الرثاء: أحد فنون الشعر العربي البارزة، بل إِنه ليتصدرها من حيث صدق التجربة وحرارة التعبير ودقة التصوير. ويحتفظ أدبنا العربي بتراث ضخم من المراثي منذ الجاهلية إِلى يومنا الحاضر.
وينقسم هذا التراث إِلى ثلاثة ألوان هي: الندب، والتأبين، والعزاء.
أما الندب: فهو: بكاء النفس ساعة الاحتضار وبكاء الأهل والأقارب، وكل من ينزل منزلة النفس والأهل من الأحباء وأخوة الفكر والاتجاه والمشرب، بل يمتد إِلى رثاء العشيرة والوطن والدولة حين تدول أو تصاب بمحنة من المحن القاصمة المحزنة.
وأما التأبين: فليس بنواح ولا نشيج كالندب، بل هو أقرب إِلى تعداد الخصال وإِزجاء الثناء. إِنه تنويه وإِشادة بشخصية لامعة، أو عزيز ذي منزلة في عشيرته أو مجتمعه، وهو تعبير عن حزن الجماعة على الفقيد أكثر منه تعبيرًا فرديًا عن ذلك.
والعزاء: هو في مرتبة عقلية فوق مرتبة التأبين. إِذ هو نفاذ إِلى ما وراء ظاهرة الموت وانتقال الراحل، وتأمل فكري في حقيقة الحياة والموت. تأمل ينطلق إِلى آفاق فلسفية عميقة في معاني الوجود والعدم والخلود.
هذه الألوان الثلاثة من فن الرثاء لا تفصلها حدود فاصلة، ولا يقوم منها لون دون الاستناد إِلى الآخر والاتسام ببعض خصائصه. ولكن إِذا غلب منها لون أعطى العمل الفني طابعه العام، ووسمه بميسمه الخاص. على أن كثيرًا ما تتداخل تلك الألوان ضمن عمل أدبي واحد، لاسيما في رثاء قواعد الملك والدول الزاهرة والعهود المجيدة من تواريخ الأمة.
إِن ما انتهى إِلينا من تراث المراثي كثير جدًا يمثل مختلف العصور الأدبية ومختلف الألوان والاتجاهات الفكرية. وإِن أقدم تلك المراثي مما أبدعت قرائح الجاهليين، وصلتنا ناضجة محكمة، قد تجاوزت طفولتها ومراحل محاولاتها البدائية، وصارت ذات قوالب وصيغ محددة، وأساليب وصور معروفة. ثم لما تطورت مختلف فنون الشعر نتيجة مجيء الإِسلام وما تفرع عنه خلال الأجيال الطويلة المتعاقبة من تيارات فكرية ومذهبية وسياسية وأدبية...
تطورت صور الرثاء ونماذجه وتعددت دواعيه وبواعثه. فإِذا جئنا نوازن بين عناصر المرثية في نماذج تمثل تدرج الزمن ونمو العقل وتعقد الحياة، خرجنا بحقائق يمكن رصدها في رسم بياني، بدايته في العصر الجاهلي ونهايته في عصرنا الحاضر، وبين الطرفين خط يأخذ في الارتفاع التدريجي فيكون أعلاه عندنا اليوم. غير أن هذا الرسم نسبي إِلى حد كبير، ولابد من وجود تذبذبات ومنعرجات فيه..
أي أن في كل عصر كثيرًا من النماذج التي لا تمثل عصرها، بل تتخلف عنه أحيانًا قرونًا إِلى الخلف. ففي عصرنا اليوم بعض من الشعراء وقوافل من النظّامين لا يزالون يصوغون قصائدهم بأسلوب عباسي، بل بأسلوب أقدم من ذلك في بعض الأحيان.
وطبيعي أن يتفوق النساء على أكثر - إِن لم يكن كل - الرجال في أشعار المراثي، تفوقًا لا نجده في فن آخر غير هذا الفن؛ ذلك أن المرأة بتكوينها النفسي والعاطفي والاجتماعي هي أكثر استعدادًا، فعاطفتها أسرع انبعاثًا وأعمق شعورًا، وقدرتها على البكاء وبعث مكامن الشجى واللوعة لا تدانيها قدرة الرجال.
وقد جمع لويس شيخو الأديب اللبناني الراحل كتابًا ضمنه ما فاضت به قرائح كثيرات في هذا المجال، وسماه ((مراثي شواعر العرب)).
ونقصر حديثنا هنا عن اللون الأول وهو:
الندب:
الندب هو النواح والبكاء على الميت بالعبارات المشجية والألفاظ المحزنة التي تهز القلوب وترسل الدموع وتبعث العبرات والزفرات. ويبدو أنه أقدم صور الرثاء، وكانت بدايته أرجازًا وقطعًا تؤلفها النسوة حين يندبن القتلى، ثم تطوورت القطع إِلى قصائد.
ويشمل هذا اللون من الرثاء ندب النفس ساعة دنو الأجل، وندب الأزواج والأبناء والإِخوة والأخوات ومختلف ذوي الأرحام والأقرباء والأعزاء من الأصدقاء، وكذلك يشمل بكاء الشعراء شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته وخلفاءه وأهل بيته، كما يشمل رثاء الحواضر والدول والأوطان.
