أكتب هذه السطور في أعقاب الخبر الصاعق عن حكم محكمة الاستئناف بإلغاء قرار عزل النائب العام السابق المستشار عبد المجيد محمود والذي أحدث دويًا وصدمة كبيرة أربكت الجميع، وتدور حاليًا مشاورات سياسية وقضائية وأمنية واسعة للتعامل مع هذا الحكم، وتطرح اجتهادات تضرب في كل اتجاه، وأنا لا أعرف بالضبط ما الذي يمكن أن تفضي إليه هذه الصدمة، الحكم حكم استئناف أي أنه واجب النفاذ، والطعن عليه أمام محكمة النقض لا يوقف تنفيذه، ولكن تنفيذ هذا الحكم سيحدث ارتباكًا خطيرًا في جهاز العدالة، كما أن توابع الحكم حتى لو لم يتم تنفيذه من الناحية العملية مروعة بالفعل على أكثر من صعيد، فهو من جهة سيعزز الانقسام داخل المؤسسة القضائية تجاه الموقف من النائب العام الحالي المستشار طلعت عبد الله، ومن الممكن أن نسمع مواقف أخرى لبعض وكلاء النيابة برفض التعامل معه كنائب عام بعد حكم المحكمة بعدم مشروعية وجوده في منصبه، أيضًا يمكن أن تفعل بعض المحاكم الأمر نفسه، على طريقة قاضي محكمة الأزبكية الذي كان قد قضى برفض دعوى قضائية لأن ممثل النيابة غير شرعي، الأمر الآخر أن هذا الحكم سيعطي دافعًا أكثر للأحزاب والقوى السياسية المعارضة للرئيس محمد مرسي لرفض الامتثال لطلب التحقيق مع بعضهم أمام النائب العام، باعتبار أن القضاء قرر أن وجوده في منصبه غير شرعي، والحقيقة أن ما سمعته خلال اليومين الماضيين من سباب وإهانات علنية في الفضائيات وعبر الإنترنت للنائب العام كان خارج حدود التصور، وبطبيعة الحال سوف ينعكس هذا الاضطراب على المؤسسة الأمنية المفترض أنها تنفذ قرارات النيابة العامة بضبط وإحضار من تطلب ضبطهم، في المحصلة هذا الحكم المفاجئ هو "كرسي في الكلوب"، وأدخلنا في متاهة جديدة، سياسية وقانونية وأمنية، وكنت قد حذرت أمس في مقالي من أن التحدي الأخطر الذي يواجهه الرئيس محمد مرسي ليس من الشارع وحده، وإنما من مؤسسات الدولة المنقسمة على نفسها، وضربت نموذجًا بالانقسام الحاد تجاه النائب العام، ولم أكن أعرف أن صبيحة اليوم التالي للمقال سنكون أمام هذا الحكم الصاعق والذي أعاد ـ بكل تأكيد ـ قضية النائب العام للمربع صفر.
أرجو أن تبتعد ردات الفعل عن العصبية والانفلات، في التصريحات والمواقف، لأن الحالة السياسية والقانونية والأمنية في البلد لا تتحمل المزيد من الإرباك والتعقيد، وأتصور أن هناك جهدًا قانونيًا بالأساس سيتم لمحاولة احتواء هذا الأزمة أو البحث عن مخرج منها، ولكني أتمنى أن يتحلى كل الأطراف بقدر عالٍ من المسؤولية تجاه تلك القضية، قضية النائب العام، أنا لا أملك تصورًا محددًا، ولكن القدر المتيقن أن بقاء أزمة النائب العام معلقة بهذا الشكل، وتعريض موقع النائب العام، مفتاح العدالة، لهذا القدر من التشكيك والطعن والاهتزاز يضر البلد ضررًا فادحًا، ويضر العدالة وصورتها، كما يضر بالاقتصاد نفسه الذي يتعامل مع حالة قانونية غامضة ومضطربة وغير مستقرة، أرجو أن يدعو الرئيس مرسي وكبار مستشاريه إلى حوار خاص جاد وعاجل مع شيوخ القضاة والمجلس الأعلى للقضاء ويشارك فيه النائب العام المستشار طلعت عبد الله، للبحث عن حل نهائي لهذا الموضوع، يعيد تصحيح المسار، وترسيخ مقام منصب النائب العام، ويبعث برسائل الاطمئنان إلى الجميع بأن الرئاسة ضامنة لسيادة القانون واستقلال القضاء.