٍ) , ثم يأتي بعجز ذلك البيت بعد البيتين فيحصل على خمسة أشطر
و من هنا جاءت التسمية بـ (التخميس) .. وربما نظموا قبل البيت الأصلي أربعة أشطر أو خمسة أو ستة ,
ويسمى عملهم هذا تسديسا , أو تسبيعا أو مافوق ذلك ..
ومن أمثلة التشطير تشطير أحد الشعراء البيت الشهير :
جزى الله الشدائد كل خيـر ...... عرفت بها عدوي من صديقي
حيث قال :
(جزى الله الشدائد كل خيـر) ....... وإن كانت تُغصّصنـي بريقـي
وما مدحي لهـا حبًّـا ....... ولكـن(عرفت بها عدوي من صديقي)
وشطّر أحدهم بيت شوقي الشهير :
نظرة فابتسامة فسلام .... فكلام فموعد فلقـاء
فقال :
(نظرة فابتسامة فسـلام) .... كل هـذا تبـذّل وخنـاء
أمن الصون صبوة وانقياد ... (فكـلام فموعـد فلقـاء)
وشطّر آخر بيتي عبدالغني النابلسي :
رأيت خيال الظل أكبر عبـرة .... لمن هو في علم الحقيقة راق
شخوصٌ وأشباحٌ تمرّ وتنقضي ..... وتفنى جميعا والمحرّك باقي!
فقال :
(رأيت خيال الظل أكبـر عبـرة) .... يلوح بها معنى الكـلام لأحداقـي
وفي كل موجود على الحق آيـة ... (لمن هو في علم الحقيقة راقي)
(شخوصٌ وأشباحٌ تمرّ وتنقضي) .... وليس لها مما قضى الله من واقي
لها حركات ثـم يبـدو سكونهـا .... (وتفنى جميعا والمحرّك باقـي!)
أما المخمسات وهي كثيرة في الشعر العربي , فمن أمثلتها
تخميس صفي الدين الحلي لبيت السموأل الشهير :
تعيّرنا أنّا قليل عديدنـا .... فقلت لها إن الكرام قليل
حيث قال :
وعصبة غدر أرغمتها جدودنا ... وباتت ومنها ضدنا وحسودنا
إذا عجزت عن فعل كيدٍ بكيدنا ... تعيّرنـا أنّـا قليـل عديدنـــــــا
فقلت لها إن الكرام قليل
ومن هذا النوع قول الشاعر :
ليت الملاح وليت الراح قد جعلا ... في جبهة الليث أو في قبة الفلك
كي لا يقبّل معشوقا سوى أسد ... ولا يطوف بحانات سوى ملـك
فقد خمّسهما معروف الرصافي فقال :
سعى يحاول إسكاري بكأس طـلا ... من كنت قبل الطلا في حبه ثمـلا
فقلت إذ نلت منه الضم والقُبـلا ... (ليت الملاح وليت الراح قد جعلا)
(في جبهة الليث أو في قبة الفلك)
أقول قولي هذا ليس من حسـد ... للعاشقين ولا حقد علـى أحـد
لكن صيانة أهل الحسن والغَيَـدِ ... (كي لا يقبّل معشوقا سوى أسد)
(ولا يطوف بحانات سوى ملك)
وخمّس أحدهم بيتي جرير :
أمر على الديار ديار ليلى ... أُقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي ... ولكن حب من سكن الديارا
فقال :
محب غادر العبرات سيـلا ... لكي يحظى من الأحباب نيلا
ألم ترني أجوب البيد ليـلا ... (أمر على الديار ديار ليلى)
(أُقبل ذا الجدار وذا الجدارا)
ديـارٌ للتـي فتكـت بلبـي ... تهيِّج لوعتي وتزيـد كربـي
بليت بحبها من دون صحبي ... (وما حب الديار شغفن قلبي)
(ولكن حب من سكن الديارا)
وهذا تخميس لبيت يزيد بن معاوية الشهير :
فأمطرت لؤلؤاً من نرجس وسقت ... ورداً وعضَّت على العناب بالبردِ
التخميس:
لما حكيتُ لها بالعبـرة اختنقـت ... وفي مدامعها من غصَّـةٍ شرقـت
كأنها مزنة مـن حسنهـا برقـت ... (فأمطرت لؤلؤاً من نرجس وسقت)
(ورداً وعضَّت على العناب بالبردِ)
وخمّس الشاعر عبدالعزيز عندليب بيتي الفرزدق الشهيرين التاليين :
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته .... و البيت يعرفه و الحل و الحرم
هذا ابن خير عبـاد الله كلهـم ... هذا التقي النقي الطاهر العلـم
فقال :
هذا الذي تتقي الآسـاد صولتـه ... هذا الذي تعهـد الأيتـام رأفتـه
هذا الذي تعشق الأبصار رؤيتـه ... (هذا الذي تعرف البطحاء وطأته)
( و البيت يعرفه و الحل و الحرم)
هذا ابـن أوفـى عبـاد الله بالذمـم ... هذا ابن أشرف كل العرب و العجـم
هذا ابن بنت الهدى و الفضل و الكرم ... (هذا ابـن خيـر عبـاد الله كلهـم)
(هذا التقي النقي الطاهر العلم)