أما بكاء الشاعر نفسه، فيقال إِن أقدم من فعل ذلك شاعر جاهلي هو يزيد بن خذَّاق. يقول من قصيدة له:
هل للفتى من بنات الدهر من واق
أم هل له من حِمَام الموت من راق[1] قد رجَّلوني وما بالشَّعْر من شَعَثٍ
وألبسوني ثيابًا غير أخلاق[2] وأرسلوا فتية من خيرهم حَسَبًا
ليسندوا في ضريح القبر أطباقي[3]
• وتعظم المصيبة على الشاعر الذي يموت غريبًا عن أهله ووطنه: ومن أروع من صوَّر هذا المعنى وما يتصل به الشاعر المجاهد مالك بن الريب الذي كان يغزو في خراسان، فلما حضرته الوفاة ناح على نفسه بألم وفجيعة. يقول من قصيدة طويلة:
ألا ليت شعري هل أبيتَنَّ ليلة
بجنب الغَضَا أُزْجِى القِلاص النَّواجيا[4] لقد كان في أهل الغَضَا، لو دنا الغضا
مزارٌ، ولكن الغضا ليس دانيا تفقدتُ من يبكي عليَّ فلم أَجِدْ
سوى السيف والرمح الرُّدَينى باكِيًا[5] وبالرَّمْل منا نسوة لو شهدْنني
بَكيْن وفدّيْن الطبيب المداويا[6] يقولون لا تبعد وَهُم يدفنونني
وأين مكان البعد إِلا مكانيا!
وهي مرثية طويلة، أبرز ما فيها هذه الخواطر الممزقة بين الحنين إِلى أهله بمنطقة الغضا والرمل، وبين سكرات الموت وفزع صاحبيه من حوله ومخاطبته إِياهما تارة والذهول عنهما تارة أخرى. وأعجب ما في هذه المرثية أنها لا تفيدك أن صاحبها كان غازيًا في سبيل الله من بين الفاتحين لتلك الآفاق، إِذ لا ذكر في القصيدة لأي معنى إِسلامي يذكر!. وهي لذلك لم تخرج في أسلوبها وروحها وصورها النفسية عن أي قصيدة جاهلية أخرى.
• وأما رثاء الزوج فنماذجه كثيرة: لاسيما في العصر الجاهلي، ومن أجود المراثي في الأزواج، شعر جليلة بنت مرة في كليب زوجها، حين قتله أخوها جساس. فقد كان موقفها حساسًا لوقوعها بين نارين: نار زوجها القتيل ونار أخيها القاتل.. تقول في ذلك:
يا قتيلا قَوَّضَ[7] الدهر به
سقف بيتي جميعًا مِنْ عَلِ ورماني فقدُه من كَثَبٍ
رَمْيَةَ المصمى به المستأْصَلِ[8] هدم البيت الذي استحدثه
وسعى في هدم بيتي الأولِ مسَّني فَقْدُ كُلَيْبٍ بلظى
مِنْ ورائي ولظى مستقبِلي[9] ليس مَنْ يبكي ليومَيْه كمن
إِنما يبكي ليوم ينجلي يَشْتَفِي المُدْرِك بِالثأْر وفي
دَرْكِي ثأْري ثكُلْ المُثْكَلِ[10] إِنني قاتلة مقتولة
فلعلَّ الله أن يرتاح لي
يقول ابن رشيق: ((فانظر... ما أشجى لفظها، وأظهر الفجيعة فيه!! وكيف يثير الأشجان، ويقدح شرر النيران)).
وحدث الأصمعي أنه رأى بالبادية امرأة ألصقت خدها بقبر زوجها وهي تبكي وتقول:
خدي تقيك خشونة اللحد
وقليلة لك سيدي خدي يا ساكن القبر الذي بوفاته
عميت علي مسالك الرشد اسمع أبثك علتي فلعلني
أطفي بذلك حرقة الوجد
• أما ندب الإِخوة والأخوات: وهو كثير، فأشهر من بكت واستبكت ولاسيما في العصر الجاهلي الخنساء وهي تماضر بنت عمرو السلمية التي خلدت ذكرى أخويها معاوية وصخر، فأعولت بقصائد في رثاء ثانيهما وهو صخر بما لم تبكه أخت تقريبًا في تاريخ الرثاء. ومما قالته فيه قولها:
قذًى بعينك أم بالعين عوار
أم ذرَّفت أن خلت من أهلها الدار[11] كأن عيني لذكراه إِذا خطرت
فيض يسيل على الخدين مدرار[12] فالعين تبكي على صخر وحق لها
ودونه من جديد الأرض أستار[13] تبكي خناس وما تنفك ما عمرت
لها عليه رنين وهي مقتار[14] بكاء والهة ضلت أليفتها
لها حنينان: إِصغار وإِكبار[15] ترعى إِذا نسيت حتى إِذا ادكرت
فإِنما هي إِقبال وإِدبار وإِن صخرًا لتأتم الهداة به
كأنه علم في رأسه نار
وهي قصيدة طويلة، كلها لوعة وحرقة وصدق.
ومن الشعراء الرجال الذين ندبوا أشقاءهم جماعة كبيرة منهم متمم ابن نويرة الشاعر المخضرم الذي تقطعت كبده على أخيه أسى وحرقة، وله فيه شعر رائع، منه قوله:
فإِن تكن الأيام فَرَّقْن بيننا
فقد بان[16] محمودًا أخي حين ودّعا وكنا كَنُدْماني جذيمةَ حقْبةً
من الدهر حتى قبل لن يتصدعا[17] فلما تَفَرَّقنا كأني ومالكًا
لِطول اجتماع لم نَبِتْ ليلة معًا[18]
ومنهم دريد بن الصمة الجاهلي من قبيلة غَزيَّة، الذي خلَّد ذكر أخيه عبدالله في قصيدة رائعة ذات خصائص فنية راقية.. منها قوله يصف مصرع أخيه:
.. دعاني أخي، والخيل بيني وبينه
فلما دعاني لم يجدني بقعْدُد[19] أخ أرضعتني أمه من لبانها
بثدي صفاء بيننا لم يجدد فجئت إِليه، والرماح تنوشه
كوقع الصياصي في النسيج الممددِ[20] وكنت كذات البَوِّ ريعت فأقبلت
إِلى قطع مِنْ جلْدِ بَوٍّ مُجَلَّدِ[21] فطاعنْتُ عنه الخيل حتى تنهنهتْ
وحتى علاني حالك اللون أَسْوَدِ[22] قتال امرئ آسى[23] أخاه بنفسه
ويعلم أن المرء غير مُخَلَّدِ تنادوا فقالوا: أَرْدَتْ الخيل[24] فارسًا
فقلت: أعبد اللهِ ذلكُمُ الرَّدِى؟ فإِن يك عبد الله خلَّى مكانه
فما كان وقافًا[25] ولا طائِشَ اليدِ
ومضى دريد معددًا خصال أخيه عبدالله في نفس طويل ولوعة حارة وتصوير دقيق وأداة متمكنة.
