عندما فشل أوباما في تمرير قانون من الكونجرس يضع قيودًا على حمل السلاح لمواجهة الإرهاب الذي حوّل قبلته شطر أمريكا لم يتهمه أحد بالضعف إلا عندما أهدرت كرامة الأمريكيين وأريقت دماؤهم في الخارج، فأن السياسة الخارجية في كل بلاد الدنيا هي المعيار للحكم على الرئيس إما بالضعف وإما بالقوة.. وإذا نظرنا إلى الرئيس مرسي بالعين المجردة عن الهوى خلال حواره مع الجزيرة مباشر مصر سوف نكتشف أننا أمام سياسة خارجية مصرية جديدة عنوانها الندية وعدم التبعية وعدم التدخل في الشأن المصري وعدم الاعتماد على مصدر واحد في السلاح وفي القمح إلى جانب المصداقية واحترام الدول الجديرة بالاحترام مع الترفع عن الصغائر.
وفيما يلي ملامح السياسة الخارجية الجديدة كما أعلنها الدكتور مرسي وهو لم يتجاوز عمره الرئاسي سوى بضعة أشهر:
• الرئيس هو الذي يسأل.. وهو الذي يجيب - سأل: لماذا يقولون إنَّ التعاون الأمني بين مصر وإسرائيل استقر أكثر من ذي قبل؟ أجاب الرئيس مرسي وبالفم المليان قائلاً: لأنه أصبح هناك ندية في القرار وإعمال الإرادة.. فلا يملي علينا أحد إرادته لا من خلاله مباشرة ولا بطريقة غير مباشرة من خلال الآخرين، وقال في عبارات لا تخلو من رسالة إن الدول حتى وإن كانت أعداء يحدث بينها على حدودها تعاون لتحقيق مصلحة الاستقرار على الحدود، فضلاً عن أن التعاون الأمني مع إسرائيل لم ينشأ حديثاً ولكنه نشأ منذ ٣٠ عامًا.. وقطع الرئيس الشك باليقين عندما أعلن أنه لن يزور إسرائيل طالما لم يقم السلام الشامل والعادل وطالما تنتقص إسرائيل من حقوق الفلسطينيين في أراضيهم.. وبدون مزايدة على شعبه قال الرئيس مرسي إنَّ المصريين لا يريدون حربًا لكنهم لن يسمحوا لأحد أن يعتدى عليهم فعلاً أو قولاً.
• وعندما جاء الدور على العم سام قال الرئيس إن عدم التدخل في الشأن المصري يجب أن يدرج على قوائم المصلحة المشتركة التي تتعامل بها مصر مع كل البلدان وليس مع أمريكا فقط بحيث يكون هناك تعاون مؤسسي دون التدخل في القرارات.
وفاجأ الرئيس المحاورة عندما سألته عن عدم عقد لقاء بينه وبين الرئيس أوباما عندما قال: هذا أمر طبيعي، وإنه التقى بعدد كبير من الزعماء والقادة وأن لقاء الرئيس الأمريكي يأتي في إطار الجدول وبحسب المواعيد لكلا الطرفين!!
• وحول زيارته لروسيا قال إنَّ روسيا دولة كبيرة ولديها إمكانيات تفيد مصر وشعبها في كافة المجالات العسكرية والعملية والعلمية، فالزيارة أمر طبيعي لأنها تحقق مصلحة مصر.. وقال إنه يقدر دعم قطر المالي لمصر لكن هذا لا يعني أن تبيع مصر قناة السويس للدوحة، وقطع الرئيس ألسنة المتربصين عندما قال إن أرض مصر حرام على غير المصريين، وفي ترفع وإباء الرؤساء قال الرئيس ليس عندي أي نوع من التحفظ على العلاقات مع الإمارات وأري أن هناك غيومًا مصطنعة في سماء العلاقات مع الإمارات، وقال إن مصر لا تعزز علاقاتها مع إيران على حساب دول الخليج التي قال إنها هي نفسها تحتفظ بعلاقات مع إيران.
تلك هي ملامح السياسة الخارجية المصرية الثورية التي وضعت في اعتبارها أن أعداء مصر في الخارج يراهنون على وأد «الثورة المصرية الأم» لأن انهيارها - لا قدر الله - هو انهيار لكل ثورات التغيير في المنطقة والعودة إلى الدكتاتورية والفساد والقمع والتبعية للخارج.. إذن لا مفر من أن تستعيد مصر دورها الريادي للمنطقة.. وهذا هو التحدي الكبير الذي يواجه الرئيس مرسي.