توجد أزمة سياسية كبيرة بين "الإخوان" و"المعارضة".. ربما تكون المشكلة في الأولى أقل بكثير عن تلك التي نراها في "الثانية".
الإخوان.. هم الإخوان قبل الثورة وبعدها.. جزء من الضمير الوطني الذي صنع ثورة يناير.. وهي ـ سواء اتفقنا أم اختلفنا معها ـ جماعة معروف أصولها وفحواها سواء قبل أو بعد يناير 2011.. أما الثانية "المعارضة" فقد يستشكل على أي مراقب أن يتحدث ـ الآن ـ عن نقائها "الثوري".. وربما يتشكك فيما إذا كانت محتفظة وإلى الآن بـ"طهرها" أم أصابها مس من "الشيطان" الفلولي؟!.
من المفترض أن تكون الأزمة الحالية بين الطرفين محصورة داخل حدودها التي رُسمت بشكل واضح في الـ 18 يومًا التي سبقت الإطاحة بمبارك.. بمعنى أن ما بينهما هو "خلاف سياسي" بين "قوى الثورة".. بين "شركاء" النضال الوطني الذي توج بهذا الإنجاز الحضاري الكبير.
غير أن المسألة الآن باتت تتجه نحو صورة أخرى، تضع "الإخوان" مجددًا في مواجهة "مبارك".. محمولًا الأخير على أكتاف المعارضة المحسوبة على قوى الثورة.. ولعل ذلك كان واضحًا من عودة صور الرئيس السابق، إلى واجهة المتظاهرين المعارضين لحكم الرئيس مرسي والإخوان بالتبعية.
ربما يكون الإخوان "خسروا".. والمعارضة كذلك "خسرت" بالتأكيد.. غير أن ثمة فارقًا بين الخسارتين: الأولى خسرت "تعاطف" قطاع من الرأي العام.. وهذا طبيعي في أي نشاط سياسي، حيث يزيد التعاطف وينقص.. ولكنه يظل بعيدًا عن "بكارة" التنظيم الوطنية.. أما الثانية فإن خسارتها أفدح لأنها كانت في "شرفها" الثوري، حين سمحت لـ"خلطاء" فلول بالنوم على أسرتهم الوطنية.
ويبدو المشهد يتجه نحو انسداد سياسي كارثي، يستدعي الطرفين بإجراء مراجعات كبيرة وجسورة.. وإن كان على الجماعة المسؤولية الأكبر لإجراء مثل تلك المراجعات.. لأن الأزمة تجاوزت التنظيم لتضع الرئيس نفسه في بؤرة القصف الإعلامي الليلي المستمر بلا توقف.
صحيح أن المعارضة تحتاج إلى "فلترة" وإعادة تطهير وهيكلة، بعد أن باتت أقرب ما تكون إلى الموت بـ"السكتة الفلولية".. إلا أن الإخوان باتوا عند الحد الذي يستدعي البحث العاجل عن أبواب جديدة يدلفون منها إلى الرأي العام، لإعادة تحسين الصورة.. بخطاب ولغة مختلفة عن تلك المتوترة والعصبية والقاسية التي نراها الآن على المتحدثين باسمهم أو في الإعلام الناطق بلسانهم.
في قصور السلطة اليوم رئيس جمهورية من الجماعة.. وعلى الأخيرة إذا كانت تريد ـ مخلصة ـ مساندة الرئيس، الذي يدير البلد فعلًا في ظروف بالغة الصعوبة والقسوة.. فعليها أن تتجنب صناعة "الأعداء".. وتترفق بالمعارضين.. فهذا هو واجب الأغلبية السياسية.. وهو قدرها الآن وعليها تحمل استحقاقاته.