• وننتقل إِلى صورة أخرى من صور بكاء الأهل هي رثاء الأبناء. وفي أدبنا العربي مراث كثيرة فيهم، من أقدمها رائعة أبي ذويب الهذلي التي بكى فيها أبناءه الخمسة الذين اختطفهم الموت من بين يديه. يقول فيها:
أودى بَنيَّ وأعقبوني حسرةً
بعد الرُّقاد وعبرة ما تُقْلعُ[26] سبقوا هَوِىَّ وأعنقوا لهواهم
فتُخُرِّمُوا، ولكل جنب مصرَعُ[27] فبقيت بعدهُمُ بعيش ناصبٍ
وإِخال أني لاحقٌ مستتبَعُ[28] ولقد حرصْتُ بأن أدافع عنهمُ
وإِذا المنية أقبلت لا تُدْفَعُ وإِذا المنية أنشبتْ أظفارها
ألفيْت كلَّ تميمة لا تنفع[29] فالعين بعدهم كأن حِدَاقَها
سُمِلت بشوك فهي عُورٌ تدمع[30] حتى كأني للحوادث مروة
بِصَفَا المشرَّق كل يوم تُقرع[31] ولئن بهم فَجَعَ الزمان ورَيْبُهُ[32]
إِني بأهل مودتي لمفجَّعُ
وهي صيحات ألم وحسرات حَرّىَ صادرة عن سويداء فؤاد ملتاعٍ بفقد أطفاله جميعًا وإِطباق الأسى والظلام على أقطار نفسه.
ونجتاز عشرات من النماذج ومن الشعراء والشواعر الذين أبدعوا في رثاء الأبناء، على تفاوت في التصوير والرؤية الفنية والقدرة على توجيه العاطفة في حال الفجيعة ونزول القضاء.
ونلتقي بشاعر فنان هو ابن الرومي في رثائه لابنه الأوسط محمد الذي مات منزوفًا بين يديه. يقول من قصيدة دامية دامعة:
توخى حمام الموت أَوْسَط صبيتي
فلِلَّه، كيف اختار واسطة العِقْدِ[33] لقد قلَّ بين المهد واللحد لَبْثُه
فلم ينس عهد المهد إِذْ ضُمَّ في اللحد ألحَّ عليه النَّزْف حتى أحاله
إِلى صُفْرَة الجادى عن حمرة الوَرْدِ[34] وظل على الأيدي تساقط نفسه
ويذوى كما يذوى القضيب من الرَّنْدِ[35] فيالك من نفس تساقطُ أنفسًا
تساقط دُرٍّ من نظام بلا عِقْدِ أريحانة العينين والأنف والحشا
ألا ليت شعري هل تغيَّرت عن عهدي كأني ما استمتعتُ منك بِضَمَةٍ
ولا شمة في ملعب لك أو مهد أُلامُ لِمَا أُبْدِى عليك من الأسى
وإِني لأُخفي منك أضعاف ما أُبدي
هذه النفثات الصادقة، والأدمع المنظومة نجدها عند كثيرين لا يمكننا حتى حصر أسمائهم لكثرتهم، ولعل من ابرزهم أبا تمام، وإِبراهيم ابن خليفة المهدي، والتهامي، وأبا الوليد الباجي الأندلسي، وأبا الحسن علي الكفيف القيرواني الذي صنع في بكاء ابنه مراثي على حروف المعجم، ألف منها ديوانًا سماه ((اقتراح القريح واجتراح الجريح)).
• أما بكاء الرجال زوجاتهم: فله أيضًا نماذج حية كثيرة في ديوان الرثاء العربي. ومن أروع ما رُثي به الزوجات وأشجاه قول محمد بن عبدالملك الزيات في زوجته وقد تركت له وليدًا يجدد جراحه ويطيل برحاءه:
ألا مَنْ رأى الطفل المفارِقُ أُمَّهُ
بُعَيْدَ الكرى[36] عيناه تبتدرانِ رأى كلَّ أُمٍ وابنها غير أُمّهِ
يبيتان تحت الليل ينتجيان وبات وحيدًا في الفراش تحثهُ[37]
بلابل[38] قلب دائم الخفقان فلا تلْحيان[39] إِن بكيت فإِنما
أداوي بهذا الدمع ما تريان وإِن مكانًا في الثرى خُطَّ لحده
لمن كان في قلبي بكل مكان أحق مكان بالزيارة والهوى
فهل أنتما إِن عِجْتُ[40] منتظران
إِنها لوعة زوج وامق، عظمت مصيبته واشتدت حسراته.
