لا تعني استقالة الدكتور محمد فؤاد جاد الله مستشار رئيس الجمهورية للشئون القانونية بالمبررات التي ذكرها أن سياسة الرئيس مرسي خاطئة وأن كل ما قاله المستشار صحيح، ولكنها تثبت أن اختيارات الرئيس لبعض مساعديه ومستشاريه جانبها الصواب.
الاستقالة حق مشروع في النظم الديمقراطية وجريمة لا تغتفر في النظم الديكتاتورية، وبالتالي فقد مارس جاد الله حقه السياسي والإنساني، إلا أن تفاصيلها تؤكد بكل وضوح قلة خبرته بحساسية القرب من صانع القرار الأول والتأثير فيه، فقد يكون قانونيًا ضليعًا وهو ما لم يستطع البرهنة عليه طوال الشهور التسعة التي قضاها في الرئاسة، لكنه لم يفهم مآلات السياسة وشروطها، فاستقال لسبب قد لا يكون ضمن كل ما ساقه، ثم آثر الخروج بزيطة لا تجوز، وهو ما صنفه المحامي الكبير الأستاذ منتصر الزيات بخانة الفجور في الخصومة ممن كانوا ينتمون لجماعة الإخوان وخرجوا منها أو عليها.
الدكتور جاد الله أكد في بيان الاستقالة أنه لا ينتمي للإخوان ولا لحزب الحرية والعدالة كدليل على أنه لم يخطئ أثناء عمله وإلا كان أول من تم التضحية به على حد قوله، وهنا نلحظ ارتباكًا شديدًا، محاولة لكتابة صك براءة يراد به توجيه رسالة من داخل القصر بأن الرئيس فاشل في عمله، عاجز عن إدارة حوار وطني وأن "الجماعة" تتغول عليه وعلى الحكم.
إذا أخضعنا الأسباب السبعة التي استقال من أجلها جاد الله، سنجد قلة الخبرة السياسية واضحة في كل منها، فدور المستشار ليس صناعة القرار ولكن إبداء المشورة والمساعدة بخبرته في تبيان ما فيه القرار من مصالح وما سينتج عنه من مفاسد. الرئيس يستمع إليه كما يستمع إلى آخرين وفي النهاية يصدر قراراته التي يتحمل وحده مسئوليتها.
المحصلة أننا أمام مستشار لم يفهم وظيفته جيدًا وشخصية لم تكن معروفة على الإطلاق قبل ولوجها قصر الرئاسة فخانها المنطق في التعبير عن غضبها من شيء ما بسبب قصوره في فهم متطلبات السياسة وأسرار غرفة صناعة القرار فأفلتت سطوره بكلام لا يجوز، وذلك من شأنه زيادة الاحتقان وتأليب الآخرين وهز الثقة في رئيس الجمهورية.
قد يكون صحيحًا أو افتراءً ما ذكره مصدر في رئاسة الجمهورية أن استقالته جاءت غضبًا من عدم ترشيحه لإحدى الوزارات التي طلبها في التعديل الوزاري، لكن هذا مؤشر على عدم خضوع المستشارين والمساعدين الذين دخلوا القصر الجمهوري لاختبارات سيكولوجية ومعرفية وسياسية كافية، ولم تكن هناك تحريات دقيقة وشاملة عن سيرتهم الذاتية. ليس هذا طعنًا فيهم ولكن لأن المناصب والوظائف الحساسة تحتاج الإلمام بواجباتها وتفاصيلها ومتطلباتها أثناء ممارستها وعقب الخروج منها.
أعتقد أن الرئيس مرسي أخطأ بداية في تسمية هيكل المستشارين والمساعدين، فليس هذا من عادة القصور الجمهورية والملكية مع أنها ملأى بالخبرات في المجالات المختلفة والضرورية.
لم يعرف الرأي العام مثل تلك الهياكل في عهود مبارك والسادات وعبد الناصر مع أنها كانت موجودة تحت إشراف رئيس الديوان كما الحال مع الدكتور زكريا عزمي أثناء مبارك، أو تحت رئاسة وزير شئون رئاسة الجمهورية كما مع سامي شرف في الشهور الأخيرة من حكم عبد الناصر وقبلها كسكرتير للمعلومات بدرجة وزير.
دخل خبراء كثيرون وخرجوا في تلك العهود دون جلبة أو صياح أو اصطناع بطولات، ولعل أبرزهم الدكتور مصطفى الفقي سكرتير الرئيس السابق مبارك للمعلومات بين عامي 1985 و1992 وقد خرج من منصبه بصورة دراماتيكية رغم خبراته السياسية والدبلوماسية الكبيرة، فلم يتكلم ويتحدث بشيء إلا بعد سقوط النظام.
يقول البعض إنه الخوف من بطش الأنظمة السابقة وهو ليس صحيحًا، لأن أمثالهم في النظم الديمقراطية التزموا بفضيلة الصمت بعد إقالتهم أو استقالتهم.. وفضيلة الصمت ليست للمداراة على الأخطاء أو غض الطرف عنها، وإنما واجب مفروض على من يقترب من الصندوق الأسود حفاظًا على المصالح العليا للبلاد.
هذه نصيحة أمينة للدكتور مرسي لمراجعة أمر المستشارين والمساعدين برمته، وإعادة هيكلة رئاسة الجمهورية بإخضاع من يعملون بها لكشف هيئة شامل. لا نريد أن نعلم أسماءهم حتى لا تكون الرئاسة طريقهم إلى الشهرة أثناء العمل داخلها أو الخروج بكتابة خطابات استقالة مفتوحة تضمن لهم أضواءً أكثر وربما تهبط عليهم الفضائيات بمالها الوفير.