أشرقت يا يوم السلام
يا خير بشري للانام
مازال فجرك كل عام
رمز الامل رمز السلام
يا يوم خير المرسلين
ذكري بشري للعالمين
لم أجد أفضل من هذه الرائعة لأقدم للعملاق صاحب الصوت الإذاعي المتميز فاروق شوشة والذي تفتحت أذهاننا على صوته وهويقدم لبرنامجه المتميز (لغتنا الجميلة) مرددا قول العملاق شاعر النيل حافظ بك إبراهيم:
أنا البحر في أحشاءه الدر كامن فهل سائلوا الغواص عن صدفاتي
فاروق محمد شوشة شاعر مصري . ولد عام 1936 بقرية الشعراء بمحافظة دمياط. حفظ القرآن، وأتم دراسته في دمياط. وتخرج في كلية دار العلوم 1956، وفي كلية التربية جامعة عين شمس 1957.
عمل مدرساً 1957، والتحق بالإذاعة عام 1958, وتدرج في وظائفها حتى أصبح رئيساً لها 1994 ويعمل أستاذاً للأدب العربي بالجامعة الأميركية بالقاهرة .
أهم برامجه الإذاعية : لغتنا الجميلة ، منذ عام 1967 ، والتلفزيونية: ( أمسية ثقافية ) منذ عام 1977 . عضو مجمع اللغة العربية في مصر. رئيس لجنتي النصوص بالإذاعة والتلفزيون ، وعضو لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة ، ورئيس لجنة المؤلفين والملحنين . شارك في مهرجانات الشعر العربية والدولية .
دواوينه الشعرية
إلى مسافرة 1966 .
العيون المحترقة 1972 .
لؤلؤة في القلب 1973 .
في انتظار ما لا يجيء 1979 .
الدائرة المحكمة 1983 .
الأعمال الشعرية 1985 . لغة من دم العاشقين 1986 .
يقول الدم العربي 1988 .
هئت لك 1992 .
سيدة الماء 1994 .
وقت لاقتناص الوقت 1997 .
حبيبة والقمر (شعر للأطفال) 1998 .
وجه أبنوسي 2000 .
الجميلة تنزل إلى النهر 2002 .
مؤلفاته منها
لغتنا الجميلة .
أحلى 20 قصيدة حب في الشعر العربي .
أحلى 20 قصيدة في الحب الإلهي .
العلاج بالشعر .
لغتنا الجميلة ومشكلات المعاصرة .
مواجهة ثقافية .
عذابات العمر الجميل (سيرة شعرية) .
حصل على جائزة الدولة في الشعر 1986 ، وجائزة محمد حسن الفقي 1994 ، وعلى جائزة الدولة التقديرية في الآداب سنة 1997.حصل على جائزة كفافيس العالمية عام 1991
رسالة إلى أبي
يفاجئني الذي اكتشفت : أنت في نفسي حللت !
في صوتي المرتج بعض صوتك القديم
في سحنتي بقية منن حزنك المنسل في ملامحك
وفي خفوت نبرتي ـ إذا انطفأت ـ ألمح انكساراتك
وأنت ..
عازفا حينا ،
وحينا مقبلا
وراضيا ، تأخذني في بردك الحميم
أو عاتبا مغاضبا
فأنت في الحالين ، لن تصدني ..
وتستخير الله ، أنت تكون قد عدلت !
يفاجئني أنك لم تزل معي
وأنت شاخص في وقفتي الصماء ، والتفاتاتي
أرقبني فيك ،
وأستدير باحثا لدي عنك
تحوطني ، فأتكئ
تمسك بي ، إذا انخلعت
تردني لوجهتي
مقتحما كآبة الليل المقيم
الآن ، عندما اختلطنا
صرت واحدا ،
وصرت اثنين ،
عدت واحدا ،
عنك انفصلت ، واتصلت
لم أدر كم شجوك النبيل قد حملت
أضفته لغربتي
ومن إبائك الذي يطاول الزمان .. كم نهلت
فاكتملت معرفتي
واتسعت أحزان قلبي اليتيم
بالرغم من أبوتك
وأنت ناصحي المجرب الحكيم
لم تنجني من شقوتك !
***
أبي تراك في مكانك الأثير مانحي سكينتك
وقد فرغت من رغائب الحياة
فانسكبت شيخوختك
على مدارج الصفاء والرضا
وصار قوس الدائرة
أقرب ما يكون لاكتمالها الفريد
هأنذا ألوذ بك
أنا المحارب الذي عرفته ، المفتون بالنزال
وابنك ..