وممن ندب جاريته طويلاً، وخلدها بشعره، المُعلَّى الطائي المصري، وكانت تسمى ((وصْفًا))، وفيها يقول:
يا موت ما بقيت لي أحدًا
لما زففْت إِلى البلى وصْفا أسكنتها في قعر مظلمة
بيتًا يصافح تُرْبُهُ السَّقْفا بيْتًا إِذا ما زاره أحدٌ
عصفت به أيدي البِلَى عَصْفا يا قَبْرُ أبق على محاسنها
فلقد حَوْيتَ النورَ والظرْفا
ولا ننسى في هذه العجالة الشاعر الشامي ديك الجن الذي عاش مأساة عميقة حين قتل بدافع الغيرة زوجته ثم ندم عليها أشد الندم وبكاها مرَّ البكاء.
فإِذا وصلنا العصر الحديث، وجدنا عشرات من النماذج الرائعة لكل من البارودي الذي بلغه نعي زوجته وهو في منفاه في سرنديب، وعزيز أباظة وعبدالرحمن صدقي اللذين تحولت دموعهما إِلى قصائد، فكان للأول: ديوان بعنوان ((أنات حائرة)) وللثاني: ديوان بعنوان ((من وحي المرأة)). ونكتفي هنا بنموذج يمثل مراثي هذه المرحلة الحديثة، وهو لعبدالرحمن صدقي، وقد قصد قبر زوجته حاملاً إِليها باقة من الزهر:
أيا زهرتي في الترب بين المقابرِ
إِليك حمَلْتُ الزهر، شاهت[41] أزاهيري حملتُ إِليك الزهر ترويه أدمعي
وتذويه أنفاسي وحر زوافري قدمت عليك اليوم أسوأ مقدم
سواد بأثوابي، سواد بخاطري وخاتم عرسي لا يزين إِصبعي
ولمحة وجهي غيرها في التزاور على قبرك المرموق أبكي وأرتمي
وأجأر بالشكوى تشق مرائري[42]
ويطول بنا الحديث إِذا مضينا في هذا العرض، وما قدمناه مما بكى به الشعراء والشواعر أفراد أسرهم وأقرباءهم لا يمثل إِلا نماذج لبضعة آلاف من القصائد التي تغص بها دواوين الشعر والموسوعات الأدبية على امتداد التاريخ الشعري لهذه الأمة.
ندب الرسول عليه الصلاة والسلام وأهل بيته الكرام:
كان لوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم هزة عنيفة في المجتمع الإِسلامي آنذاك، وتحولت بيوت الصحابة ومجتمعاتهم إِلى مآتم تضج بالندب والبكاء، فالتاعت القلوب وتقرحت المآقي، وانطلقت القرائح تندب فقيد الإِنسانية ومعلمها الأكبر ورسولها الأشرف ودليلها الهادي. ومن أجود ما قيل في ذلك عقب وفاته عليه الصلاة والسلام قصيدة حسان بن ثابت التي جاء فيها:
.. وبكى رسول الله يا عين عبرة
ولا أعرفنك الدهر دمعك يجمد وجودي عليه بالدموع وأعولي
لفقد الذي لا مثله الدهر يوجد وما فقد الماضون مثل محمد
ولا مثله حتى القيامة يفقد
ودارت بالأمة المسلمة دورات من الزمن، وغمرتهم أمواج رهيبة مؤسفة من الفتن والصراع السياسي والعسكري، فصاروا طوائف وشيعا، لكل منها شعراؤها الذين ينافحون عنها ويرثون قتلاها ويحمسونها للثأر. وأصبح التشيع لأهل بيت الرسول وهم أبناء علي بن أبي طالب وأحفاده وخلفهم، عقيدة ثابتة في نفوس الذين والوهم وتحزبوا لهم.
وقد أكثر الشعراء من نظم المراثي فيهم. ومن أبرز من نصب نفسه لهذه الغاية في العصر الأموي الكميت شاعر زيد بن علي بن الحسين، وله ديوان يسمى الهاشميات. كما اشتهر بذلك غيره مثل دِعبل الخزاعي، والسيد الحِمْيَري، وكُثَيِّر، وأبي عدي العبْلي، وابن الرومي، والمفلَّج البصري، والشريف الرضي، ومهيار الديلمي وابن هانئ الأندلسي. ونقتطف شيئًا من قصيدة دعبل التي مطلعها:
مدارس آيات خلت من تلاوة
ومنزل وحي مقفر العرصات[43]
ومنها:
فآل رسول الله نُحْفٌ جسومهم
وآل زياد حُفَّل القصرات[44] بنات زياد في القصور مصونة
وآل رسول الله في الفلوات[45] إِذا وُتِروا[46] مدوا إِلى أهلَ وتْرِهم
أكفًا عن الأوتار منقبضات .. أحاول نقل الشمس من مستقرها
وأسمع أحجارًا من الصلدات[47] فمن عارف لم ينتفع ومعاند
يميل مع الأهواء والشبهات قصاراى منهم أن أموت بغصة
تردد[48] بين الصدر واللهوات كأنك بالأضلاع قد ضاق رحبها
لما ضُمنت من شدة الزفرات
وقد اعتاد الشيعة منذ قرون بعيدة إِحياء ذكرى مصرع الحسين بن علي وأهله في وقعة كربلاء على يد الأمويين، وهو يوم عاشوراء أو العاشر من شهر المحرم من كل عام. ولو أحصى ما جادت به قرائح شعرائهم في رثاء أهل البيت على مدى القرون، لبلغ ذلك مجلدات ضخمة تضارع أكبر موسوعة أدبية.
ومثلما رأينا عند الشيعة، نجد سائر الطوائف والأحزاب الأخرى التي عاصرتها أوجدّت بعدها، ذات تراث خصب من مراثي قتلاها، مما لا سبيل لعرضه لضيق المجال هنا.
