أحترم البيانات السياسية الحزبية "المتحفظة" جدًا أول أمس على التظاهر أمام مقر الأمن الوطني، اللافتة المعدلة لجهاز أمن الدولة لزوم تحسين السمعة، وأحترم ما تفضلوا بقوله إنهم يطالبون بأن نلتزم الأساليب القانونية فى الاحتجاج، وهى نغمة أول مرة أسمعها من الأحزاب نفسها التى دعت إلى التظاهر والحصار لمؤسسات إعلامية وقضائية عديدة، واعتبرت ذلك جهادًا ونصرة للمشروع الإسلامي، وكان أولى أن تتخذ الوسائل القانونية التى تتحدث عنها بدلًا من التظاهر، إذا كان مبدأ السلوك السياسى واحدًا، على كل حال، سأحترم تحفظاتها وكلماتها المنمقة وهروبها من "تهمة" المشاركة، حتى أوشكت أن تقسم بالله فى بياناتها أنها ليست من دعا للتظاهر، لكنى لا أستسيغ أن تتحدث تلك الأحزاب كما يتحدث العوام والبسطاء عن أنها تطالب الحكومة بكذا وتناشد الداخلية بكذا وترجو الرئاسة بكذا، هذا "الاستجداء" كان يحدث أيام المخلوع، وليس فى زمان الثورة المنتصرة، أولى بتلك الأحزاب أن تسمعنا زئيرها فى البرلمان الذى تشارك فيه، وأن تقدم طلبات إحاطة أو أسئلة مباشرة وتستدعى وزير الداخلية مباشرة لسؤاله ومحاكمته شعبيًا وبرلمانيًا، وتدعو كل النشطاء الذين اتهموا الأمن الوطنى بالتورط فى ملاحقتهم واستدعائهم وترويعهم من جديد، يدعونهم إلى جلسات النقاش والمواجهة مع الوزير فى البرلمان، الوزير ادعى أن هذا لم يحدث، والنشطاء قالوا له فى عينه إنه يكذب ويضلل الرأى العام وإن مكاتب أمن الدولة أو الأمن الوطني، اتصلوا بفلان وفلان وفلان بالأسماء، وحددوا حتى أرقام التليفونات التى تم الاتصال بهم من خلالها، كان أولى بتلك الأحزاب التى حلت عليها روح "الوداعة" والانضباط فجأة، أن تنتفخ أوداجها تحت قبة البرلمان غضبًا لهذا التطور الخطير، كما انتفخت أوداجها للحديث عن القضاء والفساد فى القضاء، وكأنهم اكتشفوا قضيته فجأة عندما صرخ فيهم الإخوان، أم أن الأوداج تنتفخ والأصوات تعلو إذا كان فى الأمر مجاملة لسلطة أو مجرد إثبات وجود بلا قضية من الأساس، كنت أتمنى أن أسمع أحدهم يهدد باستدعاء الوزير للمثول أمام البرلمان للتحقيق والسؤال والتهديد بعزله إذا ثبتت هذه الاتهامات، كنت أتمنى أن يظهر ـ مع الانضباط والحنية الزائدة فى البيانات ـ إحساس بالفجيعة أن نعود بعد ثورة مباركة، وبعد أن قاتلنا من أجل وصول المرشح "الإسلامي" لرأس السلطة أن نتعرض لفزاعات مباحث أمن الدولة من جديد، كنت أتمنى أن يتجرأ أحدهم ويسأل الرئيس مرسي: لماذا تصمت يا سيادة الرئيس؟ وبماذا نفسر صمتك؟ كان جيدًا أن نسأل رئيس البرلمان الإخوانى لماذا لاذ هو وجماعته بالصمت المعبر عن أبعاد الموضوع كاملة؟ المناشدات والتمنيات ومصمصة الشفاه من الأسى وقلة الحيلة يطلقها البسطاء والعامة فى الشوارع وفى محطات المترو وزحام الأوتوبيسات، أما الأحزاب السياسية فالمفترض أن أدواتها ومسؤولياتها أكثر جدية وصرامة من ذلك، وأكثر مؤسسية من ذلك، وأكثر التزامًا بأمانة حق الوطن كله عليها، وأمانة التيار الإسلامى نفسه وهو فى رقبتها، أسفت أن يتحدث بعضهم ليعطى الدروس للشباب الغاضب فى أن التظاهر لا يصح وضرره أكثر من نفعه، وأعتقد أننا فى الأسبوع المقبل سنسمع منهم فتاوى تبدأ فى تحريم التظاهر شرعًا!! الآن تسمعونا الأحاديث الشجية عن خطورة التظاهر والمندسين داخل المظاهرات، الآن نسيتم أن هذه المظاهرات هى التى حررتكم من السجون والمعتقلات، وهى التى حررتكم من أمن الدولة، وهى التى جعلتكم ضيوفًا على القصر الجمهورى بعد أن كان أحدكم لا يجرؤ على السير بالقرب من سوره الخارجي، وهى التى وضعت الرئيس نفسه فى القصر الجمهورى بعد أن حررته من السجن، الآن نتحدث بهذا التعالى عن التظاهر، لأنه ليس على الهوى وليس لصالح السلطة وحلفائها وربما يحرجهم، الآن نتأفف من التظاهر لأننا أخذنا مبتغانا منه وحققنا مصالحنا ولا ينبغى للمخالفين أن يستخدموه بعدنا، الآن أيها الرجال. - See more at: