العلاقة بين السلطة والمعارضة وصلت عند نقطة "عدمية"، كلاهما يتمسك برأيه، وهى مجموعة من الآراء التى توقفت إلى ما قبل الاستفتاء على الدستور الجديد.
كلاهما يريد "إذلال" الآخر.. أو كسر أنفسه، وهى لعبة "الهواة" وليس "المحترفين".
السياسة كما يعرفها حتى العوام، هى "فن الممكن" وربما تكون مبنى "هلاميًا" قادرًا على التشكل بحسب حركة الأرضية الرملية المتحركة من تحته.
كل الأطراف ـ إذن ـ مسئولة عن صناعة الأزمة الحالية، غير أن المسئولية تتوزع بحسب الوزن النسبى لكل طرف على الخريطة المشكلة للمشهد السياسى المصري.
فى مصر الآن أغلبية إسلامية.. وأقلية "مدنية".. وهى القسمة التى بموجبها تتحدد المسئولية الأكبر.
على سبيل المثال.. فى مصر أغلبية مسلمة وأقلية مسيحية.. الأخيرة تشكو من "اضطهاد" وتهميش وإقصاء مزعوم.. صحيح أن الشكوى على النحو الذى نراه الآن قد يكون مُستفزًا، غير أنَّ على الأغلبية مسئولية أكبر وهى مسئولية "احتواء" الأقلية، من خلال الاستماع إليهم جيدًا وحل مشاكلهم إذا وجدت فعلاً.
هذه إحدى ثوابت علم الاجتماع السياسي، وهى قاعدة تقرر مسئولية "الأغلبية" تجاه "الأقلية"، أيًا كان تصنيفها: سياسيًّا كان أو طائفيًّا.
غير أن الأزمة فى مصر ربما ترجع إلى تشوه "الوعي" الرسمي، بتلك القاعدة، إذ يظل "الاستقواء" بالأغلبية على الأقلية هو التقليد المتبع فى رسم الخرائط على الأرض، ويكتسب "الاستقواء" شرعيةً أكبر من خلال نتائج الصندوق التى ستأتى بطبيعة الحال بالأغلبية.. فيما يظل فهم الأخيرة لها بوصفها ضوءًا أخطر لدهس الجميع.
المعارضة المصرية تمثل الآن "الأقلية السياسية"، وهى قد تشاغب فى الإعلام أو فى الشارع، فيها "الغلو" وفيها أيضًا "الاعتدال".. وليست "كتلة واحدة" من بينها قيادات "نظيفة" وأخرى "معتدلة" يمكن التعامل معها.. وأخرى "مخترقة" و"فاسدة" من السهل تهميشها.. ومهما غالت بشقيها النظيف والفاسد، فى مطالبها وشغبها، فإن ذلك ليس مبررًا لأن تتخلى "الأغلبية" عن مسئوليتها، باحتواء المعارضة.. وهو عنوان كبير يضم من تحته تفاصيل كثيرة تعتمد على قدرة الأغلبية الإسلامية على إبداع حلول ومبادرات كبيرة وجسورة تشعر المعارضة بأنهم فعلا "شركاء" فى الحكم، ليس "منحة" من السلطة وإنما كـ"استحقاق" حقيقى من استحقاقات ثورة يناير.
الحلول الأمنية.. والتهديد بإحالة نشطاء المعارضة إلى النيابات والمحاكم.. لن تجدى نفعًا ولن تكون مخرجًا من الأزمة.. وإنما تكون مدخلاً إلى إشعال الحرائق فى كل مكان مجددًا.