ندب الدول والأوطان:
كانت أول دولة بكاها الشعراء العرب بعد الإِسلام هي دولة بني أمية التي سقطت سنة 132هـ. وأهم شاعر بكاء سقوطها هو أبو العباس الأعمى، وله في ملوكها أشعار ومراثٍ كثيرة، كلها تفيض بالعاطفة الصادقة.
ومن النكبات التي هزت القصور العباسية، نكبة البرامكة[49] على يد هارون الرشيد. فقد استولى البرامكة أيام حكمه على مرافق الدولة وعظم سلطانهم، وأغدقوا العطايا على الشعراء، فلما نُكبوا بكاهم كثير من الشعراء والشواعر بكاء مرًا. يقول فيهم الشاعر أشجع السلمي:
كأنما أيامهم كلها
كانت لأهل الأرض أعيادًا
ويقول سَلَمُ الخاسر:
هوت أنجم الجدوى وشلت يد الندى
وغاضت بحور الجود بعد البرامك[50] هوت أنجم كانت لأبناء برمك
بها يعرف الحادي[51] طريق المسالك
ثم كانت مأساة المتوكل الخليفة العباسي الذي قتله ولي عهده بمساعدة طائفة من الترك الذين لم يلبثوا أن سيطروا على الدولة. وقد رثاه البحتري بقصيدة تعتبر من روائع الشعر العربي الأصيل، ومنها قوله:
ولم أنس وحش القصر إِذ ريع سربه
وإِذ ذعرت أطلاؤه وجآذره[52] وإِذ صيح فيه بالرحيل فهُتكت
على عجل أستاره وستائره ووحشته حتى كأن لم يقم فيه
أنيس ولم تحسن لعين مناظره
وينتقل إِلى الخليفة المقتول:
صريع تقاضاه السيوف حشاشة
يجود بهاء والموت حمر أظافره[53] أدافع عنه باليدين، ولم يكن
ليثنى الأعادي أعزل الليل حاسره[54] .. حرام عليّ الراح بعدك أن أرى
دمًا بدم يجري على الأرض مائره[55] وهل أرتجي أن يطلب الدم واتر
يد الدهر، والموتور[56] بالدم واتره أكان ولي العهد أضمر غدرة
فمن عجب أن ولى العهد غادره[57] فلا مُلِّي الباقي[58] تراث الذي مضى
ولا حُمّلت ذاك الدعاء منابره
وتوالت نكبات ومحن كثيرة على المجتمع الإِسلامي، كان أسوأها وأشنعها ما حل بالعالم الإِسلامي من ويلات المغول الذين ساحوا من الشرق كإِعصار عنيف بشع، هدم المدن وحرق المزارع وأباد النساء والأطفال وأتلف المكتبات والقصور. وكانت مأساة بغداد على يد هولاكو مأساة من أشنع ما عرفته البشرية في تاريخها. فبكاها الشعراء من أعماقهم ودبجوا فيها مراثي يضيق المجال عن ذكرها. ومما قيل في ذلك:
بكت عيني على بغداد لما
فقدت غضارة[59] العيش الأنيق أصابتها من الحساد عين
فأفنت أهلها بالمنجنيق[60] فقوم أُحرقوا بالنار قسرًا[61]
ونائحة تنوح على غريق وصائحة تنادي واصِحابي
وقائلة تقول أيا شقيقي ومغترب بعيد الدار ملقى
بلا رأس بقارعة الطريق ولا ولد يعوج على أبيه
وقد هرب الصديق عن الصديق
ومن الدول التي أكثر الشعراء من بكائها وأطالوا رثاءها دول ملوك الطوائف بالأندلس، ومدن الشام التي كانت تتساقط بين أيدي الصليبيين وخراب البصرة على أيدي الزنج، وخراب القيروان على أيدي بني سليم وبني هلال بتدبير الفاطميين.
ومن عيون المراثي في بكاء حواضر الأندلس، رائية ابن عبدون في بكاء دولة بني الأفطس ببطليوس[62]:
الدهر يفجع بعد العين بالأثر
فما البكاء على الأشباح والصور ما لليالي؟ أقال الله عثرتنا
من الليالي، وخانتها يد الغير[63]
ودالية ابن اللبانة في رثاء بني عباد في أشبيلية، ومطلعها:
تبكي السماء بمزن رائح غاد
على البهاليل من أبناء عباد[64]
ومن أروع ما بُكيت به أشبيلية أيضًا، قصيدة أبي البقاء الرندي التي مطلعها:
لكل شيء إِذا ما تم نقصان
فلا يُغر بطيب العيش إِنسان
ومنها قوله:
أعندكم نبأ من أهل الأندلس
فقد سرى بحديث القوم ركبان يا من لذلة قوم بعد عزهم
أحال[65] حالهم كفر وطغيان بالأمس كانوا ملوكًا في منازلهم
واليومَ هُم في بلاد الكفر عبدان[66] ولو تراهم حيارى لا دليل لهم
عليهم من ثياب الذل ألوان ولو رأيت بكاهم عند بيعهم
لهالك[67] الأمر واستهوتك أحزان
لقد كانت دموعًا حرى، شيع بها ذلك الفردوس الحالم بعد أن أفتكه النصارى من أيدي المسلمين نتيجة قعودهم عن الجهاد وحبهم للدنيا وللسلطان والملاهي والإِخلاد للراحة، وتفشي المظالم، وتفرق الكلمة، والصراع على الإِمارة، والاستعانة بالأعداء لضرب الأشقاء.
ومع مطالع القرن العشرين الميلادي تساقطت مناطق البلقان التي فتحها المسلمون الأتراك، واهتز الشعراء يومئذ لتلك الكارثة. وتآمرت بريطانيا مع الصهيونية فمزقت الخلافة الإِسلامية، ثم عملت مع فرنسا وإِيطاليا على تقسيم الوطن العربي إِلى دويلات وصنعت هذه الحدود القائمة اليوم بين أبناء الأمة الواحدة.