حينما يفاخر الآباء ، بالبنوة الرجال
منكسرا أعدو إليك
أشكو سراب رحلتي
وغربتي
ووحدتي
محتميا بما لديك من أبوتي
ولم يزل في صدرك الرحيب متسع
وفي نفاذ الضوء من بصيرتك
جلاء ظلمتي وكربتي
فامدد يدك الذي قد غاله الطريق
واخترقت سهامه صميمه .. فلم يقع
لكنه أتاك نازفا مضرجا
دماؤه تقوده إليك
زندبة في جبهتك
وصرخة مكتومة يطلقها .. إذا امقتع
هذا ابنك القديم ،
وابنك الجديد ..
يبحث فيك عن زمانه ،
وحلمه البعيد
فافتح له خزانتك !
الليل
ألقى النيل عباءته فوق البر الشرقي, ونامْ
هذا الشيخ المحنيُّ الظهر,
احدودب..
ثم تقوّس عبر الأيام
العمر امتد,
وليل القهر اشتد
وصاغ الوراقون فنون الكِذبة في إحكامْ!
لكن الرحلة ماضية...
والدرب سدود
والألغام !
حمل العُكَّازَ,
وسار يحدق في الشطآن, وفي البلدانْ
قيل : القاهرةُ ـ توقفَ..
جاء يدق الباب ـ ويحلمُ
هل سيصلي الجمعة في أزهرها?
يمشي في (الموسكي) و(العتبة)
يعبر نحو القلعةِ..
أو يتخايل عُجْباً في ظل الأهرام
وقف الشيخ النيل يحدق
لم يلق وجوهاً يعرفها
وبيوتاً كان يطل عليها
وسماء كانت تعكس زرقته..
وهو يمد الخطو,
ويسبق عزف الريح,
ويفرد أشرعة الأحلام
وقف الشيخ النيل .. يسائل نفسه:
هل تتغير سِحَن الناس..
كما يتغير لون الزيّ?
وهل تتراجع لغة العين..
كمايتراجع مد البحر?
وهل ينطفيء شعاع القلب
فتسقط جوهرة الإنسانِ
ويركلها زحف الأقدامْ?
دق الشيخ النيل البابَ
فما اختلجت عين خلف الأبراجِ
ولا ارتدَّ صدى في المرسى الآسنِ
أو طار يمامْ!
من يدري أن النيل أتى?
أو أن له ميعاداً تصدح فيه الموسيقى
ويؤذّن فيه الفجر
فتختلج الأفئدة..
ويكسو العينين غمامْ?
وتنحنح مزدرداً غصته
عاود دق الباب .. الناس نيام!
ألقى النيل عباءته فوق البر الغربي..
ونام!
بغداد يا بغداد
كيف الرقاد ! وأنت الخوف والخطر
وليل بغداد ليل ماله قمر !
ها أنت فى الأسر : جلاد ومطرقة
تهوي عليك وذئب بات ينتظر
وذابحوك كثير ؟ كلهم ظمأ
إلى دماك ؟ كأن قد مسهم سعر
أين المفر؟ وهولاكو الجديد أتى
يهيئون له أرضا فينتشر
أنى التفت فثم الموت ؟ تعزفه
كفان بينهما التاريخ ينشطر
بغداد حلم رف واستدار
كما يزف طائر
نأى به المدار
وحينما قصدت بابها الوصيد ذات يوم
على أضيع فى رحابها الفساح
أسلمت نفسى للهوى القديم واستكنت
فتحت هذه الحجارة المهمشة
يرقد
-في شوارع الرشيد والمنصور أو أبى نواس -
جميع من قرأت من نجومها
ومن رجالها الأقمار
ومبدعى ديوانها المملوء بالفتوح
والأفراح والجراح والعمران
والخراب والفنون والجنون
والثورات والثوار !
وليلها المزهر فى سماء عنفوانها !
كأنه نهار
وها أنا
أسير بين الكرخ والرصافة
أبحث عن عيون هاته المها
أسأل كيف طاب لابن الجهم
موسم الغرام ؟ والأشعار !
وحينما تمتد ساعة التسيار
أعود من مسيرة الأشواق
مستلقيا على ضفاف دجلة
والسمك المسجوف يشعل الحنين
والتذكار
أسير فى تزاحم الوجوه والرفاق
هنا توقف أيها الدليل
فهذه مكتبة المثنى
تفتح أبوابا من الكنوز
تنفض الغبار
عن كتب مطوية عتيقة
لما تبح بما حوته من غرائب الأسرار
وتنزل الستار !
أبحث فى بغداد والعراق
عن شاعر يعيش لحظة المحاق
ويدرك الأفول
والذبول
ملء عيون لم تزل
تعيش لحظة انتظار
لقادم يجئ ؟ عله ؟
أو لا يجئ
وما الذى يحمله الغد الخبئ
من ظلمة ؟ ومن دمار !
