على بساطة المواجهات الكلامية بين بعض أطياف التيار الإسلامى، خصوصًا بين فصيل من السلفيين وجماعة الإخوان، يبدو أنها تسير على خطى أحزاب المجاهدين فى أفغانستان عقب تمكنها من دحر النظام الشيوعى وحليفه الاحتلال الروسي، محققة أكبر انتصار إسلامى فى التاريخ الحديث منذ سقوط الخلافة العثمانية.
الحقيقة الناصعة هنا وهناك، تتمثل فى عدم قدرة الإسلاميين على إدارة خلافاتهم وتطور ما بينهم من خصام سياسى إلى عنف لفظى واستهداف لإسقاط الآخر.
للأسف سقطت التجربة كلها فى أفغانستان لصالح الاحتلال الأمريكى وحكم علمانى بائس لا يملك من أمره شيئًا، وتمزق المجتمع الأفغانى، وعاد مئات السنين إلى الوراء، حتى صار العواجيز ممن عاشوا مرحلة الحكم الشيوعى يترحمون على أيامه إذا قارنوها بأفغانستان اليوم.
بعد وحدة كل أحزاب المجاهدين الأفغان وفصائلهم تحت مظلة الإسلام طوال ثمانينيات القرن الماضى ونجاحهم فى إخراج السوفييت، ثم إسقاط نظام محمد نجيب الله، بدأ الخلاف مع الزحف نحو كابل 1992 التى سقطت فى يد قوات أحمد شاه مسعود، والسبب الاستعجال فى مقاسمة كعكة السلطة، التى لم تكن قد وضعت فى فرن الإنضاج أصلًا أو لم يتم تجهيز دقيقها.
وفى النهاية سقطوا جميعًا. اغتيل أسد بنشير أحمد شاه مسعود، وتلاشت للأبد نماذج قيادية تجاوزت شهرتها آفاق العالم، مثل قلب الدين حكمتيار، وبرهان الدين ربانى والشيخ عبد رب الرسول سياف، وغربت الفكرة الإسلامية فى ذلك البلد.
عندما قابلت ذات يوم فى مدينة جدة الشيخ الدكتور عبد الله عزام، وكان عائدًا لتوه من وساطة بين أحمد شاه مسعود فى الشمال الأفغانى والحزب الإسلامى بقيادة حكمتيار، كان غاية همه إطفاء المعارك الكلامية والشطط فى تحويل الخلاف إلى احتراب، وقال لى يومها إن المشكلة أساسها عدم قدرة الإسلاميين على إدارة خلافاتهم. لاحقًا اغتيل رحمة الله عليه قبل أن يشهد الكوارث التى جرّها ذلك الاحتراب الأهلي.
بين عامى 1992 و1996 دمرت أحزاب المجاهدين المتناحرة 70% من كابل وقتلت أكثر من 50 ألف شخص معظمهم من المدنيين، وذلك لم تحدثه حرب زادت على عشرة أعوام ضد الشيوعيين والاحتلال السوفييتي.
فى يونيه 1996 تم التوصل إلى اتفاق لتقاسم كعكة السلطة بين برهان الدين ربانى وحليفه أحمد شاه مسعود من جانب وبين حكمتيار من جانب آخر حيث تولى الأخير رئاسة الحكومة، ولكن بعد أن قضى الأمر، فقد أتت الحرب الأهلية على البلاد ودمرت بنيتها التحتية الفقيرة، وتأسست فى تلك الأجواء حركة طالبان التى تمكنت من إسقاط كابل فى سبتمبر 1996.. أما بقية القصة فمعروفة وتعيش أفغانستان ظلامها الدامس حاليًا.
فى مصر.. لم يتوقع أحد أن تؤول السلطة يومًا إلى التيار الإسلامى الذى كان متوحدًا رغم خلافات أطيافه القديمة خصوصًا بين السلفيين والإخوان، واستطاع بتوحده فرض أجواء جديدة شدت التأييد الشعبى عبر القواعد الديمقراطية بدءًا من استفتاء مارس 2011 ومرورًا بانتخابات مجلس الشعب المنحل الذى حققوا أغلبية مقاعده ثم الحصول على أرفع منصب فى البلاد وهو منصب رئيس الجمهورية.
فشلت القوى والأحزاب المتلبرلة فى مصر (لا يوجد ليبراليون حقيقيون بالمعنى الغربي) فى النيل من نظام مرسي أو الحيلولة دون تمرير الدستور الجديد بسبب وقوف الإسلاميين صفًا واحدًا، لكنهم فجأة وعقب الاستفتاء على الدستور بفترة وجيزة دبت الخلافات بينهم وتطورت بشدة.
المتعاطفون مع حق ذلك التيار من غير الإسلاميين فى الوصول إلى السلطة ديمقراطيًا - ومنهم كاتب هذه السطور - يشعرون بالهزيمة النفسية بسبب ذلك. الهجمات المتبادلة تستخدم قاموسًا من العنف اللفظى غير مسبوق.
أستاذ فى إحدى الجامعات الأمريكية كان يحدثنى منذ أيام عن ما ستؤول إليه الأوضاع إذا قضى الأمر بسقوط مرسي. يقول إن تجربة التيار الإسلامى فى الحكم ستنتهى تمامًا، فلن يؤول ميراث مرسى إلى أى من الفصائل الأخرى، على العكس سيعود الجميع إلى المعتقلات.
أتذكر الآن عبارة عبد الله عزام "فشل الإسلاميين فى إدارة خلافاتهم".. فهل ستكون نفسها سبب نهاية الحلم المصري؟!