واكب الشعراء تلك الأحداث المحزنة المؤسفة، وبكوا الكرامة المهانة والأعراض المستباحة وقوافل الشهداء. وهنا فوق هذا الجزء من أرض العروبة، صالت إِيطاليا وجالت، فحرقت وحطمت، ودمرت وشنقت، فاهتز لذلك شعراء كثيرون، من بينهم الشاعر الكبير أحمد شوقي الذي خلد حادثة إِعدام الشيخ عمر المختار، باعتباره رمزًا لجهاد هذا الشعب المسلم.. ذلك الجهاد الذي كان مبعثه العقيدة أولاً، ونداء الأرض والعرض ثانيًا. يقول شوقي في ذلك:
ركزوا رفاتك[68] في الرمال لواء
يستنهض الوادي صباح مساء يا ويحهم، نصبوا منارًا من دم
يوحي إِلى جيل الغد البغضاء جرح يصيح على المدى، وضحية
تتلمس الحرية الحمراء يا أيها السيف المجرد بالفلا
يكسو السيوف على الزمان مضاء[69] .. خيرت فاخترت المبيت على الطوى[70]
لم تبن جاها أو تلم ثراء إِن البطولة أن تموت من الظمأ
ليس البطولة أن تعب الماء إِفريقيا مهد الأسود ولحدها
ضجت عليك أراجلاً ونساء[71] والمسلمون على اختلاف ديارهم
لا يملكون مع المصاب عزاء .. في ذمة الله الكريم وحفظه
جسد (ببرقة) وسد الصحراء لم تُبق منه رحى الوقائع أعظما
تبلى ولم تبق الرماح دماء .. لبى قضاء الأرض أمس بمهجة
لم تخش إِلا للسماء قضاء وأتى الأسير يجر ثقل حديده
أسد يجرر حية رقطاء[72] عضت بساقيه القيود فلم ينؤ[73]
ومشت بهيكله السنون فناء تسعون لو ركبت مناكب شاهق
لترجلت هضباته إِعياء
واستعادت الأمة العربية ((حريتها واستقلالها)) وأخرجت العدو الأجنبي من ديارها. غير أن قلب هذه الأمة وهي فلسطين كان - ولا يزال - لها حديث آخر.. حديث كله مآس ومجازر وأحزان. ولقد واكب الشعر جميع الأحداث التي مرت بها فلسطين الجريح، فصدرت عشرات الدواوين التي تفيض بألوان القصائد التي تعصف بالقلوب وتبعث الحسرات والغصص.
تقول فدوى طوقان في قصيدة لها عن فلسطين وطنها السليب:
يا وطني مالك يُخْنِى[74] على
روحك معنى الموت معنى العدم جرحك ما أعمق أغواره
كم يتنزى[75] تحت ناب الألم ستنجلي الغمرة يا موطني
ويمسح الفجر غواشي الظلم[76] والأمل الظامئ مهما ذوى[77]
لسوف يُروى بلهيب ودم
لكن كارثة فلسطين، أو قل كارثة العرب، تزداد مع الأيام عمقًا وهولاً واتساعًا. ولم يعد الأمر أمر فلسطين فقط، بل صار الآن أمر لبنان أرضًا.. الخطر يزداد يومًا إِثر يوم، والعرب يزدادون تفرقًا وتشاحنًا واختلافًا!!
ويبلغ الوعي الوطني الأصيل ببعض الشعراء درجة من النضج والرؤية الشاملة الواعية لمأساة الأمة، وهي تعيش واقعها المزري من الانقسامات، والولاءات للاعداء، والصراع. يقول أحدهم وهو الشاعر المعروف عمر أبو ريشة في إِحدى قصائده الرائعة:
أمتي .. هي لك بين الأمم
منبر للسيف أو للقلم أتلقاك وطرفي مطرق
خجلاً من أمسك المنصرم[78] ويكاد الدمع يهمي[79] عابثًا
ببقايا كبرياء الألم! أين دنياك التي أوحت إِلى
وترى كل يتيم النغم[80] كم تخطيت على أصدائه
ملعب العز ومغنى الشمم[81] وتهاديت كأني ساحب
مئزري فوق جباه الأنجم حلم مرّ بأطياف السنا[82]
وانطوى خلف جفون الظلم أمتي كم غصة دامية
خفقت نجوى[83] علاك في فمي أي جرح في فؤادي راعف
فاته الآسى فلم يلتئم[84] الإِسرائيل تعلو راية
في حمى المهد وظل الحرم؟! إِن أرحام السبايا لم تلد
للعلى غير الجبان المجرم كيف أغضيت[85] على الذل ولم
تنفضي عنك غبار التهم أو ما كنت إِذا البغى اعتدى
موجة من لهب أو من دم فيم أقدمت وأجحمت ولم
يشتف الثأر ولم تنتقمي اسمعي نوح الحزانى واطربي
وانظري دمع اليتامى وابسمي واتركي الجرحى تداوي جرحها
وامنعي عنها كريم البلسم[86] ودعي القادة في أهوائها
تتفانى في خسيس المغنم[87] رب (وامعتصماه)[88] انطلقت
ملء أفواه الصبايا اليتم لامست أسماعهم لكنها
لم تلامس نخوة المعتصم
إِنها حقًا نفثات حر يرثي أمجاد هذه الأمة ويضع مبضعه على بعض أدوائها. وهي مرثية تجمع بين ندب الماضي والحث على الاستيقاظ وتحميس الشباب لبناء غد جديد؛ من خلال نظرة شاملة للأمة كلها، نظرة كلية على عكس مراثي الدول والأوطان قديمًا، حيث كانت نظرة الشاعر فيها جزئية، لا تتجاوز مكانًا معينًا، أو ملكًا محددًا.