وهل ترى ينبه الصحاب والرفاق
إلى الغد الذى يلاحق الصغار !
أبحث فى بغداد والعراق
أبحث فى لفائف الذهول والإطراق عن صاحب وعن دليل
يرشدنى إلى مواطئ القدم
لواحد من عترة الأخبار
كان إذا مشى ؟ وإن أشار أو تكلما
فوجهه الوضئ يمنح الوجود
دارة وأنجما
يعطيه أنسه وحسه
ومجلسه ..
وكان من شذا يديه تورق العطور
وتهطل الخيرات والثمار
ومن جنى لسانه تساقط اللآلئ
عقدا من النجوم
كأنه فيض الندى ؟ تغتسل القلوب فيه
أو كأنه در البحار !
أبحث عن هذا الحكيم
فى زمن للتيه والضلال والنزق
لعله الحلاج...
أو لعله الجاحظ ؟
أو أبو حيان...
أو واحد لا نعرفه
فى موكب النفاق والخديعة اختنق
أبحث عن هذا الحكيم
لعله يعود بالضياء للحدق
لعله ينجى من الغرق
من قبل أن يهدم ذاك المسرح الكبير
وتنزل الستار !
******
دار السلام ! وهل جربته أبدا
وأنت قنبلة بالهول تنفجر
طاشت رصاصاتك اللاتى قذفت بها
فى كل صوب ؟ فزاغ العقل والبصر
كيف ارتضيت خنوعا لا مثيل له
والروح فى قبضة الطاغوت تعتصر
كم نافقوك ؟ وكم صاغوا ملاحمهم
والحلم يطوى ؟ وظل المجد ينحسر
داست سنابك جلاديك فوقهمو
فالناس صنفان : مقتول ومنتحر
ياكم جنيت وقد أبقيتنا بددا
فى أمة ساد فيها الذل والخور
ماذا ترومين ؟ جلاد وعاصفة
ونحن بالصمت والخذلان نعتذر
جيكور ماتزال ؟ والسياب
يبحث فى الشناشيل التى تهدمت
عن ابنة الحلم ؟ وعن جبينها الوضاء
مازال واقفا يصيح :
كيف ارتضيت أن تكونى للطغاة
سدرة ومتكأ ؟
وأن يعشش الخراب فيك سيدا ملكا
وصبح الزمان داجى الرؤى ؟ محلولكا !
يا ويل من أن ببابهم أو اشتكى
فصار للكلاب عظمة ؟
ومضغة لكل من روى ومن حكى !
وفى البعيد يضرع النخيل ؟ والهواء
منعقد ؟ كأنه أنشوطة المخنوق
ساعة الإعدام ..
ثم شئ ضاغط ؟ كهجمة الوباء
وقع الدرابك التى تهتز بالغناء
كأنه النشيج ? أو لعله البكاء
الأرض قد ضاعت
فأين طلة السماء !
وأين وجه شارد قد هام فى العراء
وأين ظل ؟
كان فى جيكور ظل باذخ وماء !
وكان نخل شامخ ؟
فيه شموخ العراق
وكان صوت هاتف يفترش الآفاق
وينشد الأطفال من قصيدة السياب :
يا مطرا يا حلبى
عبر بنات الجلبى
يا مطرا يا شاشا
عبر بنات الباشا
يا مطرا من ذهب !
الموت فى جيكور ؟ فى جنين ؟
فى الأقصى ؟ وفى بيسان
وموكب الدمار يسحق النخيل والزيتون
ويخرس الأطفال فى عرائش الكروم
ويطفئ النجوم
ويملأ الحلوق بالرمال
بغداد
يا بغداد
يا بغداد
يا روعة الحلم الذى .. هل يستعاد ؟
ترى يصيح الديك فيك من جديد
ويصدح الناقوس والأذان !
وتشرق الشمس على دروبك السجينة
وهل ترى ينداح فيك من جديد
صوت أبى تمام
مبددا كآبة الأحزان
من قبل أن تضيع عمورية المحاصرة
ملء دفاتر الهوان !
هذا يهوذا قادم فى شملة المسيح
ولص بغداد الجديد طائش غرير
يحلم بالمجد ؟ وبالفتوح
أم أن هولاكو يعود فى زماننا الكسيح
مراوغا ؟ كعهده ؟بالغمز والتلميح
أمامه الأعلام والأوهام والبيارق
وخلفه الحشود والرعود والصواعق
تسد عين الشمس ...
يظنها..
تستر وجهه القبيح !