يقول الله سبحانه وتعالى: «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِى عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِى بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ»، صدق الله العظيم، الآية ١١١ سورة الأنعام. رغم أننى أحفظ هذه الآية الكريمة عن ظهر قلب منذ سن التاسعة إلا أننى شعرت اليوم وكأننى أقرأها لأول مرة، وبعد قراءة الشروح والتعليقات فى تفاسير القرآن توقفت عند المعانى والدروس المستخلصة التالية، مع العلم بأن كلام الله لا يجوز تفصيله لحساب أحد ضد أحد.. فقط نحن نتدبر كى نتذكر لعل الذكرى تنفع المؤمنين. السؤال الأول: من هم بالضبط شياطين الإنس والجن؟ يقول ابن عباس: كل عاتٍ متمرد على الحق فهو شيطان.. أما الإمام رشيد رضا صاحب المنار فقال وكأنه يعيش بيننا أن الشياطين هم الطغاة المستكبرون المحبون للشهرة والزعامة بالباطل والمترفون الذين يخافون على نعيمهم.. إذا رأوا آية تدل على خلاف ما يعتقدون وما يهوون يفكرون فيها بقصد الجحود والإنكار ليحملونها على خداع السحر وأباطيله.. فقد فقدوا الاستعداد للإيمان والاستعداد للنظر الصحيح.. السؤال الثاني: ما حكمة الله فى أن يقوم جل جلاله بتعيين شيطان على كل نبى وعلى كل صاحب رسالة، وبسؤال أكثر وضوحاً: ما الضرورة التى تفرض عداوة الأشرار للأخيار؟ يقول الإمام محمد عبده وهو الإمام الأكبر بحق وحقيق وليس إمام الأزهر الذى اتخذ من منبر المسجد وعن طريق خطيب السلطة وسيلة لدعوة الجيش للعودة رغم أنها دعوة انقلابية لا تليق أن تصدر من رجال يسمون أنفسهم - كذبًا - أنهم رجال دين.. يقول الإمام محمد عبده إن تنازع البقاء بين المتقابلات يخلق القدرة على التمحيص والجهاد لتحقيق الوصول إلى انتصار الحق وبقاء الأمثل.. وهذا هو سبب ضرورة أن يكون لكل نبى أو صاحب رسالة عدوًا.. لكن المشكلة أن أكثر الناس حتى من أهل الحق يجهلون هذه السنة الحكيمة العالية.. والسؤال ما الوسيلة التى يلجأ إليها الشياطين لرفض أصحاب الرسالات؟يقول الله سبحانه وتعالى:"يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورًا"، أى يلقى بعضهم إلى بعض القول المزيَّن المموَّه بما يظنون أنه يستر قبحه ويخفى باطله بطرق خفية دقيقة لا يفطن إلى باطلها كل أحد ليغروهم به. وقال الإمام الأكبر محمد عبده إن التغرير بزخرف القول قد ارتقى عند شياطين هذا الزمن ولاسيما شياطين السياسية ارتقاءً عجيبًا، فإنهم يخدعون الأحزاب منهم والأمم والشعوب من غيرهم بتغيير الأسماء وتزيين أقبح المنكرات، وأن من الشعوب غرارًا كالأفراد يلدغ من الجحر الواحد مرتين، بل عدة مرات، فاعتبروا يا أولى الأبصار. السؤال الأخير: ما الذى يجب على صاحب الرسالة أن يفعله وهو يواجه شياطين الإنس والجن وكلهم من ولد إبليس؟ هل يتشيطن مثلهم؟ أم ماذا يفعل؟ يقول الله سبحانه وتعالي: «فذرهم وما يفترون»، من كذب ويخلقون من إفك ليصرفوا الناس عن الحق.. واستقم كما أمرت.. إنما عليك البلاغ وعلينا الحساب والجزاء والعاقبة للمتقين وسنريك سنتنا فيهم وفى أمثالهم بعد حين.