أحد أبناء قريتي لما رأى العدد المحدود جدًا للصبية أثناء هجومهم بالمولوتوف يوم الجمعة الماضي على قصر الاتحادية – رمز سيادة الدولة – قال ساخرًا: هؤلاء لو هاجموا دوار العمدة عندنا لاعتقلناهم في دقائق أو أرديناهم قتلى في الحال لأنهم يقومون بعمل إرهابي يرخص القانون استخدام أقصى درجات الحزم والقوة معه.
معه حق.. لماذا ترك عدة أفراد يعدون على أصابع اليدين، يشعلون النار في سيارة شرطة وكادوا يتمكنون من اقتحام قصر كان مجرد الإشارة إليه في عهد مبارك الترحيل إلى المعتقل؟!
إنها دولة مبارك التي يواجهها مرسي بمفرده ثم نهاجمه لأنه يحاول تطهيرها ونتهمه بالأخونة، ونسعد بمن رفع المنديل الأبيض من مستشاريه الذين اختارهم من قوى أخرى لها منهج وتفكير مختلفان، ومن يدري فربما يكون بعضهم خلايا نائمة في القصر كما أشار الأستاذ محمود عوض في أحد مقالاته الأخيرة.
دولة مبارك موجودة بقوة وكثافة في كل المؤسسات. القضاء يدفع مصر إلى ما قبل ثورة 25 يناير. أجهزة عديدة تقف متأهبة للانقضاض مع إبراز حالة الانفلات لإعطاء انطباع بأن دولة مرسي منهكة ومريضة لا تستطيع حماية مقراتها السيادية، وحتى الشرطة التي يقال إنه تم أخونتها يتعرض أحد ضباطها للضرب والسحل بعد أن أخرجه مجموعة من الشباب من سيارته.
رسالة لمن يعنيه الأمر من دولة مبارك بأنه لا يوجد رئيس منتخب ولا حكومة ولا داخلية ولا مخابرات ولا أمن دولة. نفهم ذلك عندما نرى بعض الوجوه التي رمت قصر الاتحادية بالمولوتوف ظاهرة بما يمكن من الاستدلال عليهم خلال ساعة واحدة، كذلك الوجوه التي سحلت ضابط الشرطة ظاهرة ومن اليسير التعرف عليها.
كلهم يظلون طلقاء ليعودوا مرة أخرى، وإذا قبضت الشرطة على بعضهم ذرًا للرماد في العيون يقوم القضاة بإطلاق سراحهم.. كل مؤسسة في دولة مبارك تكمل الأخرى، فيما تقوم قنوات الردح بتوفير الغطاء الإعلامي للتشويه وصياغة الصور السلبية.
استغرب الأستاذ فهمي هويدي بأن الأجهزة الأمنية لا تقبض على الأشخاص الذين تظهر وجوههم بوضوح في الفيديوهات التي تبثها القنوات الفضائية أثناء قيامهم بإشعال الحرائق في المباني والمقرات وإلقاء المولوتوف، بينما نجحت السلطات الأمريكية خلال ساعات قليلة من ضبط الشقيقين المسئولين عن تفجير بوسطن من خلال صور الكاميرات رغم أن نصف وجه كل منهما كان مغطى!
أخطر ضربات دولة مبارك نجاحها في محاولة التخلص من بعض الصقور الذين كانوا يرهبونها. لقد أخافهم الشيخ عاصم عبد الماجد الذي منع بجسارته انسحاب الشرطة من الشوارع عندما دبرت دولة مبارك لاعتصامهم وإضرابهم عن العمل. نجحت تلك الدولة في التخلص منه وبالتالي إضعاف الجماعة الإسلامية التي تتميز بقواعدها في الصعيد خصوصًا في المنيا وأسيوط وسوهاج ولعبت دورًا كبيرًا في إسقاط أحمد شفيق في الانتخابات الرئاسية وفوز محمد مرسي.
عبد الماجد يسمونه أسد الصعيد كما كان أحمد شاه مسعود يسمى بأسد بنشير، مع اختلاف دور كل منهما، وهكذا أزاحته دولة مبارك من طريقها بالضغط الإعلامي العنيف على الجماعة الإسلامية والذي اضطرها إلى إصدار بيان تتبرأ به من تصريحات عادية جدًا يطالب فيها الرجل بالاعتصام والتظاهر السلمي أمام المحاكم ومنازل القضاة.
نسي الجميع أن القوى الأخرى تتهجم بالمولوتوف على قصر الاتحادية، وأن حركة 6 إبريل أغلقت دار القضاء العالي بالجنازير ووضعت البرسيم أمام منزل محمد مرسي في الشرقية، وأن بعض رجال النيابة والقضاء الذين جمعهم أحمد الزند صوبوا رصاصهم من داخل النادي على المتظاهرين السلميين ضدهم.
استقالة عبد الماجد ضربة قاصمة لقواعد الجماعة الإسلامية في الصعيد التي ستضعف كثيرًا وهذا أكبر إنجاز لدولة مبارك انتقامًا مما فعلته الجماعة عندما أحبطت خطة إضراب الشرطة وإغلاق الأقسام وتفريغ الشوارع أمنيًا.
في إطار الحرب الشرسة تمت فبركة ما قيل إنه تفريغ لمكالمات بين الإخوان وحماس أثناء ثورة يناير للإيحاء بأنها صنيعة حماس وأنها المسئولة عن فتح السجون وإطلاق سراح محمد مرسي الذي كان معتقلًا بقرار إداري في اليوم الأول للثورة وليس محكومًا عليه قضائيًا.
أحمد شفيق في حواره الأخير مع قناة "القاهرة والناس" تحدث عن ضابط في الداخلية أخبره قبل ظهور نتيجة الانتخابات الرئاسية بأن اجتماعًا هامًا يجري داخل مكتب الوزير، وأنه – أي شفيق – اتصل مرتابًا بالدكتور كمال الجنزوري الذي ظهر حائرًا وقال له "تفتكر نقدر نعمل أيه". هذا القول يؤكد أن الداخلية ورئيس الحكومة وقتها كانا يمثلان ركنًا هامًا في دولة مبارك.
نفس الأمر ينطبق على قوله بأن مطار القاهرة اتصل به ليخبره بأن تعليمات عليا وصلت بمنع سفر بعض القيادات، منهم عصام سلطان ومنهم من ينتمي إلى الإخوان، وهذا يعني أن دولة مبارك كانت متحكمة في موانئ مصر مع الخارج.
مرسي يقود معركة بقاء أو سقوط للثورة أمام دولة مبارك التي اخترقت جميع المؤسسات وزرعت خلاياها النائمة داخل القصر الجمهوري.