عندما تحاول سلطة منع أخرى من أداء عملها يعد ذلك تغولاً.. وعندما تحكم عليها بالموت ببضعة سطور لا تستغرق قراءتها دقيقة واحدة من فوق منصة الدستورية العليا، فإنه نوع من الاسترقاق لا يقضى على نظام الفصل بين السلطات فحسب، بل يجعلها ملك يمين سلطة تتحصن باستقلالها ولا تقيم أى اعتبار للدستور ولا السلطة المؤسسة له، والتى تعلو على كل السلطات والقوانين.
شئنا أم أبينا.. مجلس الشورى يتمتع بسلطات التشريع البرلمانى كاملاً بنص الدستور، الذى كفل له الحصانة فى مواجهة الدعاوى المرفوعة ضده ليؤدى مهام مجلس النواب مؤقتًا إلى حين انتخابه.
لا ينقص من ذلك أن يكون 7% من إجمالى المسجلين فى الجداول الانتخابية هم من شاركوا فى التصويت فى الانتخابات، فكل المجالس النيابية بعد ثورة 23 يوليو 1952 لم تظفر فى أحسن أحوالها بتصويت 20%، معظمهم من الأموات والفئات غير المرخص لها، بالإضافة إلى تصويت الشخص الواحد مثنى وثلاث ورباع والبطاقات المزورة.. والمحصلة أن الحجم الحقيقى للتصويت لم يزد فى أحسن الأحوال عن النسبة التى صوتت لمجلس الشورى.
معنى ذلك أننا نحكم على كل القوانين والتشريعات التى صدرت عن مجالس النواب فى العقود السابقة بالبطلان، لأنها صادرة من مجلس شاركت أقلية فى انتخابها، وهذا غير منطقى لأن الشعب المصرى فى العادة ليس نشطًا فى استخدام حقوقه الانتخابية، ولم تزد مشاركته إلا بعد ثورة 25 يناير فى استفتاء التعديلات الدستورية 2011 ثم انتخابات مجلس الشعب الذى سجل أكبر نسبة تصويت منذ مجلس الشعب الذى تم انتخابه أثناء تولى حكومة ممدوح سالم فى عهد السادات.
والاثنان.. مجلس الشعب المنحل بقرار جائر من المحكمة الدستورية العليا، يليه مجلس شعب ممدوح سالم هما الأنزه فى تاريخ الانتخابات البرلمانية بعد عام 1952.
القضاء اتخذ طريق التوحش على السلطة التشريعية، سواء تمثل ذلك فى مجلس الشعب المنحل أو النوايا التى يضمرها لمجلس الشورى، بدليل أن المحكمة الدستورية العليا حددت الثانى من يونيه القادم موعدًا للحكم فى قضية حل المجلس وحل الجمعية التأسيسية للدستور، مع أن تقريرى هيئة المفوضين يؤكدان صراحة أنه لا سلطة على الاثنين بموجب الدستور.
كان يجب على المحكمة الدستورية أن تحكم بانقضاء الدعاوى لأنها ليست فوق الدستور ولا فوق السلطة المؤسسة له، لكنها للأسف حددت موعدًا لحكم لم يعد من اختصاصها وتعجز السلطة التنفيذية ممثلة فى رئيس الجمهورية عن تنفيذه لو صدر بالحل، لأنه يعنى الاعتداء على الدستور مما يعرضه للعزل بواسطة مجلس الشورى نفسه إذا قرر بأغلبية الثلثين تقديمه للمحاكمة، بسبب ذلك الاعتداء المحرم فى جميع الديمقراطيات العالمية.
تقرير هيئة مفوضى المحكمة أوصى أصليًا بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة، لأن الدستور الجديد حصن مجلس الشورى.. وأوصى التقرير احتياطيًا برفض الدعوى بسبب تغيير النظام القانونى للبلاد وأن الدستور الجديد قرر الإبقاء على مجلس الشورى ليقوم بالتشريع.
لكن المحكمة آثرت أن تبقى الكرة فى الملعب كأنها تمارس ضغطًا على المجلس وأعضائه وكأنها تسترقه متحصنة باستقلال القضاء حتى تبعده عن ممارسة اختصاصاته، ومنها مناقشة تعديلات قانون السلطة القضائية.
الهيئات القضائية ما زالت تخلط بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، ترى أن الاثنين واحدًا، وأننا ما زلنا نعيش زمن نواب "أبو الهول".. يأمر رئيس الجمهورية فيصفق أعضاء المجلس التشريعي.
ثم مَن قال للهيئات القضائية إن التدويل جائز وستأخذ به تلك الهيئات العالمية التى يهددون بها؟ إنهم فى مواجهة سلطة تشريعية مؤسسة للقوانين وهى خط أحمر دوليًا.