حكيم فيلسوف شاعر لغوي أديب عالم كاتب فنان ذلك هو ما يسرع إلي خاطرك من الوهلة الأولي .. لدي رؤية الدكتور حسن ظاظا .
فإذا ما أطمأننت قليلاً وبدأت ترنو إليه .. فإذا كل كلمة من هذه المقدمة تتجسد وتتجرد حتي تملأ عليك مخيلتك وفكرك والمكان ولا تدعك إلا أن تدعها لغيرها فإذا المعاني تترائي .
ذلك هو الأستاذ الدكتور العالم , المشهور المجهول , حسن ظاظا .. نعم .. فالرجل إذا رأيته ولم تكن تعرفه فذلك الشيخ الوقور الذي يفيض أدباً وتواضعاً .. ولا يعدو أن يكون واحداً من أبناء هذه الجاليات التي تكتظ بها هذة العاصمة . جاء لبعض شئونه أما إن كنت تعرفه فهو ذلك العلم المتفرد الذي يصر علي أن يقدم لك الشاي والقهوة بنفسه في بيته فإذا ما إعتذرت كونك لا ترغب إلا تثقل عليه وانتقل هو إلي حديث آخر من أحاديثه الشيقة والجديدة دائما .. والتي تملأ ذاكرته المكتظة علماً وأدباً وحكمة .. فإنه لا يلبث أن يسألك مرة أخري عن مشروبك إذ يريد أن يشاركك فيه وفي هذه المرة سينتصب واقفاًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًً , وعبثاًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًً لن تجدي محاولات مريديه وتلامذته (خليني أنا أعمل الشاي يا أستاذ) أبداً وستري بوضوح كيف أن الرجل يعاني في وقفته .. وحركته وإنحناءة ظهره الواضحة .. وهنا لا تتهم السنين , فإنما ناء ظهره بما حمل من علم ومن حلم وآلاف آلاف الأبيات من الشعر والحكم .. والرسالات العلمية والشهادات الدراسية والمؤلفات والفلسفات , فقصيدة واحدة من قصائده غير المحصورة عدداًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًً .. هي البهلول بلغت خمسون ألف بيت حتي الآن ,, وما زالت تتنامي .. هذا عدا ما يحفظه في هذا المجال .
وكان رحمه الله يبهرك بتنوع دراساته وأبحاثه فمن رسالته في الأدب المقارن , إلي رسالته في تاريخ الفنون , إلي رسالته في العبرية , إلي علوم الفرس , إلي آداب اللغة العربية .. فإذا ماعبرت إلي اللغات فستجد نفسك أمام علم الفن المقارن وأمام معجم يحوي الكثير من اللغات يتقنها أحسن من أهلها .. وأما الفرنسية والإنجليزية فيوازيه من أهلهما الأدباء والمثقفون , ثم الفارسية والتركية .. وشئ من الألمانية والمالطية ولغات لحاضارات سادات ثم بادت وأخري سادت وما زالت .
كان رحمه الله يختصر لك التاريخ , فيقدم لك في جلسة واحدة بسيطة العلم والشعر والفلسفة والتاريخ ونبذة عن الأديان والفنون والشاي والقهوة .. بالمجان .. لاشيء غير أن تسأل ... ثم تفتح قلبك وعقلك لتتعلم .
وفي مجلس ظاظا لن تشعر أنك المتكلك أو صاحب التجربة أو الجديد وسيكون موقعك دائما إما سائلاً أو منصتاً . ولكنك لن تشعر أبداً انك الأقل علماًًًًًً أو نضوجاً أو يشعرك بأنك تعلم ماتسمع وتعرف ما يقال وأنت متميز .. ومشارك .. وصاحب رأي .. وفكر .
وظاظا كان لا يصطدم أبداً بمحدثه .. وقد يغري البعض بساطته إسلوباً .. ومظهراً .. بأن يعترض .. أو يحاول أن يبدو مصححاً .. فإذا مافرغ .. وأجاد الإستماع ؟؟ له ظاظا ومن خلفه كل الحاضرين . فهو يدور حول الحقيقة حتي يوصلهاإلي صاحبه كاملة مقنعة في غير صدام .. ولا إصرار فتجده قائلاً مثلاًًًًًًًًًًًًًًًًًًً : رأيك الصحيح .. وقد قرأته .. إلا أن كذا وكذا ولو كان ذلك لكان ذاك دونما إصرار أو إستسلام . فإذا بالحقيقة غير حادة الجوانب لا تجرح من يتلقاها .
وظاظا طراز غريب من العلماء .. والناس ممن قابلت وعرفت , وهو سيبهر حاضريه بأن يقول مثلاً كان ذلك السنة 1930م , وكان اليوم أربعاء ,وكنا في شهر يوليو , قابلته شارع فؤاد وكان يرتدي حلة لونها .. أبيض ,.
فيما صغيرته ترتدي فستاناً أحمر .. فإن كنت ضيفاً جديداً علي مجلس "ظاظا" فأخرج بهدوء قلمك ومذكرة جيبك ودون بها ما سمعت . وبعد عام كامل .. إن كنت ما زلت تريد التأكد أخرج مفكرتك وستجد أنك نسيت بعض بعض نقطة علي بعض حرف . أما "ظاظا" فقد روي ببساطة وقناعة .. ما قاله كما قاله من قبل .
وهو أحد أبرز رجالات العلم والأدب في عالمنا المعاصر . وهو قد زار ويعرفها وتعرفه كل جامعات الدنيا . من الجامعة العبرية بحيفا , إلي أستاذ بجامعات القاهرة والإسكندرية ومالطة وبيروت والسربون ولبنان ودمشق وبغداد والسند وبلاد تركب الأفيال .. وليست هناك جامعة لا ترسل للرجل بطالب ليتعلم , أو رسالة يصححها , أو بحث تستشير فيه رأيه , أو مشاركة علمية .. تطلبها .. أو دعوة لمناقشة أحد المتقدمين لرسالة – في مجال من المجالات .
و"ظاظا" رابض في صومعته كالراهب , صامد كالجبل , فياض كنهر النيل , ولو قدر لك أن تراه فستراه دائماً بنظارته وقلمه وكتبه وقرطاسه علي التي طالما .. أخرجت للعالم روائع أدبية وثقافية .
رحم الله أستاذنا .. أستاذ الجيل . الدكاترة حسن توفيق محمد ظاظا العربي ثم المصري .
المهندس/ حسن البنا