خاتمة وتعقيب:
نستطيع بعد هذه الجولة السريعة مع فن الرثاء في لونه الأول وهو الندب، وعبر عصور الأدب، وتاريخ هذه الأمة... نستطيع أن نرصد الحقائق الآتية:
1- أن فن الرثاء هو من أبرز الفنون الشعرية وأكثرها صدقًا وغناء بالتجربة الإِنسانية، وتصويرًا لخفي المشاعر.
2- أن شاعرية المرأة تألقت في هذا الفن تألقًا عظيمًا.
وقد أسهمت المرأة فيه إِسهامًا لم يحققه إِلا قلة من الرجال كيفًا، وهو إِسهام لم تقدم مثله في سائر الفنون الشعرية كمًا.
3- من الصعوبة تحديد إِطار عام لقصيدة الرثاء. فعلى الرغم من أن الشاعر - أو الشاعرة - يركز جهده في تعداد مآثر القتيل أو الأسرة المنكوبة، أو البلد السليب، وهو المحور الأساسي في كل رثاء، فإِن قصيدته تظل ذات طابع خاص من حيث بنائها الفني وعناصرها وتنوع الأساليب فيها، ومن حيث الزاوية التي يدخل منها الشاعر على موضوعه، والرؤية الفنية والوجدانية حيال هذا الموضوع.
4- يبدو أن الجاهليين لم يبكوا عادة سوى قتلى الحروب والثارات فيما بينهم. أما الموت الطبيعي فلم يكن ليثير داعية الرثاء لديهم. وقد تغير هذا مع تطور الحياة، وصار الرثاء يتناول كل ميت استوجب الندب والتحسر عليه، سواء مات شهيدًا أو مغتالاً أو حتف أنفه.
5- لم يصلنا من الجاهليين أي رثاء للزوجات والجواري. ولعل لذلك أسبابًا قبلية واجتماعية، جعلت الرجال يأنفون من ذلك، لكيلا يُحسب عليهم ويحط من قدرهم بزعمهم. غير أن هذا تغير في العصر العباسي، وربما قبله أيضًا، فشاع رثاء الزوجات والجواري، وتطور الأمر في العصر الحديث، فأنشأ بعض الشعراء في رثاء زوجاتهم ديوانًا كاملاً، كما أشرنا إِلى عزيز أباظة وعبدالرحمن صدقي.
6- شاركت قصيدة الرثاء مختلف الفنون الشعرية الأخرى في تطورها الفني أسلوبًا وصورًا ومعاني وعناية بالترصيع البديعي، واتصافًا بوحدة البيت أو الوحدة الموضوعية، أي أنها تطورت خلال المراحل نفسها التي مرت بها فنون الوصف والمدح والهجاء والحماسة والفخر والغزل.
--------------------------------------------------------------------------------
[1]حمام: جمع حِمَّة وهي المنية أي الموت. واق: حافظ، مانع. راقٍ: شافٍ.
[2]رجَّلوني: سرَّحوا شَعْري. ثياب أخلاق: ثياب رثة بائدة.
[3]أطباقي: عظامي.
[4]الغضا: شجر، مفرده: غضاة وهي شجرة الأثل. والغضا هنا: أرض بنجد. أزجى: أسق وأدفع. القلاص النواجى: النوق السريعة.
[5]الرُّدينى: نسبة إِلى امرأة تسمى ردينة كانت مشتهرة بتقويم الرماح.
[6]الرمل: مكان أهل الشاعر.
[7]قوَّض: هدم.
[8]كثب: قرب. المصمى به: المصاب أو الطعين. المستأصل: المقطوع.
[9]لظى: نار.
[10]ثكل: فَقْدٌ وهلاك. المثكل: الذي يحل به الثكل وتصيبه المصائب1.
[11]قذى: الجسم الغريب يدخل العين فيؤذيها - عوار: رمد. ذرفت: تقاطر دمعها.
[12]فيض: دمع غزير. مدرار: كثير.
[13]جديد الأرض: كناية عن أنه مات حديثًا. أستار: لحد وأحجار.
[14]خناس: الخنساء (لقب الشاعرة) وفي الأصل اسم للبقرة الوحشية سميت به لخنس بها وهو تأخر الأنف وارتفاع أرنبته. عمرت: طال عمرها. رنين: وجيب ونحيب. مقتار: ضعيفة.
[15]والهة: حزينة. ضلت: أضاعت أو فقدت. الإِصغار: خفض الصوت، والإِكبار رفعه.
[16]بان: فارق.
[17]جذيمة: هو جذيمة الأبرش، نادم مالكًا وعقيلاً ابنيْ فارح بن كعب ثم قتلهما. يتصدعا: يتفرقا.
[18]مالكًا: أخو الشاعر.
[19]القعدد: الجبان لقعوده عن الحرب..
[20]تنوشه: تطعنه. الصياصي: جمع صيصة وهي شوكة النسَّاج أو الحائك التي يحوك بها الأردية.
[21]البَوِّ: ولد الناقة، فإِذا ما مات وليدها صنعوا لها من جلده ما يشبهه لتسكن به. وذلك بحشو الجلد بالقش، ريعت: فزعت وخافت عليه.
[22]تنهنهت: ارتدت. أسود: المقصود به الغبار.
[23]آسى: افتدى.
[24]أردت الخيل: قتلت الأعداء.
[25]وقافا: مترددًا.
