مع الثورات العربية المباركة التي عرفَتْها كلٌّ من تونس ومصر واليمن وسوريا وليبيا، تبيَّن - بالملموس - أن الكيان الصِّهيوني يَدْعم الأنظمة الاستبداديَّة؛ لِما تُقدِّم له من خدمات جليلة على طبَق من ذهب للحكام العرب المستبدين الطُّغاة، ويمكن أن نبرز ذلك من خلال تقاريرهم قبل قيام الثَّورات العربية وبعدها:
التقارير الصِّهيونية قبل قيام الثورات العربيَّة:
قبل انطلاق الزلزال العربي الطامح للحرِّية والعدل، كانت الأنظمة الاستبداديَّة تتودَّد للكيان الصهيوني سرًّا وعلانية؛ من أجل الحفاظ على كرسيِّها، كما عبَّر عن ذلك "بن كاسبيت" الصحافي الصِّهيوني البارز في صحيفة "معاريف"، الذي توصَّل إلى قناعةٍ مفادها: "أن إسرائيل لا يمكنها أن تعيش في ظلِّ تحوُّل العالم العربي نحو الديمقراطيَّة؛ حيث إن الرأي العامَّ العربي مُعادٍ للسلام معها، في حين تعي الديكتاتوريات العربية أهمية علاقاتها بإسرائيل، وفي "مزايا" الأنظمة الديكتاتورية التي يشدِّد عليها كبار الباحثين الصَّهاينة حقيقة ارتكاز هذه الأنظمة على موقف الإدارة الأمريكيَّة كمصدرٍ لشرعية بقائها، في حين أنَّ الأنظمة الديمقراطية تستند إلى شرعيَّة نتائج الانتخابات النَّزيهة التي يُمْليها الشعب".
ويشير الجنرال المتقاعد "داني روتشيلد" - الذي شغل في السابق منصب رئيس قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيليَّة "أمان" - إلى حقيقة استفادة إسرائيل دومًا من حقيقة حصر الأنظمة الشموليَّة في العالم العربي اهتمامَها فقط بالحفاظ على استقرارها، وعدم ارتباطها بمصالح شعوبها الوطنيَّة والقومية.
من ناحيته يرى الكاتب والمعلق السياسي الشهير "لوف بن" أنَّه ليس من مصلحة إسرائيل تحوُّل العالم نحو الديمقراطية؛ وذلك لأنَّ إسرائيل في هذه الحالة ستَفْقد خصوصيتها كـ"واحة" للديمقراطية في منطقةٍ تَحْكمها الديكتاتوريات، وبذلك تفقد "تل أبيب" الحقَّ في الزعم بأنَّها الدولة الوحيدة في المنطقة التي تربطها قواسم مشتركة مع حضارة الغرب، ويعتبر الإسرائيليُّون أن الديكتاتوريات في العالم العربي أفرزت مع مرور الوقت قادةً ضعافًا، وبوجود هؤلاء القادة تصبح إسرائيل هي التي تمنح السَّلام لهم، لا أن تصنعه معهم، كما يقول المجرم "بنيامين نتنياهو"[1]!
• لكن مع موجة الثورات العربية،افتضح بالملموس - وبشكلٍ لا يحتمل الشكَّ - أهدافُ الكيان الصهيوني في دعم الأنظمة الطاغية المستبدَّة، من خلال ما صرَّحَت به المؤسسات الرسمية الصهيونية:
محاكمة الطاغية "حسني مبارك"، والحزن الشديد في البيت الصهيوني:
منذ الإطاحة بحسني مبارك - الذي كان يَخْدم الأجندة الصهيونيَّة أكثر من الصهاينة؛ مثل إنشاء الجدار الفولاذيِّ برفح؛ لتضييق الخناق على إخواننا في غزَّة، وتزويد الدولة اليهودية بالغاز الطبيعي المصريِّ بثمن رمزي - والحيرة والحسرة باديتانِ عليهم من فقدانهم "للحبيب"! الذي كان يحفظ لهم أمنهم وسلامتهم على حساب إخواننا المسلمين في غزة؛إذْ صرَّح عضو الكنيست "بنيامين بن الي عازر" فور محاكمة الطاغية حسني مبارك: "بالنسبة لي هذا يوم صعبٌ وحزين؛ إذ إنَّ الأمر يتعلق بزعيمٍ كان حتَّى أشهُر مضتْ يعتبر زعيم العالم العربي"، مضيفًا: "ليس لديَّ شك في أن الشرق الأوسط بعد مبارك سيكون أكثر صعوبة"، طبعًا - إن شاء الله – سيكون أكثر صعوبة عليهم؛ لما نطمح من عودة العِزَّة والكرامة للمسلمين، وتوحيد كلمتهم بعد سقوط الطُّغاة.
وختامًا، إنَّ ما ذكَرْناه يشكِّل غيضًا من فيض، وقطرة من بحرِ مصائب الكيان الصِّهيوني في دعم الاستبداد في العالَم، وقمع كل نُتوءات الحرية والعدل؛ لأنَّ وجود هذا الكيان المزعوم قائمٌ على نشر الظُّلم في البلدان العربية والإسلاميَّة؛ حتى تتلهَّى هذه الأخيرة بأوضاعها الداخلية المُزْرية، دون الالتفات إلى قضيَّة المسلمين الكبرى، وهي تحرير فلسطين من أيدي الصهاينة المغتصبين!