الكاتب والمفكر السويدي – السوري الأصل – الدكتور محمد رحال يسمي الأستاذ محمد حسنين هيكل بالرئيس الخلفي (طوال عهد جمال عبدالناصر).. أي الرئيس الحقيقي المسئول عن اعتقال الآلاف وتقييد الحريات العامة والخاصة والتضييق على الصحفيين والكتاب ووقف بعضهم عن العمل أو اعتقالهم بأوامر خارجية كما فعل مع الراحل الكبير الأستاذ محمد جلال كشك بعد أن هاجمته صحيفة "البرافدا" السوفيتية عام 1962 وحذرت من تأثيره السيء في علاقات مصر بموسكو، فأُبعد من العمل في أي مجال نهائيًا حتى عام 1967.
في تلك المرحلة كان الكتاب اليساريون مسيطرين على الإعلام وهي سيطرة مستمرة إلى الآن يستخدمونها في التزوير واختلاق الأخبار ضد الرئيس مرسي، ومن ذلك ما نقله الكاتب الكبير محمد عباس عن أحد أصدقاء الشيخ محمد فرغلي الذي أعدمه عبدالناصر عام 1954 رغم أنه كان مرشحًا لمشيخة الأزهر، بأنه وجد مع شقيقه وصيته التي بينت أنه لا يملك شيئًا يورثه سوى نصف منزل في الإسماعيلية مؤجر بـ120 قرشًا، أي أن نصيبه منه 60 قرشًا، ومع ذلك نشرت الأهرام عقب تنفيذ الإعدام صورة كبيرة مفبركة في صدر صفحتها الأولى لعمارة شاهقة تقف تحتها سيارة مرسيدس وعلقت بأنها تخص الشيخ فرغلي من الأموال التي كان يتبرع بها الناس لحرب فلسطين.
في تلك السنة فاقت الاعتقالات في يوم واحد 18 ألف شخص كإجراء وقائي باعتراف عبدالناصر في خطابه أمام المؤتمر القومي، وقبلها كان هيكل قد انتهى من تأليف كتاب "فلسفة الثورة" المنسوب لعبد الناصر، وقد أكد هيكل لقناة الجزيرة أنه مؤلفه الحقيقي.
في كتابه الرصين الموثق "تفكيك هيكل.. مكاشفات نقدية في إشكاليات محمد حسنين هيكل" أفرد الدكتور سيار الجميل وهو عراقي الأصل وأستاذ للتاريخ في بعض جامعات أوروبا وأمريكا جزءًا لقراءة اتهامات الراحل محمد جلال كشك لهيكل في كتابه (ثورة يوليو الأمريكية) وخصوصًا الفصل المعنون بـ"التاريخ البلاستيك وهيكل"..
قال الجميل إن في الكتاب إدانات واضحة ومقارنات صريحة لا حصر لها في المعلومات التي سجلها المؤلف على كتب هيكل، وإن كشك قد وثق جملة كبيرة من مقارناته التي سيستخدمها الباحثون في نقد هيكل بمتابعاتهم عنه مستقبلًا.
بلغت صفحات كتاب (ثورة يوليو الأمريكية) 654 صفحة.. من يقرأه – والكلام للدكتور سيار الجميل – سيقف حائرًا جدًا ليس إزاء رجل اسمه محمد حسنين هيكل، بل إزاء جملة من الأسرار التاريخية في حياة العرب إبان النصف الثاني من القرن العشرين والتي أعتقد أن ألغازها ستحلها الأجيال القادمة في القرن الحادي والعشرين.
لا يخالج الجميل شك في أن "هيكل صحفي ناجح أولًا وأخيرًا وقد فاق غيره بإمكانياته الباهرة وأسلوبه المبسط، وهو من النوع الذي يريد أن يكون دومًا في قلب السلطة، ويطمح أن يكون مقاربًا لعلية القوم، ولا يتعامل إلا مع من في مستواهم، كما أنه من النوع الذي يعتقد بأن كلمته هي الأخيرة دومًا".
يقول إن أبرز نقد وجه لمؤلفات هيكل فقدان مصداقية كتبه لأنه يتكلم باسم الأرشيف والوثائق، لكنه لم يوثق أي مادة كتبها توثيقًا منهجيًا وعلميًا، كما اتهمه النقاد بتحريف النصوص المنقولة من المصادر التي اعتمد عليها، فضلًا عن إيراده جملة من الأخبار والروايات التي يدعي أنها وردت على ألسنة بعض الزعماء العرب الذين التقى بهم بشكل خاص بدون توثيق.
بقدر ما كان الأرشيف لهيكل مصدر قوة في حمله أسرار الجميع بالوثائق فإن الدكتور فؤاد زكريا – المعادي للتيار الإسلامي وصاحب كتاب "العلمانية هي الحل" - يتهمه بأنه غير قادر لوحده أن يجمع كل المعلومات الوثائقية ويرتبها، كما أن في الأرشيف قضايا كثيرة لهيكل لو استخدمت ستصيب فيه مقتلًا.
ويصف الدكتور الجميل هيكل بأنه سياسي محابٍ ومؤرخ متحيز ومشكلته الخطيرة هي التوليف بدلًا من التوثيق. هول في وثائق حلف بغداد التي أسماها بالسرية، بينما لم تكن هناك أية أسرار لم تكشف عن هذا الحلف.
شوّق هيكل القراء بمجموعة كبيرة لا تحصى من مقابلات وحوارات وسفريات واستعراض عضلات وتوصيف لنفسه بمزيد من الوجاهات وكلها أنشطة وهمية يشك في حدوثها. من ذلك حديثه بعد وفاة الملك حسين عن لقاءات متعددة جمعتهما في فندق كلاريدج بلندن ولا يوجد دعم موثق لذلك.
ويضيف الدكتور سيار الجميل إن عبدالناصر لو عاد للحياة لاندهش وانزعج ولهاله أمر هيكل الذي كتب باسم عبدالناصر على مدى ثلاثة عقود من دون أي توثيقات رسمية.
الأستاذ محمد جلال كشك كشف في كتابه الشهير "كلمتي للمغفلين" دراسة كاملة بالوثائق لطبيعة ثورة يوليو 1952 كواحدة من عشرات الانقلابات العسكرية التي نفذتها المخابرات الأمريكية في شتى أنحاء العالم الثالث، ووفقًا لكشك لم يجرؤ ناصري واحد على أن ينتقد حرفًا في هذا الكتاب.
مايلز كوبلاند (رجل المخابرات الأمريكية) في كتابه "لعبة الأمم" الذي نشره عام 1969 تحدث بإسهاب عن تلك العلاقة وقرنها ببعض الوثائق. يروي جلال كشك في كتاب "ثورة يوليو الأمريكية" أن كوبلاند وكيميت روزفلت عميلي السي آي أيه التقيا هيكل في لقاءات سرية وبعدها أعطت المخابرات الأمريكية الضوء الأخضر لعبدالناصر بالتحرك لقلب نظام الحكم الملكي وجعله نظامًا ثوريًا جمهوريًا.
هيكل استفاد بلا شك من السيطرة اليسارية على الإعلام والثقافة في مصر، فلم يكن كاتب عبدالناصر الأوحد فحسب، بل الأستاذ الذي يتم استضافته لأنه يعرف أكثر في كل العصور، ينصح ويرسم خطط المستقبل متمسكًا بالأنا المتضخمة والتي أحصى أحد المحللين تكرارها خلال حوار واحد 200 مرة.