أصح وصف يمكن أن يقال عن تظاهرة يوم الجمعة 22 مارس، والاحتشاد أمام مكتب الإرشاد بالمقطم، وعن سببها: كلمة حق يراد بها باطل، فالسبب الظاهر أو الحجة التي تذرعت بها جبهة الإنقاذ والأحزاب التي دعت للاحتشاد: هو ثأر الصحفيين، ولأن امرأة صُفعت على وجهها، مع رفضنا للاعتداء أيًا كان مصدره، وإدانتنا لمن ذهب يتطاول على الناس في مقراتهم، أقول: إنها كلمة حق يراد بها باطل، وقميص عثمان الذي حملته جبهة الإنقاذ، لأن هناك أحداثًا أشد منها حدثت، ولنشطاء معروفين بموقفهم الثوري الواضح، ولم تحرك الجبهة ساكنًا نحوهم، فقد ضربت الناشطة نوارة نجم من متظاهري ماسبيرو ومعروف توجه متظاهري ماسبيرو جيدًا، ولم تخرجوا، وصفعت الناشطة أسماء محفوظ على وجهها من مسيحي، ولم تخرجوا، وضربت امرأة أمام الاتحادية ولم تنبسوا ببنت شفة، واُعتدي على امرأتين من الإخوان المسلمين العام الماضي في انتخابات مجلس الشعب في دائرة أوسيم، ونسب الاعتداء لحملة المرشح خالد تليمة، وموقف آخر حاول الاعتداء على امرأة أخرى شاب من نفس الحملة، وسترت الموقف لأني أعلم طبيعة المجتمع الريفي ستكون أنهار من الدماء لا تنتهي، وقمت بدور الوساطة في الحادثة الأولى، وإنهاء الأمر بالتصالح، ولم ينكر أو يشجب أحد الاعتداءات التي سبقت، فواضح جدًا أنها ذريعة وحجة واهية، تذرعت بها جبهة الإنقاذ ومن دار في فلكها، وإعطاء غطاء شرعي لبلطجة توقع الجميع حدوثها، وبشكل أوسع مما حدث.
وتعامل الإخوان في أحداث الاتحادية والتي قتل لهم فيها ما يقرب من عشرة، وجرح أكثر من ثلاثمائة فرد، ثم ختمت بموقعة الجبل (المقطم)، بمشاهد دامية، وقد تعامل الإخوان معها بصبر، رآه كثير من الناس أنه صبر ليس في محله، وليس موضعه ولا مكانه، فهل تأمل هؤلاء الذين أشعلوا النيران، وحرقوا المقرات، والسيارات والبشر، وسحلوا من سحلوا؟ هل تأمل من حرضهم، أو أعطاهم الفرصة والغطاء؟ هذا السيناريو المرعب الذي لو حدث لأنذر بكارثة تودي بمصر، وبحرق من أشعل النيران وحرض عليها قبل غيره.
فماذا لو أفلت الزمام من قيادة الإخوان ومسؤوليها، وخرج الشباب يأخذون بحقهم من نخبة يعلمونها يقينًا وقد حرضت عليهم، وجلبت لهم بلطجية، وصوروا بعضهم وفي يده الحجارة، وبعضهم يحرض، وبعد التحريض لم يتخيل أن الدم سيكون بهذه الوقاحة، فخرج الشباب عليهم وهم يعرفون عناوين بيوتهم فردًا فردًا؟ ماذا لو تخلى شباب الإخوان عن وسطيتهم، وأخذوا برأي فقهي يجيز لهم الرد بأخذ حقهم؟ هل يستطيع أن يبيت آمنًا واحد ممن يعرف نفسه بأنه ناشط سياسي، أو تاجر ثورة؟ هل سيصبح الوطن وطنًا، أم غابة؟!
ماذا لو فكر أحد من أصيبوا من الإخوان وضغط على الجماعة، وطلب الأخذ بحقه، فقررت الجماعة كعهدها وعادتها: أن الصفح والصبر هو وسيلتنا، فقرر الشخص الانتقام بنفسه، وبوازع من داخله، خاصة والدولة ومظاهرها غائبة، والأمن المصري مشتت في الشوارع بفعل فاعل متعمد، مقصود به تفريغه من مهمته الأساسية وهي حماية الناس وأمنهم، ليسهل بذلك للمعتدي أن يمر بجريمته دون عقاب؟ ماذا سيفعل وقتها من هللوا وطبلوا للدم، والعنف، والأجساد المسحولة. هل وقتها سيجدون ذريعة لما فعلوا؟!! أو ذريعة عندما يضطر الشاب المسحول أو المحروق، أو المضروب بمطواة غدرًا، عندما يخرج بعد تعافيه كالمجنون باحثًا عمن ضربه، فيراه مجهولًا، بينما يرى من حرضه ووضع له غطاءً معلوم المكان، معلوم الاسم، ماذا لو فعل ذلك سيكون موقفنا جميعًا؟! هل سيملك أحد منا لومه؟!
هل بمقدور جبهة الإنقاذ، ومن دعوا للتظاهرة، ورجالها ورموزها الذين حضروا العفريت ولم يستطيعوا ولن يستطيعوا صرفه، على الإسلاميين لو أخرجوا عفريتهم من القمقم؟!! إن الدولة بكل قدراتها في عهد مبارك، عانت من عنف فصيل واحد من الإسلاميين، فماذا لو أن هذا الفصيل وغيره من الفصائل الإسلامية وقد رأوا أن الفجر والعهر السياسي بلغ أوجه مع فصيل مثلهم إسلامي، ورأوا أن دخول غير مسلمين على الخط يؤجج نار الفتنة أكثر، ويغذيها، فماذا لو أن الإسلاميين جميعًا رفعوا شعار: إن المصائب يجمعن المصابين. وغذى هذا الشعور: ما يرونه ليل نهار من تطاول يصل للدين نفسه من بعض من يخرجون هؤلاء، وسب ولعن بشكل غير مسبوق، يوحي للبعض أن الحرب لم تعد على فصيل إسلامي بقدر ما هي على الدين نفسه حسب ما يتصورون؟!
