مهم جدًا الاقتراح الذي طرحه الأستاذ مجدي حسين بتجميد نظر المحاكم للقضايا السياسية والإعلامية لحين انتخاب مجلس النواب وإصدار قانون استقلال القضاء وقانون المحكمة الدستورية العليا.
إذا كان بعض القضاة وهيئاتهم يقولون إنهم سيتعرضون لمذبحة جماعية بصدور تعديلات قانون السلطة القضائية، فلهم تجميد ذلك مؤقتًا مقابل تجميد نظرهم للقضايا السياسية والإعلامية، فقد أثارت الأحكام التي صدرت في بعضها جدلًا واسعًا ولا تحظى بثقة الرأي العام في حياديتها، سيما أن القضايا التي تستهدف المؤيدين للرئيس مرسي تصدر سريعًا بهمة غير مسبوقة، في حين أن هناك تقاعسًا بالنسبة للدعاوى المرفوعة ضد الجانب الآخر وأحكامًا مشددة لصالحهم.
ارفع ما شئت من القضايا على تلك القناة المعادية لمرسي التي تتهجم بأحط الألفاظ وتقذف الآخرين بالباطل. افعل ذلك أيضًا مع صحيفة تفبرك أخبارها وتهدد الأمن القومي، فلن تنال شيئًا بل قد تهدد بالذهاب إلى السجن فتضطر إلى سحب شكواك. لكن ارفع قضية ضد الجانب الآخر سواء قناة فضائية أو إعلاميًا تجد أن المصير هو الإغلاق والمنع.
يضاف إلى ذلك مهرجان أحكام البراءة لرموز النظام السابق التي لا يطمئن لها الرأي العام، والحملة العنيفة التي تشن على النائب العام المستشار طلعت عبد الله ومقاطعة استدعاءات النيابة بدعوى عدم الاعتراف بشرعيته، ثم التهديد بإقامة الدنيا إذا صدرت لهم أوامر ضبط وإحضار. الطرف الآخر يتم ضبطه وإحضاره فورًا إذا تأخر بعض الوقت عن تلبية استدعاء النيابة وتذهب فرق العمليات الخاصة لاعتقاله!
السجون التي فتحت يوم 28 يناير 2011 وتهريب المساجين منها، غض القضاء الطرف عنها جميعًا فيما عدا سجن وادي النطرون لأن الرئيس مرسي كان معتقلًا فيه، والأكادة أنه كان معتقلًا بأمر إداري من أمن الدولة وليس بحكم قضائي على خلفية الدعوة لتظاهرات 25 يناير، أي أنه كان معتقلًا كثائر أو مشاركًا في ثورة أزاحت نظامًا سابقًا بغشوميته وديكتاتوريته واعتقالاته وجهاز أمنه.
هذه قضية سياسية لضرب مرسي ينظرها القضاء ولا نرتاح له فيها، خصوصًا مع ظهور علامات ابتهج لها إعلام الردح كأنها الفتح المبين كطلب الدفاع استدعاء حاتم بجاتو لمعرفة كيفية قبول لجنة الانتخابات الرئاسية أوراق ترشيح محمد مرسي بالرغم من أنه سجين هارب!
قياسًا على ذلك فإن كل السنوات التي قضاها المناضل نيلسون مانديلا في رئاسة جمهورية جنوب إفريقيا باطلة لأنه كان معتقلًا في سجون النظام العنصري، ومن المفترض أن ينحو قضاء ذلك البلد منحى قضائنا الشامخ فيستدعي المسئول عن قبول أوراق ترشحه ثم انتخابه رئيسًا!
إنه جزء يسير من أسباب أهمية تجميد نظر المحاكم للقضايا السياسية والإعلامية لحين الانتهاء من الاستحقاقات التي تحدث عنها الأستاذ مجدي حسين، فلا يجوز أن تستمر فيها في ظل عدم الاطمئنان لأحكامها، إضافة إلى المستقر في الأذهان بخصوص السلالات القضائية التي تمتد حلقاتها بالتوريث من بيوت عائلية.
تلك حقيقة كالشمس لم تتوقف إلى الآن، حيث قرأنا لعصام سلطان أن الرئيس مرسي سيعتمد ويصدر قرارًا بتعيين 128 من أبناء المستشارين خلال أيام، ومنهم من حصل على الليسانس في مدة أكثر من أربع سنوات، ووافق المستشار أحمد مكي على ذلك مع أن هناك الأحق منهم.
لم يصدر نفي حتى كتابة هذه السطور ما يعني أن الكوارث التي تضرب حصن العدالة مستمرة وممنهجة. تقول رسالة تلقيتها من الأستاذ محمد كمال الدين السيد تعليقًا على ما كتبه عصام سلطان إن الفاشل الذي سيعين اليوم في أول سلم النيابة سيكون بعد سنوات قاضيًا كبيرًا فاسدًا، أو مع أحسن الظروف فاشلًا ومتواضع المستوى مثلما نرى من كثير منهم حاليًا.
بالفعل كما ذكر الأستاذ مجدي حسين فإن ثورة يوليو جمدت نظر المحاكم للقضايا السياسية من عام 1952 إلى عام 1956 باعتباره قضاءً مواليًا للملكية، وإلا كان ذلك القضاء قد أصدر حكمًا قضائيًا بعدم شرعية إعلان الجمهورية. بل إن عبد الناصر عندما قام بمذبحة القضاء عام 1969 كان مبرره أنه قضاء موالٍ للنظام الملكي رغم مرور 17 سنة على الثورة.