[26]أودى: هلكوا. عبرة: أنين ونشيج ودموع. ما تقلع: لا تنتهي أو لا تكف.
[27]هَوِىَّ: هواى بلغة قبيلة هذيل. أعنقوا: أسرعوا. أي ماتوا قبلي وكنت أحب أن أموت قبلهم، أو لأنهم أرادوا الهجرة والجهاد فهاجروا وكان هواه أن يقيموا معه. تخرِّموا: أخذوا أو ماتوا واحدًا واحدًا.
[28]ناصب: شاق. إِخال: أعتقد.
[29]ألفيت: وجدت. تميمة: ما يعلق اتقاء للمرض أو العين أو الحسد.
[30]حداقها: جمع حدقة وهي سواد العين الأعظم. سُملت: فُقِئَت.
[31]مروة: حجر الصوان. الصفا: جمع صفاة وهي الحجر الصلد الضخم لا يُنبت. المشرق: اسم مكان.
[32]ريبه: مصائبه.
[33]توخى: اختاره بعناية وقصد إِليه. واسطة العقد: هي أثمن جواهره وأكبرها وهي هنا كناية عن ابنه العزيز الراحل.
[34]النزف: النزيف. أحاله: صيره. الجادى: الزعفران.
[35]يذوى: يذبل. الرند: نوع من الزهور، تساقط: تتساقط.
[36]الكرى: النوم. تبتدران: تدمعان.
[37]تحثه: تقلقله وتحزنه.
[38]بلابل: أحزان.
[39]تلحيان: تلومان.
[40]عجت: مررت فزرت.
[41]شاهت: قبحت.
[42]أجأر: أرفع صوتي. مرائر: جمع مرارة وهي كيس الصفراء اللاصق بالكبد.
[43]العرصات: الساحات.
[44]آل زياد: هو زياد بن أبيه من رجال الأمويين. حفّل: جمع حافلة، والقصرات: جمع قصرة وهي العنق، والمعنى: أعناقهم مثقلة بالحلى والدرر، وهي كناية عن الغنى الكبير، أما آل الرسول ففي فقر وعوز.
[45]الفلوات: جمع فلاة وهي الصحراء.
[46]وتروا: أصيبوا بظلم أو مكروه. أهل وترهم: الذين ظلموهم. الأوتار: ألوان الانتقام.
[47]الصلدات: جمع صلدة: الصلبة القاسية. والبيت كناية عن محاولة المستحيل.
[48]تردد: تتردد. اللهوات جمع لُهاة: الجزء العلوي من سقف فم الإِنسان.
[49]البرامكة: هم بنو برمك كانوا وزراء أمير المؤمنين هارون الرشيد.
[50]الجدوى: العطاء. الندى: الكرم. غاضت: جفت. البرامك: البرامكة.
[51]الحادي: الذي يقود الإِبل ويحدو بها أي يغني لها.
[52]ريع: أفزع. سربه: السرب هو القطيع والمقصود: سكانه. ذُعرت: أخيفت وأفزعت. أطلاؤه: جمع طلا وهو ولد الغزالة. الجآذر: جمع جؤذر: وهو ولد البقرة الوحشية. والمعنى: أبناء القصر ونساؤه الجميلات.
[53]تقاضاه: تتقاضاه أي تأخذ منه. حشاشة: بقية الروح.
[54]أعزل الليل: من يبيت بغير سلاح. الحاسر: من لا درع له.
[55]الراح: الخمر. مائره: المائر هو الدم الجاري على الأرض.
[56]الواتر: الذي يأخذ بثأره. يد الدهر: أبد الدهر. الموتور: من له ثأر.
[57]أضمر: أخفى. غدرة: خيانة.
[58]مُلِّي الباقي: تمتع القاتل الغادر، أي فلا تمتع القاتل بميراث الخليفة المقتول، ولا حمد ذكره بين الناس.
[59]غضارة: نعومة العيش وطيبه.
[60]المنجنيق: آلة حربية قديمة تشبه المدافع.
[61]قسرًا: بقوة وقهر.
[62]بطليوس: إِحدى مدن الأندلس.
[63]أقال: أصلح شأننا وجنبنا العثار. الغير: حوادث الدهر.
[64]المزن: جمع مزنة وهي السحابة الممطرة. البهاليل: الأسياد.
[65]أحال: غيّر.
[66]عبدان: عبيد.
[67]هالك: أثارك وأفزعك.
[68]الرفات: جسد الشهيد.
[69]الفلا: الصحراء. مضاء: حدة وسرعة في القطع.
[70]الطوى: الجوع.
[71]أراجل: رجال.
[72]رقطاء: ذات جلد منقط.
[73]فلم ينؤ: لم يتعب ولم يشك ثقلها وألمها.
[74]يُخنى: يُهلك.
[75]يتنزى: بمعنى ينزف دما (وفي هذا الفعل نظر).
[76]الغمرة: الشدة المظلمة. غواشي: جمع غاشية وهي حجاب الظلام.
[77]ذوى: ذبل.
[78]طرفي مطرق: عيني منكسر نظرها تغضى استحياء وأسفًا لواقع الأمة.
[79]يهمى: ينحدر.
[80]يتيم النغم: أروعه وعزيره وأعذبه.
[81]الشمم: الإِباء والشرف.
[82]السنا: الضياء.
[83]نجوى: حديث هامس.
[84]راعف: نازف. الآسى: الطبيب المداوي.
[85]أغضيت: غضضت الطرف وسكنت.
[86]البلسم: الدواء الشافي.
[87]خسيس: حقير، لا قيمة له، عقيم لا جدوى وراءه.
[88]وامعتصماه: استغاثة صرخت بها سيدة عربية في شمال الشام عندما اعتدى عليها الروم أيام المعتصم