ماذا لو ثارت العصبية بين بقية الفصائل الإسلامية، وتأملوا تجمع كل اليساريين والليبراليين والعلمانيين على الإخوان بحكم أنهم فصيل إسلامي، ورأوا واجب نصرتهم كفصيل يمثل معهم التوجه الإسلامي، أعتقد أن وقود الحرب وقتها سيكون بين إسلام ولا إسلام، وهي نار فتنة خطيرة، لم يفكر فيها من أشعلوا فتيل النار، وظنوا أن الإخوان فصيل سياسي، متناسين، أنه فصيل إسلامي؟!
سيقولون إن من قام بهذه الاعتداءات بلطجية، إذن فماذا لو أخرج هؤلاء الشباب المتدين فقه الحرابة، كما أخرجه أهالي الشرقية وبعض المحافظات، وعلقوا على أعواد المشانق أمام المقرات كل من يحرق أو يقتل، وماذا لو أنهم أمسكوا بمن يحرق فوضعوه في النار التي أضرمها إما أن يطفئها كما أشعلها، وإما أن يحترق معها وبها.
ماذا لو خرجت فتاوى من مشايخ سيجدون بدل الدليل عشرات الأدلة، على جواز رد العدوان بعدوان مماثل، أو بجواز دفع الصائل، ورد عدوانه، وأن من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن المال هنا: المقرات.
ماذا لو قلب هؤلاء الشباب المعتدى عليه في كتاب الله، فوجد آية في كتاب الله تعالى تقول: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) ولم يكمل الآية حتى لا يعفو، ولا يصبر على الأذى الملحق به؟ بأي دليل سيرد عليه أي شيخ أو مفتٍ يصبره به، وإلى متى سيظل يستمع لصوت العقل والفقه الوسطي؟!
فماذا لو قرر عدد من الشباب المعتدى عليه، أخذ حقه بيده؟ وقد أخرج من دعوا للتظاهر لسانهم له بالشماتة، قائلين: لو عندكم أدلة قدموها للنائب العام؟!!
ماذا لو وضع شباب الإخوان مقارنة بسيطة، بأنهم الوحيدون الذين يعتدى عليهم في هذه التظاهرات، وعلى مقراتهم، وأفرادهم، مقارنين مقارنة بسيطة، بأنه لم يعتد على مقر واحد لحزب الجماعة الإسلامية، ولا للدعوة السلفية، ولا لأي أحزاب أخرى كالدستور والتيار الشعبي، وأن ذلك سببه: خوف هؤلاء المعتدين من الرد الحاسم لأصحاب هذه الأحزاب، بينما يستغلون صبر الإخوان، وضبطهم للنفس، هذه المقارنة كثيرًا ما وضعت في أذهان الشباب، وأعتقد أنها ستكون نتيجة تدفع البعض لتبني مبدأ: ذل قوم لا سفيه لهم.
إنني أستطيع أن أسرد في باب (ماذا لو؟!)، عشرات ومئات، تدور بأدمغة كثير من الشباب الإسلامي، والإخوان خاصة، ولا أدري هل ستستطيع قيادة الإخوان القدرة على السيطرة على الشباب، وإلى متى؟ أم أن في لحظة ما سيجد الشاب المعتدى عليه أنه بين موقفين: إما أن يسكت ويصبر على مضض، مطيعًا لقيادته، أو أن يقرر أن ينفصل من الجماعة، طالبًا ثأره، وأخذًا له، ووقتها ستكون نقمته على الجماعة أنها حجزته عن أخذ حقه، وعلى من شجع على إهانته بشكل مباشر؟
هل طافت هذه الأفكار بأدمغة الشر لمن فكر وخطط ودعا للعنف وأعطاه غطاءً شرعيًا ثوريًا، هل وقتها سيملك أحد دفع كرة النار، نار الإسلاميين، والتي إن خرجت لا يقوى على ردها إلا الله؟!
أرَى خَللَ الرَّمادِ وَمِيضَ جَمْر ويُوشِكُ أَنْ يكُونَ لـه ضِرامُ
فإِنْ لَمْ يُطْفِهِ عُقَلاءُ قَوْم فإِنَّ وَقُودَهُ جُثَثٌ وهامُ
فإِنَّ النَّارَ بالعُودَيْنِ تُذْكَى وإِنَّ الحَرْبَ أَوَّلُها كَلامُ
إنني أضع يدي على قلبي من التفكير في هذا المصير، بل إن مجرد التفكير فيه يصيبني بالرعب والقلق على وطني، وعلى شباب كالزهور، وقد امتدت يد آثمة مريضة إليه بالعدوان، ثم أعانت على هذا أيادٍ خبيثة من بعض الإعلاميين الذين لا يخشون الله، ولا يستحون من مخلوق، حولوا المتهم إلى جانٍ، داعيًا الله تعالى أن يرد كيد الكائدين في نحورهم، وأن يحفظ الوطن وشبابه، وداعيًا الرئيس والدولة: إلى الضرب بيد من حديد لكل مجرم دون رحمة أو شفقة، فالرحمة في غير موضعها ضعف.