سينجح الرئيس مرسي كثيرًا في خطف القلوب وردع الثورة المضادة التي لا يمكن لأحد إنكارها، إذا نزل إلى الشارع بنفسه وعالج مشاكله الحياتية الملحة أو تعامل معها سريعًا. الخليفة العادل عمر بن الخطاب وضع أساس الحكم الرشيد بتفقده الرعية في جنح الليل ولولا ذلك ما رأى المرأة التي تضع قدرًا به ماء على النار لتلهي أطفالها الذين يتلوون من ألم الجوع حتى يناموا، وهي القصة المعروفة التي قال على إثرها رضي الله عنه "يرحمكم الله وما يدري عمر بكم". الرؤساء والحكام الذين خرجوا من ضيق مكاتبهم أسرع في الوصول إلى الحلول وتشجيع مرؤوسيهم على التأسي بهم. أحمد رشدي أحد وزراء الداخلية في عهد مبارك نموذج لذلك. فترته الأفضل مروريًا وأمنيًا وتعاملًا من الشرطة مع الناس. جنرالات الداخلية من أعلى الرتب كانوا يقفون في عز الشمس القائظة لأنهم يتوقعون أن رشدي قد يهل عليهم في أي لحظة. أمس كتب البعض على صفحات التواصل الاجتماعي داعيًا إلى استنساخ وزير التموين باسم عودة في وزارة الكهرباء بسبب الانقطاع المستمر في الأيام الأخيرة الذي لم يفعل وزير الكهرباء تجاهه شيئًا سوى مطالبة الناس بالترشيد في الأجهزة، يذكرنا بمبارك عندما كان يطالب الناس بترشيد الإنجاب! باسم عودة لم يحل مشاكل التموين من مكتبه بالتليفون ورسائل الإس إم إس والإيميل وإنما انتقل إلى مواقع الأزمات مباشرة ليستكشفها ويصل إلى الحلول، وقد تحققت له بعض النجاحات التي لاحظها الرأي العام وقدره عليها حتى صار النموذج الثاني بعد أحمد رشدي في الثلاثين سنة الأخيرة. الناس لا تعرف سبب الانقطاعات المستمرة للكهرباء بعد استقرار أوضاعها خلال الشهور الأخيرة. الإعلام المضاد وجدها فرصة للهجوم مستغلًا غصة وغضب الناس الذين يقف أولادهم على أعتاب الامتحانات. اختارت إحدى الصحف الفلولية عنوانها الرئيسي "مصر تسبح في الظلام في عهد النهضة". لا يمكن أن يلومها أحد ويتهمها بالتصيد، فوزير الكهرباء المتكاسل يساعدها على ذلك بغياب الإبداع وبتصريحات باعثة على المزيد من القلق والتشاؤم مما ينتظر الناس في رمضان. ألم ير وزير الكهرباء بارقة حل أمامه سوى الترشيد وإغلاق الأجهزة في ساعات الذروة؟!.. كيف تغلق الأجهزة والكهرباء مقطوعة أصلا بالست والسبع ساعات، بل يتعرض أطفال الحضانات في بعض المستشفيات للموت بسبب ذلك. الأمن والخبز والكهرباء والماء والانضباط في الشارع.. مظاهر تمثل نجومًا لسماء مرسي لو تمكن منها، ولن يحدث ذلك وهو أسير قصر الاتحادية يرسل تكليفاته لرئيس حكومته ووزرائه. المفترض أن أي رئيس منتخب لم تكن في فمه ملعقة من ذهب ولم يكن حبيس القصور المترفة بل جاء من الشارع والحقل والمصنع والمدرسة والمستشفى، وعليه يجب ألا يحبس نفسه بعيدًا عنها. أتمنى مشاهدة مرسي ينظم المرور في شارع رمسيس وسط كبار رجال دولته، ينزل ليلًا والكهرباء مقطوعة ليسمع كلام الناس ويشهد انطباعاتهم. يقف مرة أمام فرن خبز ليبتاع منه مثل الآخرين. يفاجئ إدارة أحياء عين شمس وشبرا والسلام وزهراء المعادي وغيرها من الأحياء الفقيرة أو الشعبية، سيرى حينها كثيرات من أمثال صاحبة قدر الماء في عهد عمر بن الخطاب، وسيلوم نفسه أن مثلها ملايين لا يدري عنهم مرسي شيئًا. أتمنى ألا يقول البعض إنها ليست وظيفة رئيس الجمهورية الذي تشغله قضايا أهم وأكثر حيوية.. هل هناك ما يجب أن يشغل حاكم أكثر من حال شعبه وحياته اليومية؟!