البعض أصابه اليأس من إمكانية إجراء الانتخابات البرلمانية خلال العام الحالي وأكثرهم تشاؤمًا توقع ألا يتم ذلك خلال العام القادم أيضًا بسبب الرقابة المسبقة التي أعطاها الدستور الجديد للمحكمة الدستورية العليا والتي جعلت منها بمثابة "الأستاذ" في الكنترول الذي يصحح أوراق الامتحان ثم يعلن النتيجة برسوب الطالب والإعادة. في هذه الحالة ليس في الإعادة إفادة بل تعطيل لولادة المؤسسة التشريعية وهي الأهم في المنظومة الديمقراطية التي ما إن يعلن عن الحمل بها متمثلًا في قانون الانتخابات، حتى يتم "الإسقاط" في مقر "الدستورية" بدعوى أن الجنين مشوه. لا أستطيع تصديق أن مجلس الشورى يتعمد تشويه القانون لترفضه الدستورية فيطول أمد بقائه وتمتعه بدور مجلس النواب الغائب، لكني أيضًا أعجز عن إبعاد شبهة التعمد من قضاة هذه الأخيرة لأن المناخ هو مناخ حرب بين السلطات الثلاث، والحرب خدعة بطبيعتها تعتمد على الخبث والدهاء. عن نفسي متيقن بأن إتمام انتخابات مجلس النواب هو الضامن للاستقرار ولنجاح العملية الديمقراطية ولحكم الرئيس مرسي وامتداده لنهاية مدته، وغير ذلك فسيستمر التربص به، مرة بالتوكيلات لوزير الدفاع، ومرة ثانية بتوكيلات تمرد والتي ستتلاشى بدورها ليفكر المتربصون في وسيلة ثالثة، وإن كان محامي شفيق قد سبق إلى ذلك بالطعن في نتيجة الانتخابات أمام المحكمة الدستورية وهو غير جائز بموجب الإعلان الدستوري الذي أجريت الانتخابات الرئاسية بموجبه.. ولكن لعل وعسى عشمًا في أن تلك المحكمة قد تحكم بما لا يخطر على بالٍ في ظل الفوضى السائدة. قد يقال لماذا لم يبدأ مجلس الشورى في قانونه الجديد بما انتهت إليه الدستورية في القانون السابق لتفلت من مظنة العناد والفخاخ؟ ومع أنه رأي له وجاهته إلا أنه يرد عليه: وما أدراك أنه ليس في جراب الحاوي المزيد من الثعابين، بدليل قرار المحكمة الدستورية بخصوص مشاركة القوات المسلحة والشرطة في الانتخابات. الخلاصة أن الرقابة المسبقة صارت قيدًا على من تخوف من الرقابة اللاحقة. الأولى قد تمنع لوقت طويل ولادة مجلس النواب، والثانية كان يخشى منها على حله في وقت من الأوقات إذا طعن أحد عليه كما حدث مع المجلس المنحل. الحاصل الآن أن المحكمة الدستورية أصبحت تقوم بدور تشريعي كما في قرار تصويت الجيش والشرطة وهو الرأي الذي قال به الأستاذ ممدوح إسماعيل المحامي، والمعنى أن الإجابة يجب أن تكون على قدر السؤال، فحسب الدستور وظيفتها تنحصر في تقرير مدى دستورية مواد القانون المحال إليها وليس اختراع تشريع جديد لم يسألها أحد بشأنه ولا هذا من طبيعة عملها. ما قالته بشأن الجيش والشرطة جعل منها سلطة تشريع فوق السلطة التشريعية الأصيلة ممثلة في مجلس الشورى، وهذا يتناقض تمامًا مع مبدأ السيادة للشعب لأن الأخير يمثل مندوبي الشعب وبالتالي يعلو على المؤسسات الأخرى. كذلك حصل تداخل شديد بين السلطتين القضائية والتشريعية بسبب الفهم الخاطئ للرقابة المسبقة التي تحتاج إلى تحديد دقيق لفض هذا الاشتباك ينهي لعبة دوخيني يا ليمونة. لا أعلم كيف سيتم ذلك في ظل حرب داحس والغبراء بين القضاة ومجلس الشورى؟!..